قالت “هآرتس” إن سقوط رئيسة جامعة هارفارد “كلودين غاي” في وقت سابق من هذا الشهر، عقب جلسة استماع في الكونغرس حول معاداة السامية، هو الحادث الأكثر وضوحا في نمط مثير للقلق منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وبداية حرب غزة، الذي أشعل نار التوتر بين المجتمعات السوداء واليهودية في الولايات المتحدة.
وأشارت الصحيفة الإسرائيلية -في تقرير بقلم جودي مالتز- إلى أن غاي لم تلم صراحة المانحين اليهود الأثرياء على رحيلها، ولكنهم لعبوا دورا رئيسيا في سقوطها، ومن المرجح أنهم كانوا في ذهنها عندما كتبت “أولئك الذين قاموا بحملة لا هوادة فيها حتى الإطاحة بي غالبا ما يتاجرون بالأكاذيب والشتائم الشخصية. لقد أعادوا تدوير الصور النمطية العنصرية المتعبة حول موهبة السود ومزاجهم. لقد دافعوا كذبا عن اللامبالاة وعدم الكفاءة”.
وبالفعل كان بيل أكمان، ملياردير صندوق التحوط اليهودي وخريج جامعة هارفارد، يلاحق غاي بلا هوادة منذ عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول الفلسطينية -كما تقول الكاتبة- وقد طالب منذ البداية بالإطاحة بها بسبب ردها الضعيف على هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الذي أسفر عن مقتل نحو 1200 إسرائيلي. وعندما لم ينجح ذلك، استخدم وسائل التواصل لتضخيم الادعاءات بأنها ما فتئت تستخدم السرقة الأدبية في كتبها.
محزن ومتوقع
وفي مرحلة لاحقة، ادعى أكمان أن لديه معلومات داخلية تفيد بأنه تم تعيينها بسبب عرقها لا مؤهلاتها المهنية، وقال “لقد علمت من شخص لديه معرفة بالموضوع، أن اللجنة لن تنظر في مرشح لا يستوفي معايير مكتب (التنوع والإنصاف والشمول)” في إشارة إلى المبادرة التي أثارت غضب العديد من المحافظين وتعرضت لانتقادات لاستبعادها اليهود.
ومع ذلك، لم يكن أكمان اليهودي الثري الوحيد الذي انقلب على أول رئيسة سوداء لجامعة هارفارد بسبب تعاملها مع أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، بل إن مجموعة كبيرة من الخريجين اليهود أعلنت وقف جميع التبرعات للجامعة، باستثناء مبلغ رمزي قدره دولار واحد سنويا.
وربما فضلت غاي عدم اعتبار ما حدث لها مواجهة بين اليهود والسود، خاصة أن من بين المدافعين الرئيسيين عنها يهودا، ولكن كورنيل ويست الأستاذ اليساري السابق الجامعة -حسب تقرير هآرتس- ليست لديه مشكلة في ذلك، حيث كتب “كم هو محزن ومتوقع في نفس الوقت أن الشخصيات والقوى التي تدعم التطهير العرقي، وهجمات الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة، طردوا أول امرأة سوداء رئيسة لجامعة هارفارد”.
ويست: عندما تملي الأموال الكبيرة سياسة الجامعة وتملي القوة الغاشمة السياسة الخارجية، فإن الإفلاس الأخلاقي للتعليم والديمقراطية الأميركية يلوح في الأفق
وأضاف ويست “هذه العنصرية ضد الفلسطينيين والسود على حد سواء أمر حقير لا يمكن إنكاره. لقد واجهت هجمات مماثلة من نفس القوى في الأوساط الأكاديمية. عندما تملي الأموال الكبيرة سياسة الجامعة وتملي القوة الغاشمة السياسة الخارجية، فإن الإفلاس الأخلاقي للتعليم والديمقراطية الأميركية يلوح في الأفق”.
ونبهت الكاتبة إلى أن النظر إلى اليهود وكأنهم ينظمون حملة لإقالة أول رئيسة سوداء لإحدى أفضل الجامعات الأميركية، من وظيفتها، لا يبشر بالخير بالنسبة للعلاقات بين السود واليهود، حتى ولو لم تكن رئيسة الجامعة الوحيدة التي تعرضت لضغوط للاستقالة بسبب أدائها في جلسة استماع بالكونغرس تحت عنوان “معاداة السامية في الحرم الجامعي”.
على الأميركيين اليهود أن ينتبهوا
ومن المؤسف، كما يقول كورنيل بروكس الأستاذ بجامعة هارفارد والرئيس السابق للجمعية الوطنية لتقدم الملونين، أن ما سيستخلصه العديد من المراقبين من هذه المحنة أنه لكي يكون اليهود آمنين، يجب كبح جماح السود، وقال إن “الطريقة التي عوملت بها غاي، وإطلاق كلمة (زنجية) عليها، ووصف توظيفها بأنه ليس نتيجة كفاءتها، كانت حملة من الترهيب والإذلال”.
وفي هذا السياق، وصف جيريمي بيرتون الرئيس التنفيذي لمجلس علاقات المجتمع اليهودي في بوسطن الكبرى، بروكس، بأنه “حليف قوي” للجالية اليهودية و”البوصلة الأخلاقية في كل شيء”. وقال “عندما يقوم شخص من عياره، وهو شخصية وطنية محترمة في حركة الحقوق المدنية، بإلقاء اللوم في الإطاحة بغاي على العنصرية، يجب على الأميركيين اليهود أن ينتبهوا”.
وتشعر إيمي سبيتالنيك الرئيسة التنفيذية للمجلس اليهودي، للشؤون العامة، بالقلق من أن الإسفين الذي دق بين السود واليهود في أميركا بسبب أحداث جامعة هارفارد يخدم أجندة المتطرفين اليمينيين.
وتقول “هناك أمران يمكن أن يكونا صحيحين في نفس الوقت، أحدهما أن جامعة هارفارد ورئيسها أخطآ في الانتباه لمؤشرات معاداة السامية، والآخر هو أن المتطرفين اليمينيين استخدموا الألم اليهودي والخوف سلاحا لتحقيق أجندتهم الخاصة”.
أما بالنسبة ليهودية سوداء مثل إيلانا كوفمان الرئيسة التنفيذية لمبادرة اليهود الملونين، فقد شكل الأمر تحديات غير مسبوقة، “ليست لدي أي فكرة عما يعنيه أن تكون رئيسا لجامعة هارفارد، ولكن عندما شاهدت غاي شعرت بالتعاطف الكامل معها كامرأة سوداء، وفي الوقت نفسه شعرت بخيبة أمل كبيرة من ردودها”.