جنوب لبنان – يجلس ميلاد عيد بجوار طاولة وضعها في فناء منزله وعليها أكياس خبز وزجاجات مياه معدنية، على أمل أن يمر به أحد المارة ليشتري منه الخبز، فمعظم سكان قرية علما الشعب نزحوا من منازلهم باتجاه مناطق أكثر أمنا هربا من القصف الإسرائيلي.
ولا يقتصر الأمر على علما الشعب فعشرات القرى بعمق 3 كيلومترات على امتداد الشريط الحدودي لجنوب لبنان مع إسرائيل، شهدت عمليات نزوح كبيرة بين السكان، مع تصاعد القصف المدفعي والصاروخي بين حزب الله وفصائل فلسطينية مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وما صاحبها من حرب إسرائيلية على قطاع غزة.
ورغم نزوح معظم السكان، فإن عددا آخر ومعظمهم من كبار السن، قرروا البقاء في منازلهم رغم القصف الإسرائيلي. الجزيرة نت تجولت في عدد من القرى في القطاع الغربي لجنوب لبنان، وحاولت تسليط الضوء على معاناة هؤلاء السكان.
ويقول عيد للجزيرة نت إنه قرر مع عدد من رجال القرية البقاء فيها لحماية المنازل والممتلكات، وعندما تتعرض القرية أو محيطها لقصف عنيف يذهب من تبقى من السكان إلى ملجأ الكنيسة للاحتماء داخله.
ويؤكد أن القصف الإسرائيلي أدى إلى تدمير 8 منازل، بالإضافة إلى خزان المياه الرئيسي بالقرية، لكن الوضع الحالي ما زال أقل خطورة من حرب 2006، والتي قصفت خلالها إسرائيل المنطقة بشكل أعنف، وقطعت الطرق الرئيسية.
مخبز فارغ
تحركنا نحو الناقورة التي نزح غالبية سكانها نحو صور وصيدا، وعلى الطريق الخالي تماما من المارة والسيارات صادفنا مخبزا مفتوحا، نزلنا للتحدث مع صاحبه أحمد ملحم، والذي أكد للجزيرة نت أنه قرر البقاء مع زوجته وأولاده، لأنه لا يملك أموالا ليستأجر بها شقة إذا نزح لمدينة آمنة، ولا يستطيع أن يجعل أسرته تعيش حياة صعبة في أحد مراكز الإيواء.
ويقول ملحم “الأوضاع صعبة، لأن الناس هربت وبالكاد نتدبر أمورنا، فلا يوجد زبائن وللأسف اضطر لتشغيل الغاز طوال اليوم، حتى يظل الفرن ساخنا، وعندما ينفذ الغاز اضطر للذهاب إلى صور لتبديل الأسطوانة، لأن شركة الغاز تطلب 400 دولار مقابل إيصاله للمخبز بسبب ظروف الحرب”.
ويؤكد أن أولاده يعيشون في خوف ورعب دائم، بسبب القصف وخاصة في القصف الليلي الذي يوقظهم بشكل دائم، مشيرا إلى أن طائرات الاحتلال الإسرائيلي استهدفت مدنيين أكثر من مرة، وكان آخر حادثة هي استهداف سيارة، مما أدى لاستشهاد سيدة و3 بنات من أحفادها.
ويضيف ملحم أنه لا يستطيع الذهاب إلى مزرعته القريبة من المنزل خوفا من تعرضه لقصف إسرائيلي، مشددا على أن أي شيء يتحرك داخل الأراضي الزراعية يتم قصفه مباشرة حتى الحيوانات.
اللجوء إلى البحر
وعلى شاطئ البحر المتوسط قرب الناقورة صادفنا مسنا يصطاد السمك غير مبال بتحليق طائرات الاستطلاع الإسرائيلية فوق رأسه، وعندما سألناه أجاب، أنا أعمل في مجال نقل البضائع ومنذ بداية الحرب توقفت الحركة التجارية في كافة الشريط الحدودي، ولم أعد قادرا على العمل، وقررت التوجه للبحر في هذه الأوضاع الصعبة لتوفير وجبة الغداء.
الرجل الستيني -الذي فضل عدم ذكر اسمه خوفا من أي استهداف إسرائيلي- أكد للجزيرة نت أنه من سكان ضيعة الرميش، وقد دفع أبناءه وأحفاده لمغادرة الضيعة والنزوح إلى بيروت لحماية الأطفال من القصف الإسرائيلي، بينما قرر هو وزوجته البقاء في المنزل، لأنه لا يستطيع تحمل نفقات استئجار شقة في بيروت.
ويضيف “الحياة توقفت بشكل كامل في المنطقة من الناقورة إلى مزارع شبعا، ومن قرر البقاء يعيش في رعب بسبب القصف العشوائي، ومن قرر النزوح يعيش أوضاعا صعبة في صور أو بيروت، لأنه لا يملك مصدر دخل أو فرصة عمل تمكنه من الإنفاق على أسرته”.
ويشير إلى مشكلة أخرى يعاني منها السكان الذين قرروا البقاء في منازلهم، وهي نقص البضائع في المحلات القليلة التي ظلت مفتوحة، وذلك لأن التجار يخافون من القدوم للمنطقة.
وفي السياق، يقول مختار قرية الجبين جعفر عقيل إن غالبية سكان القرى الجنوبية اضطروا لترك منازلهم، “في ظل غطرسة العدو الإسرائيلي واستهدافه المتعمد للمدنيين العزل بدون أي رحمة”.
ويضيف للجزيرة نت أن هذا العدو الذي تعود على سفك دماء المدنيين، لكن جاء الزمن الذي يعرف فيه أن هناك مقاومة في فلسطين ولبنان قادرة على الوقوف في وجهه والدفاع عن شرف وكرامة الأمة العربية والإسلامية.
ويؤكد عقيل أن هناك تكاتفا وتعاونا بين الأهالي الذي قرروا البقاء في منازلهم، فهم يتبادلون الطعام والماء -كل حسب قدرته- ويريدون أن يرسلوا ببقائهم رسالة للاحتلال الإسرائيلي بأنهم يقفون حول مشروع المقاومة.