هآرتس: شهادة فلسطيني مفرج عنه عن التعذيب والاعتداء الجنسي بسجون إسرائيل

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 12 دقيقة للقراءة

عامر أبو خليل، أحد سكان الضفة الغربية، كان ناشطا في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) سُجن دون محاكمة وهو يتذكر التعذيب الروتيني زمن الحرب الجارية حاليا، والذي عاناه في سجن كتزيوت الإسرائيلي.

هكذا بدأت “هآرتس” تقريرا عن قصة المحتجز الفلسطيني السابق، قائلة إنه لا يوجد تشابه بين الشاب الذي جلس مع مراسليها هذا الأسبوع لساعات في فناء منزله الخلفي ببلدة دورا بالقرب من مدينة الخليل، وبين الفيديو الذي سجل لحظات إطلاق سراحه من السجن الأسبوع الماضي.

في مقطع الفيديو، يظهر أبو خليل ملتحيا، أشعث، شاحبا وهزيلا، وكان بالكاد قادرا على المشي، والآن يظهر بشكل جيد وهو يرتدي بنطالا رياضيا وسترة قرمزية مع منديل ملوّن مدسوس في جيبه. وكان قد اُجبر لمدة 192 يوما على ارتداء نفس الملابس بالسجن. وذلك ربما يفسر أناقته الشديدة الآن.

فوبيا الكلاب

وأضاف تقرير الصحيفة الإسرائيلية أنه لا يوجد أي تشابه بين ما رواه أبو خليل في سلسلة لا تنتهي من الكلمات التي يصعب إيقافها -المزيد والمزيد من الروايات المروعة، واحدة تلو الأخرى، مدعومة بالتواريخ والنماذج المادية والأسماء- وبين ما عُرف حتى الآن حول ما كان يحدث بمرافق الاحتجاز الإسرائيلية منذ بداية الحرب. ومنذ إطلاق سراحه، الأسبوع الماضي، لم ينم أبو خليل ليلا خوفا من القبض عليه مرة أخرى، وقد أصبحت رؤية كلب في الشارع ترعبه.

وتضيف “هآرتس” بأن شهادة أبو خليل، حول ما يجري في سجن كتزيوت في النقب، أكثر إثارة للصدمة من الرواية القاتمة التي نشرتها قبل شهر، لسجين آخر يدعى منذر (53 عاما) والذي كان معتقلا في سجن عوفر، حيث كان قد شبه سجنه بمعتقل “غوانتانامو”. أما أبو خليل فقد أسماه سجن أبو غريب مستحضرا تلك المنشأة العقابية سيئة السمعة في العراق التي استخدمها الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة بعد الغزو.

غرائز بن غفير

وقالت الصحيفة إن مصلحة السجون الإسرائيلية يجب أن تكون التالية في قائمة العقوبات الأميركية، مضيفة أنه يبدو أن السجون هي المجال الذي تجد فيه كل الغرائز السادية لوزير الأمن إيتمار بن غفير منفذا لتفريغها.

وأوضح التقرير أن باحثين ميدانيين اثنين من منظمة بتسيلم الإسرائيلية لحقوق الإنسان رافقا مراسليها في زيارة منزل أبو خليل، وهما منال الجعبري وباسل العدرة. ووردت تفاصيل حكاية أبو خليل في تقرير “هآرتس” كما يلي:

أبو خليل (30 عاما) متزوج من بشرى (27 عاما) ولهما ابن اسمه توفيق (8 أشهر) وُلد بينما كان والده في السجن. قابله أبو خليل لأول مرة الأسبوع الماضي، وصعب على الوالد، عاطفيا، حمل الرضيع بين ذراعيه.

أبو خليل تخصص في مجال الاتصالات من جامعة القدس في أبو ديس المجاورة للقدس وتخرج منها، ومن قبل كان ناشطا في فرع “حماس” بالمدرسة، وهو متحدث سابق باسم شركة الاتصالات الخلوية الفلسطينية “جوال”.

ومنذ اعتقاله لأول مرة، عام 2019، أمضى فترة تراكمية قدرها 47 شهرا بالسجن الإسرائيلي، معظمها في “الاعتقال الإداري” حيث لا يتم تقديم المعتقل للمحاكمة. كما أرادت السلطة الفلسطينية احتجازه في وقت واحد، لكنه لم يحضر للاستجواب. ومثل بعض أشقائه، نشط أبو خليل في “حماس” لكنه ليس “شخصية بارزة فيها” كما يقول في كلماته العبرية القليلة.

مشبوه بكل الحالات

في إحدى المناسبات، استدعي أبو خليل للاستجواب من قبل جهاز الأمن العام (الشاباك) من خلال مكالمة إلى والده. رد أبو خليل على محقق عندما سأله عن سبب عدم صلاته بالسجن في الآونة الأخيرة بقوله “عندما أكون هادئا أكون مشبوها. وعندما لا أكون هادئا، أكون مشبوها أيضا!”.

وكان أبو خليل يدخل غرف الاستجواب ويخرج منها، حتى 4 ديسمبر/كانون الأول 2022، عندما تم اقتحام منزله في جوف الليل، تم اعتقاله مرة أخرى، وإرساله إلى الاعتقال الإداري دون محاكمة. وهذه المرة كان لمدة 4 أشهر تم تمديدها مرتين 4 أشهر إضافية، وكان من المقرر إطلاق سراحه في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ولكن بعد ذلك اندلعت الحرب وخضع السجن لتغيير جذري، وتغيّرت شروط احتجاز جميع أسرى “حماس” الذين كان من المقرر إطلاق سراحهم ومن بينهم أبو خليل.

وفي فترة احتجازه الأخيرة، عمل طباخا بجناح “حماس” في السجن. ويوم الخميس قبل اندلاع الحرب، فكر في إعداد الفلافل لنزلاء الجناح البالغ عددهم 60 شخصا، لكنه قرر بعد ذلك تأجيل ذلك حتى السبت. ويوم الجمعة ألقى خطبة صلاة الجمعة وتحدث عن الأمل. واستيقظ السبت الساعة 6 صباحا لتحضير الفلافل، لكن لم يعد يسمح للسجناء هناك بإعداد طعامهم أو إلقاء الخطب.

صواريخ المقاومة

ولم يمض وقت طويل بعد ذلك حتى بثت القناة 13 الإسرائيلية صورا لشاحنات صغيرة من “حماس” تسيّر عبر سديروت، وسقط وابل من الصواريخ التي أطلقت من غزة شمال القدس، في الضفة الغربية بينما ردد السجناء “الله أكبر” واختبؤوا تحت أسرتهم من الصواريخ إذ ظنوا للحظة أن إسرائيل قد تم غزوها.

وحوالي منتصف النهار، وصل حراس السجن وصادروا جميع أجهزة التلفزيون والراديو والهواتف المحمولة التي تم تهريبها. وصباح اليوم التالي لم يفتحوا أبواب الزنازين. ثم بدأ التقييد والضرب وسوء المعاملة في 9 أكتوبر/تشرين الأول.

وفي 15 أكتوبر/تشرين الأول، دخلت قوات كبيرة السجن وصادرت جميع الأشياء الشخصية بالزنازين، بما في ذلك الساعات وحتى الخاتم الذي كان يرتديه أبو خليل، كان ذلك بداية 192 يوما لم يتمكن خلالها من تغيير ملابسه. وزنزانته، التي كان من المفترض أن تحتجز 5 سجناء، تحتجز الآن 20 نزيلا، وبعد ذلك 15 شخصا ومؤخرا 10 نزلاء ينام معظمهم على الأرض.

كلاب ودماء

في 26 أكتوبر/تشرين الأول، اقتحمت قوات كبيرة من “وحدة كيتر” التابعة لدائرة السجون للتدخل التكتيكي، برفقة كلاب، وأطلق العنان لأحدها ليدخل السجن. ويتذكر أبو خليل أن الحراس والكلاب دخلوا في حالة من الهياج، وهاجموا النزلاء الذين ترك صراخهم أرجاء السجن بأكملها في حالة من الرعب. وسرعان ما غطيت الجدران بدماء النزلاء، وكان أحد الحراس يصيح في وجه المحتجزين “أنت حماس، أنت داعش، أنت اغتصبت، قتلت، اختطفت والآن حان وقتك” وكانت الضربات التي أعقبت ذلك شديدة الوحشية، وتم تقييد المحتجزين.

وأصبح الضرب شأنا يوميا. ومن حين لآخر كان الحراس يطالبون الأسرى بتقبيل العلم الإسرائيلي ويأمرونهم بقول “أنا يسرائيل تشاي!” أي “يعيش شعب إسرائيل”. كما أمروهم بالإساءة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وتم حظر الأذان في الزنازين. وأصبح السجناء يخشون نطق أي كلمة تبدأ بحرف “ح” خشية أن يشك الحراس في أنهم قالوا “حماس”.

في 29 أكتوبر/تشرين الأول، توقف إمداد الزنازين بالمياه الجارية، باستثناء ما بين الساعة 2 مساء و3:30 مساء، ولم يسمح لكل زنزانة سوى بزجاجة واحدة لتخزين المياه ليوم كامل.

وكان من المقرر مشاركة ذلك من قبل 10 نزلاء، بما في ذلك للاستخدام في المرحاض داخل الزنزانة. وتمت إزالة أبواب المرحاض من قبل الحراس، فاضطر المحتجزون لستر أنفسهم ببطانية عند قضاء حاجتهم.

وخلال ساعة لا تتوفر فيها المياه الجارية، خصص السجانون 5 دقائق في المرحاض لكل محتجز بالزنزانة. ومع عدم وجود مواد التنظيف، قاموا بتنظيف المرحاض والأرضية بقليل من الشامبو الذي تم إعطاؤه لهم، باستخدام أياديهم العارية.

ولم تكن هناك كهرباء على الإطلاق. وكان الغداء يتكون من كوب صغير من الزبادي ونقانق صغيرة نصف مطبوخة و7 شرائح خبز. وفي المساء يتلقون وعاءً صغيرا من الأرز، وفي بعض الأحيان يقوم الحراس بتسليم الطعام عبر رميه على الأرض.

هآرتس: مصلحة السجون الإسرائيلية يجب أن تكون التالية بقائمة العقوبات الأميركية (رويترز)

تجريد من الملابس

في 29 أكتوبر/تشرين الأول، طلب نزلاء زنزانة أبو خليل ممسحة لغسل الأرض. وكان الرد على ذلك هو إرسال “وحدة كيتر” المرعبة إلى زنزانتهم.

“الآن ستكونون مثل الكلاب” هكذا قال الحراس. وكانت أيدي السجناء مكبلة خلف ظهورهم واُمروا بالتحرك فقط مع ثني الجزء العلوي من أجسامهم، ثم نُقلوا إلى المطبخ، حيث تم تجريدهم من ملابسهم وإجبارهم على الاستلقاء كل منهم فوق الآخر. كومة من 10 سجناء عراة. وهناك، تعرضوا للضرب بالهراوات والإهانة.

ويجلس أبو خليل في المنزل الآن، وهو يحكي قصته، وينظر إلى الأسفل، ويتباطأ تدفق الكلمات. إنه محرَج من الحديث عن هذا. وبعد ذلك -يتابع- انحنت الكلاب عليهم وهاجمتهم. ثم سُمح لهم بارتداء ملابسهم الداخلية قبل إعادتهم إلى زنزانتهم، حيث وجدوا ملابسهم ملقاة في كومة. كما خضعوا لفحوصات بجهاز الكشف عن المعادن وهم عراة.

الأسوأ لم يأت بعد

في 5 نوفمبر/تشرين الثاني، يتذكر أنه كان بعد ظهر يوم الأحد، قررت الإدارة نقل أسرى حماس من بلوك 5 إلى بلوك 6. واُمر نزلاء الزنازين 10 و11 و12 بالخروج بأيديهم مقيدة خلف ظهورهم والمشي المعتاد المنحني. وأخذهم 5حراس (ذكر أبو خليل أسماءهم) إلى المطبخ. مرة أخرى تم تجريدهم. وكان الحراس يندفعون نحوهم ويركلونهم، يندفعون ويركلون، مرارا وتكرارا. وحشية لا تتوقف لمدة 25 دقيقة، هزوهم ودفعوهم مثل الكرات من زاوية لأخرى في الغرفة، ثم نقلوهم إلى زنازينهم الجديدة في البلوك 6.

وزعم الحراس أنهم سمعوا أبو خليل يدعو الله من أجل غزة. وفي المساء، دخلت “وحدة كيتر” زنزانته وبدأت في ضرب الجميع، بمن فيهم إبراهيم الزير (51 عاما) من بيت لحم، والذي لا يزال في السجن. كانت إحدى عينيه ممزقة تقريبا من الضربات. ثم اُجبر المحتجزون على الاستلقاء على الأرض بينما داس الحراس عليهم. وفقد أبو خليل وعيه. وبعد يومين جاءت جولة أخرى من الضربات وأغمي عليه مرة أخرى. “هذه هي النكبة الثانية” قالها الحرس، في إشارة إلى الكارثة التي عاشها الفلسطينيون وقت تأسيس إسرائيل. وضرب أحدهم أبو خليل على رأسه بخوذة.

إغماء قبل التعذيب

بين 15 و18 نوفمبر/تشرين الثاني ظل المحتجزون بزنزانة أبو خليل يتعرضون للضرب 3 مرات يوميا. وفي 18 نوفمبر/تشرين الثاني، سأل الحراس المحتجزين إن كان أي منهم عضو في حركة حماس، فلم يرد أحد. ولم تكن مدة الضربات طويلة هذه المرة. وسُئلوا بعد ذلك “هل بينكم بسام؟” مرة أخرى لم يرد أحد، لأنه لا يوجد بينهم من يحمل اسم بسام، ومرة ثالثة تم استدعاء “وحدة كيتر”. وجاؤوا في المساء. وقال أبو خليل إنه قد أغمي عليه، هذه المرة، قبل أن يتعرض للضرب، من الخوف الشديد.

وفي هذا الوقت تقريبا، توفي طير أبو عصب (38 عاما) وهو معتقل بسجن كتزيوت. ويُشتبه في أنه تعرض للضرب حتى الموت من قبل الحراس لرفضه أن يحني رأسه كما اُمر. واحتُجز 19 حارسا لاستجوابهم للاشتباه في أنهم هاجموا أبو عصب. واُفرج عنهم جميعا دون توجيه أي تهم إليهم.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *