قال موقع “ناشونال إنترست” الأميركي إن ما يحدث في البحر الأحمر يُظهر أن عدد السفن الحربية لدى أي بلد لم يعد مهما في تقييم قدرته على إغلاق الممرات البحرية والسيطرة عليها.
وأوضحت الصحيفة، في تقرير للكاتب الأميركي رامون ماركس، أن تطوير الصواريخ المضادة للسفن والمسيرات الرخيصة قد أحدث ثورة في الحرب البحرية، تماما كما فعلت حاملات الطائرات في القرن الماضي.
وأشار ماركس إلى استمرار الحوثيين في إرباك وخنق حركة المرور البحرية عبر ممر باب المندب الإستراتيجي، رغم الهجمات المتكررة التي شنتها القوات البحرية الأميركية مرارا وتكرارا بالصواريخ والمسيرات وطائرات إف-18 سوبر، بهدف القضاء على تهديدهم.
الحوثيون متماسكون ومستمرون في هجماتهم
ورغم القوة النارية لدى البحرية الأميركية، يؤكد الكاتب، فإن الحوثيين لا يزالون متماسكين ويهاجمون بانتظام السفن التجارية في البحر الأحمر والسفن الحربية الأميركية، وفي مارس/آذار الجاري، أطلقوا صاروخا مضادا للسفن على السفينة الحربية “يو إس إس لابون”، التي يقال إن بناءها كلف ما يقرب من مليار دولار.
وأضاف أن السفن القتالية السطحية، ومن بينها حاملات الطائرات، لم تعد قادرة على ادعاء السيطرة المطلقة على البحار، لأن أنظمة الأسلحة الشاطئية -التي يمكن لأي دولة أو حتى جماعة متمردة أن تمتلكها- أصبحت تشكل تهديدا لها، والدليل نجاح أوكرانيا في هزيمة البحرية الروسية بمسيرات وصواريخ في البحر الأسود، وهو ما يتم تقليده في البحر الأحمر من قبل الحوثيين.
دروس إستراتيجية
والدرس الإستراتيجي المستفاد من حملات البحر الأسود والبحر الأحمر هذه -حسبما يرى الموقع- هو أن عدد السفن الحربية لم يعد معيارا كافيا للسيطرة على البحار، بعد أن أصبحت السفن الحربية السطحية تحت تهديد الصواريخ والمسيرات المنطلقة من الشاطئ، والقادرة على ضرب أهداف على بعد مئات أو حتى آلاف الأميال في البحر، علما أن الصين تمتلك صواريخ مضادة للسفن ومسيرات منتشرة على طول ساحلها.
ومن النتائج الأخرى لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر إدخال ما قد يكون تغييرا دائما في أنماط التجارة والنقل العالمية، بعد أن اضطرت التجارة البحرية إلى إعادة توجيه جزء كبير من حركة النقل عبر البحر الأحمر إلى رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا، مما يعني رحلة أطول وأكثر تكلفة، وانخفاضا في عائدات مصر من حركة المرور عبر قناة السويس.
روسيا الأكثر استفادة من حرب الحوثيين
غير أن الأمر الأكثر إثارة للقلق في الغرب هو أن روسيا تستفيد هي الأخرى من اضطراب البحر الأحمر، إذ أدت هجمات الحوثيين هناك إلى خلق أعمال متنامية لخطوط السكك الحديدية البرية الروسية بين الصين وأوروبا، ومن عجيب المفارقات أن العقوبات الغربية المفروضة على روسيا لا تمنع مثل هذه الأعمال، ولا يتوقع أن تسعى أوروبا لخسارة استخدام خدمة الشحن بالسكك الحديدية الروسية التي تتسم بالكفاءة اقتصاديا، في تجارتها مع الصين.
وخلص الموقع إلى أن احتمال أن تتمكن البحرية الأميركية، التي انضم إليها الحلفاء الأوروبيون في إطار عملية “أسبيدس”، من ابتكار حل عسكري نهائي للقضاء على هجمات الحوثيين يكاد يكون معدوما، ومن ثم بدأت الولايات المتحدة في البحث عن صيغة دبلوماسية، وهي تتواصل مع إيران للحصول على المساعدة.
وإذا كان إنهاء الهجمات الحوثية ينتظر وقف الحرب في غزة، فإن تداعياته طويلة المدى لن تنتهي عندما يأتي ذلك اليوم، بل سوف يبقى تحول أنماط التجارة العالمية الذي حدث، كما ستستمر المناقشة حول كيف يمكن تكييف قدرة القوات البحرية الحديثة على التكيف مع المسيرات والصواريخ المضادة للسفن، وستبقى هذه التحديات تؤرق الغرب حتى بعد أن تتوقف هجمات الحوثيين.