لا يمر يوم في الضفة الغربية، حيث تدور حرب إسرائيلية أخرى موازية لتلك التي يشنها الاحتلال بلا هوادة في قطاع غزة، دون قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي بغزو مخيم للاجئين أو بلدة أو قرية، مواصلا توغلاته العسكرية المتكررة.
وقال موقع ميديا بارت، في تقرير له بقلم مراسلته غوينايل لينوار من الضفة الغربية، إن الحرب في الضفة تحدث بهدوء، دون اهتمام كبير من زعماء العالم ووسائل الإعلام الغربية، ربما لأنها أقل ضخامة وأقل فتكا، ولكنها بالنسبة للمواطن الفلسطيني صبري وسكان مخيم نور شمس، البالغ عددهم 12 ألف نسمة، هي حرب بالفعل، وقد أطلقوا على مخيمهم، الواقع بالمدخل الشرقي لمدينة طولكرم، لقب “غزة الصغيرة” نظرا لحجم الدمار البشري والمادي.
اقرأ أيضا
list of 2 items
كاتب إسرائيلي: ما فائدة استمرار الحرب على غزة؟
الاتجار بالنفايات.. لوفيغارو: مطاردة غير عادية لمجرمي البيئة
end of list
وقال صبري إن 57 شهيدا سقطوا خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية، منذ يوليو/تموز 2023، معظمهم منذ أكتوبر/تشرين الأول، وهو رقم يزداد ضخامة بين هذا المجتمع المتحد القادم أصلا من حيفا، إذ اضطر إلى مغادرة أراضيه ومنازله عام 1948، بعد أن طردته الجماعات اليهودية المقاتلة والخوف الذي زرعته المذابح المتتالية.
وتقع مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية على بعد 15 كيلومترا من مدينة نتانيا الساحلية قرب الخط الأخضر، وهي عالقة في الجدار العازل، الذي بنته تل أبيب عام 2003 للفصل بين الضفة الغربية وإسرائيل.
لا استقرار ولا أمن
وقالت غوينايل لينوار إن صبري، عضو “لجنة الخدمات” في المخيم، رتب للقاء معهم عند المدخل الرئيسي للمخيم، الذي أصبح اليوم، كما تقول، كومة من الأنقاض، يقول “لقد دمروا (الجيش الإسرائيلي) ذلك بجرافة دي 9″، وهي جرافة ضخمة ومدرعة تستخدمها القوات الإسرائيلية أثناء عمليات التوغل، وهي آلة هائلة بقدر ما هي مرعبة، قادرة على تمزيق وتسوية كل شيء بالأرض.
وكان آخر توغل قبل أيام قليلة من زيارة المراسلة، لذا كان السكان منشغلين بإصلاح الأضرار بأفضل ما لديهم، ويقول صبري “علينا أن نبدأ من جديد، ففي كل مرة يقومون بتدمير البنية التحتية وأنابيب المياه وشبكة الكهرباء وشبكة الإنترنت والمجاري، وهو ما يكلف ثروة لا نملكها”.
ويكرر المواطن زكي في مخيم اللاجئين الثاني بطولكرم الحديث نفسه، مقدرا أن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية وحدها تبلغ 10 ملايين دولار، حيث تم تدمير 180 منزلا و170 متجرا و120 سيارة بشكل كامل، وفي نور شمس، تم تدمير 50 منزلا بالكامل و200 منزل غير صالح للسكن.
وأشارت المراسلة إلى أن تكرار التوغلات العسكرية في جميع أنحاء الضفة الغربية، لا سيما في شمالها، يبقي مدنا مثل طولكرم وجنين ونابلس وطوباس في حالة دائمة من عدم الاستقرار والخوف. يقول صبري إن “هجمات الجيش الإسرائيلي ليست جديدة، لكنها منذ أكتوبر/تشرين الأول أصبحت أشد وأصبح الأمر أصعب مما كان عليه خلال الانتفاضة الثانية”.
وأوضح صبري أن وحشية الاحتلال أصبحت اليوم أكثر تطرفا، ويواجهها الفلسطينيون بالإجماع في جميع أنحاء الضفة الغربية، موضحا أن “الإسرائيليين يشنون حربا انتقامية علينا، إنهم يريدون وضع حد للفلسطينيين، وخلق نكبة جديدة، وهم يهاجمون مخيمات اللاجئين بشكل خاص، لأنهم يتصورون أن القضاء على اللاجئين يعني إنهاء المقاومة”.
ويلتقي عناصر المقاومة في أحد أزقة مخيم طولكرم، وهم عشرات الشباب، يقفون يستفسرون عن جنسية الزائر الأجنبي ومهنته قبل أن يسمحوا له بالمرور، وذلك بسبب إرسال الجيش الإسرائيلي للكشافة المستعربين الذين يتنكرون في زي فلسطينيين، مما يجعل أي شخص أجنبي موضع شك.
بدون تسلسل هرمي
هذه المجموعات -كما تقول المراسلة- ليس لها تسلسل هرمي، ولا قيادة وطنية، وفي نور شمس يجلس 5 من عناصر المقاومة بهدوء حول طاولة القهوة الموضوعة في أحد شوارع المخيم، 3 منهم لديهم بنادق هجومية من نوع كلاشينكوف.
ويوضح باحث العلوم السياسية من جنين إبراهيم ربيعة أن “المقاومة اليوم مختلفة تماما عن التسلسلات السابقة مثل الانتفاضة الثانية، هذه مجموعات ليس لها تسلسل هرمي، ولا قيادة وطنية، معظم هؤلاء الشباب من فتح أو قريبون منها. إنهم ببساطة لا يستطيعون تحمل رؤية المحتل في معسكرهم أو قريتهم أو مدينتهم، ويشكل هذا الافتقار إلى البنية مشكلة بالنسبة للإسرائيليين، فهم لا يعرفون من يقاتلون”.
وخلف شباب معسكر نور شمس المسلحين، علقت ملصقات على جدار أحد المنازل، وبالملصقات صور، يعلق عليها أحدهم “هذا وهذا وهذا أبرياء لم يحملوا السلاح يوما، وهذا يوسف عمره 9 سنوات”، في إشارة إلى صورة كبيرة بالحجم الكامل لطفل مبتسم معلقة بجوار مدخل محل بقالة، كما تقول المراسلة.
قُتل هؤلاء يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول 2023 عندما أطلقت مسيرة النار على المكان الذي كان فيه الشباب المسلحون يضعون طاولة القهوة الخاصة بهم، فلقي 12 شخصا، بينهم 4 أطفال، مصرعهم ولا تزال آثار الانفجار مرئية على الأرض وعلى الجدران، حسب المراسلة.
منذ ذلك الحين، سُقّفت الأزقة بأغطية بلاستيكية سوداء تهدف إلى تعمية المسيّرات، وأصبحت السيدة أم قيصر في حالة لا يُرثى لها، وهي ترتدي ميدالية عليها صورة ابنها قيصر الذي قُتل في ذلك اليوم. تقول “لقد اقتحم الجنود الإسرائيليون المخيم في منتصف الليل، ثم ظننا أنهم انسحبوا، فأرسلت قيصر ومحمود لإحضار شيء للأكل، لكن المسيرة أطلقت النار”.
أزمة اقتصادية
وإلى المشكلة الأمنية التي تقض مضاجع سكان المخيم تُضاف المشكلة الاقتصادية، إذ كان العديد من العمال في هذه المدينة يعملون في إسرائيل بتصريح ساري المفعول، لكنهم وجدوا جميعا أنفسهم عاطلين عن العمل بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، وبقيت العائلات من دون دخل.
وفي عائلة أحمد البستاني لم يعد أحد يعمل، وهو يقول “أجد عملا هنا وهناك، لا أعرف كيف سأتمكن من مواصلة تمويل دراسة ابني الأكبر في الجامعة”.
ولا يعرف عيد، وهو من بين من تعرضت منازلهم لأضرار جسيمة خلال توغل الجيش الإسرائيلي، كيف سيحصل على إيجار مسكن بديل اضطر إلى إيجاره، يقول “نأتي خلال النهار للقيام بأعمال صغيرة، لكنني فقدت وظيفتي، وعليّ أن أدفع 1500 شيكل (375 يورو) مقابل سكن ولا أتلقى أي مساعدة، لذا فإن الأمر صعب للغاية حقا”.
ونقلت المراسلة عن المواطن صبري قوله إن المعابر مغلقة والناس خائفون لأن المعسكر العسكري الإسرائيلي متصل بالجدار العازل، ويمكن لسيارات الجيب والمركبات المدرعة والجرافات الوصول إليهم في غضون دقائق قليلة، وعلّق على ذلك بقوله “حياتنا متوقفة”.