توقع موقع ميديا بارت الفرنسي أن تدخل الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) قريبا جدا مرحلة ثالثة، بعد الهجمات التي نفذها الجناح المسلح للحركة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وما تلاها من قصف جوي عنيف وحصار إسرائيلي على قطاع غزة.
وينتظر في تلك المرحلة أن ينتقل الجيش الإسرائيلي إلى هجوم بري أعلن أنه يجهز له، ولكنه سيكون مميتا ومرهقا في بيئة حضرية مثل القطاع بسبب شبكة حماس الواسعة تحت الأرض.
ولعل في الرسائل التي تطلب من سكان غزة الفرار إلى الجنوب وصور الدبابات المحتشدة على الحدود بين إسرائيل والقطاع الفلسطيني إشارة إلى قرب هذا الهجوم، وفقا للموقع، خاصة أن الجيش الإسرائيلي أعلن أنه يستعد لحملة واسعة في غزة تتضمن “هجوما متكاملا ومنسقا جوا وبحرا وبرا”.
وقد غزت القوات الإسرائيلية قطاع غزة مرتين، أولاهما عام 2009، والثانية عام 2014، وقد أدت كلتاهما إلى استشهاد آلاف الفلسطينيين ومقتل عشرات الإسرائيليين.
غير أن الهجوم المرتقب قد يكون مختلفا تماما -حسب مقابلة للموقع مع جون سبنسر، رئيس دراسات حرب المدن في معهد الحرب الحديثة بأكاديمية ويست بوينت العسكرية بالولايات المتحدة- لأن إسرائيل حشدت حوالي 400 ألف جندي وأكثر من 300 دبابة لهذه العملية.
وبالتالي -حسب سبنسر- فإن جغرافيا المكان وطبيعة القتال، وإصرار مقاتلي حماس ودرجة استعدادهم، وكذلك المخاطر التي يواجهها الضحايا المدنيون الفلسطينيون والأسرى الإسرائيليون المحتجزون في غزة، تعني أن هذه العملية البرية تمثل بالنسبة للقوات الإسرائيلية “التحدي الأكبر في تاريخها”.
ترسانة حماس
وأوضح الخبير العسكري -حسب تلخيص جوستين برابانت للمقابلة- أن هجمات حماس الأخيرة أظهرت أن الحركة جمعت، رغم الحصار المفروض على قطاع غزة، ترسانة كبيرة جدا من الصواريخ والقذائف من أجل مهاجمة أهداف تقع على بُعد عشرات الكيلومترات، على الأراضي الإسرائيلية، وإن لم يكن لديها عام 2021 -حسب تقديرات الضباط الإسرائيليين- سوى 8 آلاف صاروخ تقريبا.
ورغم أن شن ضربات عن بعد ضد المدن الإسرائيلية يختلف تماما عن مواجهة هجوم بري في بيئة حضرية، فإن استخدام هذا المخزون يبقى ممكنا في حالة توغل جيش إسرائيل في غزة، وذلك لضرب مراكز القيادة وغيرها من نقاط تجمع القوات والمعدات الإسرائيلية في الخطوط الخلفية التي “ستمتلئ بالوقود والذخائر المتفجرة، مما يجعلها أهدافا مثيرة للاهتمام” في ظل قصور القبة الحديدية التي تحميها نظريا، حسب هذا الخبير.
ويبدو لبرابانت أن حماس تمتلك الترسانة المناسبة من الذخائر ومضادات الدروع، كما ظهر أثناء عملية “الجرف الصامد” الإسرائيلية عام 2014 (العصف المأكول)، حيث استعملت العديد من الأسلحة المضادة للدبابات، مثل صواريخ ماليوتكا وكورنيت الروسية المضادة للدبابات، وقاذفات صواريخ “آر بي جي 29″، وهي حديثة نسبيا وسهلة الحركة للغاية.
قتال وسط الدمار
وتعد المعارك في البيئات الحضرية تاريخيا، مرهقة للغاية، سواء بالنسبة للمهاجمين أو المتحصنين، فهي معركة بلا راحة، بسبب الضوضاء الدائمة والضجيج، وصعوبات الحصول على الإمدادات، كما يقول المؤرخ العسكري سيدريك ماس، ولعل هذا هو ما دفع إسرائيل إلى استدعاء مئات الآلاف من جنود الاحتياط للسماح بالتناوب المنتظم للجنود الذين يتعبون بسرعة.
وبالإضافة إلى صواريخ حماس وأسلحتها المضادة للدبابات، من المرجح أن تكون الوحدات الإسرائيلية التي تدخل قطاع غزة هدفا للكمائن والقناصين والقنابل المتفجرة المرتجلة والهجمات الانتحارية، كما أن حملة القصف الجارية في غزة قد تزيد من تعقيد مهمة الجيش الإسرائيلي، لأن انتشار الأطلال يوفر مأوى إضافيا للمدافعين ومكانا مناسبا لإخفاء الفخاخ، كما يرى سيدريك ماس.
حرب تحت الأرض
ومن السمات الحاسمة في المعركة المقبلة وجود مئات الأنفاق الممتدة على مدى عشرات الكيلومترات، في شبكة تنتشر فيها المخابئ يسمونها أحيانا “مترو غزة”، وهي محصنة ومجهزة بشكل أفضل وربما أكثر ملاءمة لبقاء طويل الأمد، وهي ذات استخدام مزدوج، لأغراض هجومية، مثل الاختباء في مكان آمن من أجل تنفيذ هجمات مفاجئة، ولأغراض دفاعية، كالتنقل بين مواقع القتال من أجل شن هجمات مفاجئة”، وهي “تجنب المدافعين القوة النارية للجيش الإسرائيلي” كما يتوقع جون سبنسر.
وتقول دافني ريتشموند باراك، الأستاذة في جامعة رايخمان الخاصة في هرتسليا بإسرائيل، إن “قادة حماس يختبئون هناك، ولديهم مراكز قيادة، وهم يستخدمونها للنقل والاتصالات، فهي مكهربة ومضاءة ولديها خطوط للسكك الحديدية، إلا أن الجنود الإسرائيليين الذين يحاولون الدخول إلى هناك يجب أن يعلموا أن “حماس كان لديها الوقت لتفخيخ الشبكة بأكملها، ويمكنها ببساطة السماح للجنود بالدخول إلى شبكة الأنفاق ومن ثم تفجيرها بالكامل”.
ولشق طريقها عبر هذه المتاهة تحت الأرض، وفي هذه البيئة الحضرية الكثيفة للغاية المليئة بالفخاخ، يمكن للقوات المسلحة الإسرائيلية أيضا استخدام تقنياتها الأكثر تطورا مثل المسيّرات والروبوتات، وربما القنابل “المضادة للمخابئ” كتلك التي استخدمتها في بلدة رفح، جنوب غزة عام 2009.
ويتوقع سيدريك ماس أن “الأمر سيكون مميتا للغاية”، مشيرا إلى أن نتيجة هذه المعركة لن تكون مجرد مسألة نصر عسكري أو هزيمة عسكرية، بل إنها ستؤدي إلى “حرب بالصور على الرأي العام الدولي، وكلما طال أمد الهجوم الإسرائيلي على غزة تلاشت صور فظاعة جرائم حماس -حسب زعم الكاتب- وصارت العملية إلى نتائج عكسية”، خاصة أن بعض النجاحات العسكرية تكون أحيانا بمثابة هزائم سياسية”.