إسلام آباد- اختتمت أعمال قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي استضافتها باكستان، أمس الأربعاء، مع تطلعات بالمضي قدما وتجديد الالتزام بالتعاون الاقتصادي والاستقرار الإقليمي وتعزيز الاتصال.
وقد اختُتم الاجتماع الـ23 لمجلس رؤساء حكومات المنظمة باعتماد عدد من القرارات والوثائق المهمة التي اعتُبرت توجيها لمسارها المستقبلي في المجالات ذات المصلحة المشتركة للدول الأعضاء فيها.
وفي البيان المشترك، أكد زعماء المنظمة عزمهم على تعزيز تعاونهم في مجالات الاقتصاد والتجارة والصناعة والاستثمار وتطوير التكنولوجيا والنقل والاتصال، وتغير المناخ والصحة العامة والثقافة، وتخفيف حدة الفقر وتمكين المرأة والشباب.
تعاون اقتصادي
رحّبت الدول الأعضاء بمبادرة إنشاء ممرات نقل فعالة وتطوير الموانئ والمراكز اللوجستية، مع الدعوة إلى تكثيف الجهود لإنشاء بنك للتنمية وصندوقي تنمية واستثمار تابعة للمنظمة.
وأعرب زعماء المنظمة عن قلقهم من تصاعد التحديات المختلفة التي تؤدي إلى تناقص تدفقات الاستثمار، وتعطيل سلاسل التوريد، وظهور حالة من عدم اليقين بالأسواق المالية العالمية مع اعتماد تدابير وقيود غير قانونية على التجارة الدولية، مؤكدين الرغبة الجماعية للمجتمع الدولي في تعزيز الترابط.
وقال الأمين العام تشانغ مينغ -في البيان ذاته- إنه تم اعتماد مفهوم التعاون بشأن تطوير حوار اقتصادي جديد بين الدول الأعضاء في الاجتماع بهدف تعزيز زخم التعاون الاقتصادي والتجاري من خلال تحسين فعالية الآليات القائمة بشكل أكبر.
وفي كلمته الافتتاحية، أوضح رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف أن التعاون الاقتصادي جوهر المشاركة بالمنظمة، وأن الاستثمار في البنية الأساسية الإقليمية وخاصة مجالات النقل والطاقة لا غنى عنه لتعزيز التكامل الاقتصادي.
وأكد شريف أهمية إنشاء إطار قوي للتواصل بين الأعضاء، وضرورة توسيع نطاق المشاريع الرائدة فيها مثل مبادرة الحزام والطريق، والممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، والممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب، مع التركيز على تطوير البنية الأساسية للطرق والسكك الحديدية والرقمية، التي تعزز التكامل والتعاون في جميع أنحاء المنطقة.
تطور مستمر
وتسعى منظمة شنغهاي للتعاون وللتطور والتوسع في مجالات تخصصها من خلال اهتمام هذه القمة بعمل المنظمة الداخلي في ضوء المواقف والاحتياجات الجديدة، مثل زيادة عدد الدول الأعضاء.
وتعكس قرارات إنشاء بنك التنمية وصندوقي التنمية والاستثمار -الصادرة خلال مجلس رؤساء المنظمة التنفيذيين في 4 يوليو/تموز 2024- وجود رغبة جامحة لدى الأعضاء لإيجاد نظام مالي للتغلب على الصعوبات والعراقيل الاقتصادية وضمان هامش استقلالية مالية واقتصادية لأعضائها.
وفي هذا السياق، يرى عثمان تشوهان المستشار بالاقتصاد والتنمية الوطنية مركز دراسات الفضاء والأمن في إسلام آباد أن منظمة شنغهاي للتعاون تطورت بشكل واضح ودخلت مراحل جديدة من التقدم. ويقول للجزيرة نت إنها توسعت في نطاقها لمعالجة مجموعة واسعة من القضايا الاقتصادية والمناخية والتنموية (مثل الفقر) بعد أن كان تركيزها على الأمن والتعاون السياسي.
ووفقا له، كان هذا التطور واضحا في المناقشات التي جرت خلال القمة. وأضاف أن المنظمة لم تعد مجرد منتدى أمني بل تحولت إلى منصة لتعزيز التكامل والتعاون الاقتصادي.
ويتابع تشوهان “إن نطاق التواصل سيكون أعظم عند إنشاء بنك للمنظمة”. ويربط نجاحها -في الجمع بين الاقتصادات المتنوعة وتسهيل الحوار بشأن التحديات المشتركة- بتطوير القدرة المؤسسية اللازمة لمعالجة الاحتياجات المعقدة للدول الأعضاء بهذه البيئة العالمية المتغيرة بسرعة.
من جهته، يرى محمد مهدين الخبير في العلاقات الدولية ورئيس معهد دراسات العلاقات الدولية والإعلام في لاهور أنه -بشكل عام- كانت نتائج مؤتمر المنظمة مشجعة وإيجابية للغاية.
وفي حديثه للجزيرة نت، يرى مهدي أن هناك العديد من القضايا التي أعربت فيها الدول الأعضاء عن التزامها بالتعاون المشترك، وأن بعض القرارات الجيدة التي خرجت من القمة لا تُظهر الالتزام فحسب، بل أيضا تمثل خطوات عملية لذلك.
ويقول إنه رغم التوافق في عدد من القضايا إلا أنه لم يتم تحديد هيكل للتعاون بشأنها. ويعلل ذلك بأنه فيما يخص هذا النوع من المنظمات، يتم ذكر الأهداف أولا ثم -ببطء- التحرك لتحقيقها، رغم أنه لا يمكن النجاح في جميع القضايا.
آفاق وتحديات
وبرأي الخبير مهدي، فإن الواقع الحقيقي للسياسة العالمية هو الاقتصاد. وقد اتخذت المنظمة خطوة مهمة بهذا الصدد، حيث تم الاتفاق على إنشاء بنك التنمية وصندوق التنمية لتحقيق أهدافهما التنموية.
بدوره، يقول المستشار عثمان تشوهان إن آفاق منظمة شنغهاي للتعاون المستقبلية -على الصعيد الاقتصادي- مشجعة للغاية، مع إمكانات هائلة للتجارة الإقليمية والاستثمار وتطوير البنية الأساسية.
ويعتقد أنه في ضوء نتائج القمة، يمكن توقع رؤية مبادرات جديدة عديدة تهدف إلى تعزيز الاتصال الإقليمي والتكامل الاقتصادي والتمويل، والنقل، والزراعة، والتعليم، والسياحة وغيرها.
من جهته، يقول الخبير مهدي إنه تمت مناقشة ممر النقل بين الدول الأعضاء والاتفاق على تجهيز السكك الحديدية بتكنولوجيا رقمية أكثر تقدما، وهي خطوة يراها مهمة للغاية من حيث الاتصال لتعزيز الروابط المتبادلة.
ووفقا له، فإنه نتيجة لهذا المؤتمر، تحسنت العلاقات المتبادلة بين الدول أيضا، حيث تزداد علاقات باكستان مع الصين قوة بمرور الوقت، كما أشار إلى أهمية القمة في إمكانية إصلاح العلاقات بين باكستان والهند أيضا.
وبشأن التحديات التي تواجهها، يقول المستشار عثمان إنه في حين تتمتع المنظمة بوضع جيد يسمح لها بدفع المشاريع التي من شأنها أن تعزز الاتصال الإقليمي مثل ممرات النقل وخطوط أنابيب الطاقة والبنية الأساسية الرقمية، فإن هذه المشاريع تتطلب تنسيقا كبيرا وإرادة سياسية.
ويتمثل التحدي -حسب عثمان- في ضمان التزام جميع الدول الأعضاء بالتعاون الاقتصادي طويل الأمد، خاصة في ضوء حالة عدم اليقين الاقتصادي العالمي والتوترات السياسية. وبالنسبة لباكستان، فإن الأولوية ستكون بالاستفادة من هذه الآفاق عبر تعزيز المبادرات التي تجتذب الاستثمار وتحسن أساسياتها الاقتصادية. وسيكون دورها في قيادة هذه المشاريع حاسما لتحسين الاقتصاد الوطني والاستقرار الإقليمي.
في المقابل، يرى الخبير مهدي أن التحدي الحقيقي الوحيد الذي يواجه منظمة شنغهاي للتعاون هو وجود خلافات متبادلة بين الدول المشاركة فيها، ولا يتعلق الأمر فقط بباكستان أو الهند، ولكن أيضا بالصراع بين بكين ونيودلهي على نهر جالوان مثلا.