هجوم مفاجئ لحزب الله على لواء غولاني.. هل يغير معادلات الحرب مع إسرائيل؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 14 دقيقة للقراءة

وسط سيل تصريحات قادة الجيش الإسرائيلي بأن حزب الله أصبح تنظيما بلا رأس بعد اغتيال حسن نصر الله أمينه العام، والصف الأول من قادته العسكريين، وبأنه يواجه أزمة في قدراته بعد فقدانه جزءا كبيرا من صواريخه قصيرة ومتوسطة المدى، وبأن قوته الجوية تعاني بعد اغتيال قائدها محمد حسين سرور في سبتمبر/أيلول الماضي، نفذ حزب الله هجومه الأكثر نكاية بجنود الجيش الإسرائيلي.

إذ أعلن الحزب في بيان رسمي استهدافه معسكر تدريب للواء غولاني في “بنيامينا” جنوب حيفا بسرب من المسيّرات الانقضاضية ردا على المجازر التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في بيروت وبقية أنحاء لبنان.

ومازالت تفاصيل الهجوم تتكشف تباعا، فالجيش الإسرائيلي أعلن سقوط 4 قتلى وإصابة نحو 70 آخرين بينهم العشرات بحالة خطرة ومتوسطة. بينما نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن التحقيقات الأولية أن المسيرة المستخدمة بالهجوم من طراز “شاهد 107” في حين قالت مصادر أخرى إنها من طراز “مرصاد” التي يتراوح مداها بين 150 و200 كيلومتر.

وأشارت إذاعة الجيش الإسرائيلي إلى أن المسيرة المهاجمة أطلقت صاروخا على قاعدة تدريب لواء غولاني قبل أن تصطدم  بمكان تناول الطعام داخل القاعدة، مما يعيد للذاكرة استخدام الحزب هذا النوع من المسيرات المحملة بصواريخ للمرة الأولى في مايو/أيار 2024 عندما هاجمت مسيرة مزودة بصاروخين موقعا عسكريا إسرائيليا في المطلة.

وسواء وقع الهجوم بمسيرة واحدة أصابت الهدف بينما أسقطت الدفاعات الإسرائيلية مسيرة أخرى -وفق تصريحات الإسرائيليين- أو تم الهجوم عبر سرب طائرات انقضاضية مثلما أعلن حزب الله، وسواء كان عدد القتلى 4 جنود أو أكثر، أو كانت الطائرة من طرازي “شاهد، صماد” فإن الهجوم يحمل رسائل تتخطى تلك التفاصيل، وإن كانت المعطيات مهمة لفهم طبيعة الهجوم والدروس المستفادة منه على الجانب التقني العسكري.

امتصاص الضربات الإسرائيلية

يأتي نجاح الهجوم على قاعدة لواء غولاني، والقدرة على تجاوز الدفاعات الجوية بطبقاتها المتعددة، بعد أقل من شهر على الهجمات الإسرائيلية القاسية والمباغتة التي تلقاها حزب الله والتي أودت بأبرز قادته والعديد من مخازن أسلحته، وبنيته التحتية العسكرية، مما أثار تساؤلات حينها حول مدى قدرة الحزب على التماسك ومواصلة القتال ضمن منظومة تحكم وسيطرة فاعلة في ظل تلك الأجواء.

ويشير هجوم “بنيامينا” إلى أن حزب الله يمضي في مسيرة التعافي من صدمة الضربات الإسرائيلية التي تلقاها، فنجاح مسيرة في الوصول إلى هدفها جنوب حيفا لتصيب قاعدة عسكرية لحظة تناول الجنود للطعام، وبالتزامن مع إطلاق صليات صاروخية باتجاه نهاريا وعكا لتشتيت الدفاعات الإسرائيلية وقت الهجوم، يوضح وجود نظام قيادة وسيطرة قام بتنسيق وتنظيم الجهود بين استخدام القوتين الجوية والصاروخية، فضلا عن وجود معلومات استخبارية مسبقة دقيقة بمكان القاعدة المستهدفة، إضافةً لما تشير إليه بعض التحليلات من معرفة حزب الله جدول تحركات جنود الجيش الإسرائيلي في تلك القاعدة وتناولهم الطعام في ذلك التوقيت وتلك القاعة، كما يعني أيضا من الناحية العسكرية وجود غرفة تحكم للإشراف على توجيه الطائرة خلال رحلة طيرانها، وصولا لإطلاق صاروخ من الطائرة نحو الهدف قبيل اصطدامها به لتفجيره.

وجاء الهجوم ضمن سلسلة هجمات يومية تثبت قدرة حزب الله على مواصلة إدارة المعركة بالجنوب رغم الغارات الإسرائيلية والقصف المدفعي ومحاولات التقدم البري الذي تشترك فيه 4 فرق إسرائيلية. فمقاتلو الحزب مازالوا يطلقون يوميا ما بين 100 و200 صاروخ باتجاه المواقع والقواعد العسكرية والمستوطنات، كما يستهدفون مناطق تحشيد الجيش الإسرائيلي، ويتصدون لمحاولات التسلل والتقدم البري، وهو ما أسفر يوم 13سبتمبر/أيلول عن إصابة 100 جندي إسرائيلي على الأقل إذا ما حسبنا مجمل العمليات التي تمت خلال اليوم، مما يعني أن هذه هي المحصلة الأكبر من نوعها.

وقد أثبت هجوم بنيامينا أيضا أن العدوان على لبنان لن يكون نزهة، وأن الاحتلال يتعرض لحرب استنزاف يومية تثقل كاهله ماديا وبشريا، في ظل رفض الحريديم التجنيد بالجيش، ومشكلة تمديد فترات خدمة جنود الاحتياط، مما يبدد النشوة بالإنجازات المتتالية التي تحققت ضد حزب الله منذ حوادث تفجير أجهزة البيجر واللاسلكي ثم اغتيال قادة قوة الرضوان وصولا لاغتيال نصر الله.

أما داخليا، وعلى مستوى الحاضنة الاجتماعية والشعبية لحزب الله التي تعرضت لهزات متتالية بلغت أوجها باغتيال “نصر الله” الذي يمثل رمزية عالية وقيادة كاريزمية لتلك الحاضنة، فإن إلحاق خسائر بالجيش الإسرائيلي وتنفيذ هجمات ناجحة يعزز من الصمود ويدعم الحالة النفسية لعناصر الحزب ومقاتليه، ويدفعهم لمواصلة القتال في مرحلة حرجة وحساسة يتباهى خلالها مسؤولون أميركيون وإسرائيليون بأن لبنان دخل مرحلة جديدة لم يعد لحزب الله فيها مكانة وحضور مثل السابق.

وعلى الجانب المقابل، يتحدى مقاتلو الحزب تلك المزاعم، وما زالت بيانات الحزب الرسمية تشير إلى أنهم سيهجرون من شمال إسرائيل أعدادا أكبر من المستوطنين، وبأن عودتهم لمنازلهم لن تحدث سوى في حال وقف النار في لبنان وغزة.

رسائل إقليمية

لقد وقع هجوم “بنيامينا” ليكون الأشد أثرا على جنود الجيش الإسرائيلي في الجبهة اللبنانية منذ بدء الحرب قبل أكثر من سنة. ويأتي هذا الهجوم وسط توتر إقليمي غير مسبوق في ظل ترقب حجم وطبيعة ونوعية الرد الإسرائيلي على القصف الإيراني لإسرائيل مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

فالعديد من قادة الأحزاب والساسة الإسرائيليين وفي مقدمتهم وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان، ورئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت، يدعون لاقتناص فرصة إضعاف حزب الله من أجل تنفيذ هجوم يستهدف المنشآت النووية الإيرانية وحقول النفط، وذلك باعتبار أن الحزب لم يعد قادرا على إيلام إسرائيل، وأن إيران فقدت أحد أبرز أدوات الردع التي تمتلكها.

وفي سياق متصل، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) أنها ستشرع في نشر بطاريات نظام “ثاد” للدفاع الصاروخي، والذي يعد الأحدث من نوعه عالميا، رفقة 100 جندي لتشغيلها، بهدف حماية إسرائيل من أي هجمات إيرانية مستقبلية ردا على الهجوم الإسرائيلي المنتظر.

ولكن هجوم “بنيامينا” أثبت أن حزب الله مازال يملك قدرات قتالية فاعلة، وأن بإمكانه إلحاق خسائر وأضرار بجيش الاحتلال، وباستخدام معدات عسكرية يصعب حتى على نظام “ثاد” في حال تثبيته أو أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي الإسرائيلية التصدي لها.

كما جاء الهجوم بعد يوم واحد من زيارة محمد باقر قاليباف رئيس البرلمان الإيراني، والقائد السابق بالحرس الثوري، إلى بيروت عبر طائرة قادها بنفسه، وتفقده رغم خطورة الأوضاع مواقع شهدت غارات إسرائيلية، وذلك لإبداء الدعم لحزب الله والتعهد بالوقوف بجواره وعدم التخلي عنه في المعركة الحالية.

وقد جاءت زيارة قاليباف بعد أيام معدودة من زيارة أخرى قام بها وزير الخارجية عباس عراقجي إلى بيروت. وتعزز تلك الزيارات المتتالية رسالة من طهران بأنها ستبذل قصارى جهدها لمساعدة حزب الله على التعافي، بينما يبرهن حزب الله من جانبه أنه مازال حاضرا وفاعلا في المعركة.

دلالات عسكرية تقنية

يندرج هجوم حزب الله، على قاعدة غولاني جنوب حيفا، ضمن النقاش العسكري حول مدى تأثير استخدام الطائرات المسيرة في الحروب، وهل هو تكتيكي فقط أم يمكن أن يتطور ليصبح تأثيرا إستراتيجيا يغير قواعد اللعبة ومسار الحرب؟

ويذهب مارسيل بليشتا وأ ش روسيتير -في دراسة نشراها في أغسطس/آب 2024 بعنوان “ثورة في الطائرات بدون طيار الهجومية أحادية الاتجاه: دقة عالية بأسعار معقولة في الصراعات الحديثة”- إلى أن انخفاض تكلفة إنتاج الطائرات المسيرة في عصر الإلكترونيات رخيصة الثمن شجع على التوسع في إنتاجها، مشيرين إلى دقتها العالية في إصابة الأهداف وسهولة تصنيعها واستخدامها نظرا لأن مكوناتها الرئيسية مثل المحركات وأجهزة الملاحة غالبًا ما تكون مزدوجة الاستخدام ومتاحة تجاريًا، وهو ما يتيح للأطراف الأضعف في الصراعات فرصة لضرب أهداف نوعية وحساسة من مسافات بعيدة، ويغير من طبيعة الحرب الجوية.

كما يعطي ميزة للمهاجم على حساب المدافع لسهولة إطلاق الطائرات المسيرة من بيئات شديدة الوعورة وبإمكانات لوجستية يسيرة، فضلا عن إرهاقها لأنظمة الدفاع الجوي في ظل صغر بصمتها الرادارية وعدم التناسب المادي. فإسقاط طائرة مسيرة انتحارية تتراوح تكلفتها من بضعة مئات إلى بضعة آلاف من الدولارات -كما في حالة طائرة “صماد” إيرانية الصنع التي تبلغ تكلفة إنتاجها 20 ألف دولار- يتطلب استخدام صواريخ تبدأ تكلفتها من 50 ألف دولار وصولا إلى مليون دولار على الأقل للصواريخ الأكثر تطورا.

أما قائد القيادة المركزية الأسبق الجنرال كينيث ماكينزي، فيذهب -في دراسة نشرها بمعهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى التابع للوبي الداعم لإسرائيل بالولايات المتحدة “أيباك” في فبراير/شباط 2023 بعنوان “القصف المضاد: إيران وبروز حرب الطائرات بدون طيار غير المتماثلة بالشرق الأوسط”- إلى أن التفوق الجوي الذي تمتعت به الولايات المتحدة بشكل عام منذ الحرب العالمية الثانية أصبح من الماضي بفضل الطائرات المسيرة.

وعند تطبيق رأي ماكينزي على حالة الصراع بين إسرائيل وحزب الله، نجد أن الأخير أصبح قادرا على شن غارات جوية على أهداف ثابتة ومتحركة، وبدقة عالية، وبتكلفة منخفضة، وبعمق يغطي كافة أنحاء إسرائيل، مما يمثل منعطفا في طبيعة الصراع.

وستتضح دلالات هجوم حزب الله على “بنيامينا” عند إضافته إلى هجوم آخر في ذات الشهر نفذته فصائل عراقية بمسيرة مستهدفة موقعا عسكريا للواء غولاني بالجولان السوري المحتل مما أسفر عن مقتل جنديين إسرائيليين وإصابة 24 جنديا آخرين في حصيلة هي الأكبر من نوعها بالهجمات التي تنطلق من العراق.

وسبقه كذلك في يوليو/تموز هجوم انطلق من اليمن بمسيرة طويلة المدى طراز “يافا” استهدفت تل أبيب مما أدى إلى مقتل إسرائيلي وإصابة 10 آخرين، في عملية وُصفت بأنها 7 أكتوبر/ تشرين الأول آخر. حيث أعلن جيش الاحتلال أنه رصد الطائرة لكنه شخّصها بالخطأ كهدف غير معاد خلال قدومها من جهة البحر المتوسط على غير المعتاد من الطائرات القادمة من اليمن، وهو ما اعتُبر فشلا مدويا لأنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، كما كشف عن فجوة في التنسيق مع القوات الأميركية في البحر الأحمر.

ورغم ما سبق، فقد جادل كل من بليشتا وروسيتير بأن الطائرات المسيرة الانتحارية لم تثبت بعد قدرتها على إحداث تغيير إستراتيجي في الحروب، حيث اقتصرت منجزاتها على الجانب التكتيكي، فصحيح أنها تزيد من أعباء الخصم، وتستطيع الوصول لأهداف في عمق أراضيه، وتستنزف قدراته بالأخص في حال استخدامها بوتيرة مكثفة، لكن تلك النوعية من الطائرات لم تثبت بعد قدرتها على تحقيق الردع أو تغيير ديناميكيات القوة بين الدول والتنظيمات غير الدولتية أو كسر إرادة الخصم عبر تحقيق خسائر فادحة تجبره على اللجوء للتفاوض لإنهاء الحرب.

وعند إسقاط تلك المعطيات على حالة الحرب بين حزب الله وإسرائيل، نجد أن الطائرات المسيرة الانتحارية تلعب دورا في استهداف العمق الإسرائيلي، وكذلك تجمعات المشاة بجيش الاحتلال التي تتقدم نحو قرى الحد الأمامي بالجنوب اللبناني، فضلا عن استهداف معدات عسكرية وأجهزة تجسس على الحدود، وذلك بجوار مهام أنواع أخرى من الطائرات المسيرة تقوم بأعمال المراقبة والاستطلاع وجمع المعلومات الاستخبارية مثلما برز في إصدارات “الهدهد” التي صورت مواقع عسكرية إسرائيلية حساسة في حيفا وخليجها، ولكنها لا تتمكن بمفردها من تغيير دفة القتال في ظل امتلاك إسرائيل أحدث أنواع الأسلحة أميركية الصنع، وقدرات نارية أكثر فتكا.

فقدان الشعور الأمن

إن الملمح الأهم في تأثير استخدام حزب الله بنجاح للطائرات المسيرة الانقضاضية -وفق تعبيره- أو الانتحارية وفق التعبير المتداول عالميا، يتمثل في دورها في تبديد شعور الإسرائيليين بالأمن.

فبرغم الضربات الإسرائيلية القاسية والنوعية في غزة والضفة ولبنان واليمن وصولا إلى سوريا وإيران، إلا أن إسرائيل تتلقى هي الأخرى ضربات يومية بأسلحة متنوعة من جبهات متعددة، ما بين طائرات مسيرة وصواريخ تنطلق من لبنان واليمن وإيران والعراق، إلى هجمات حرب عصابات في غزة، وعمليات إطلاق نار في الضفة، وحوادث طعن ودهس وإطلاق رصاص في “أراضي 48” مما يفقد الإسرائيلي الشعور بالأمن، فهو لا يدري ما الذي ينتظره في يومه سواء في منزله أو حين يخرج لعمله أو عندما يتنقل في الشارع.

إن جوهر مشروع الحركة الصهيونية التي أنشأت إسرائيل يقوم على ضمان الأمن. وهو ما تحطم، بحسب مراقبين ومحللين، صبيحة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ومازالت تداعياته تتفاعل وصولا إلى “هجوم بنيامينا” الذي يعد حلقة في سلسلة هجمات لا يبدو أن لها نهاية.

فإسرائيل رغم قدراتها العسكرية المستندة على الدعم الأميركي والغربي المفتوح، فإنها تعيش في محيط عربي وإسلامي واسع، مازالت قطاعات منه تقاوم وتقاتل، وتحاول استنهاض قطاعات أخرى، وتتطور قدراته العسكرية، والتي كانت تقتصر في الانتفاضة الأولى على الحجارة والسكاكين والأسلحة الخفيفة، بينما اليوم تُستخدم فيه طائرات مسيرة وصواريخ باليستية وقذائف موجهة، مُحدثةً خسائر مادية وبشرية ليست بالقليلة مما ينحت في جسد فكرة المشروع الصهيوني من أساسه، ويعزز القناعة بعدم إمكانية توافر الأمن للإسرائيليين دون توفره لأهل فلسطين والبلاد المجاورة.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *