تواجه السويد تصاعدا في أعمال العنف المرتبطة بتهريب المخدرات والأسلحة، وظلّت المدن الرئيسة فيها تحت نيران تصفية الحسابات بين عصابات متنافسة متزايدة الخطورة والتأثير، مما تسبب في سقوط العديد من الضحايا من الجانبيين في حرب تحصد ضحايا كل يوم تقريبا.
بهذا المدخل، فتح موقع “ميديا بارت” الفرنسي موضوع المخدرات والعصابات في السويد، بعد أن وافق لأول مرة، أعضاء من أكبر مجموعات المافيا على رواية كيفية عمل هذه العصابات، وذلك في تحقيق مشترك بين حسام حمود وبنيامين يونغ.
استعرض التحقيق مقتل ما لا يقل عن 47 شخصا في 314 حادث إطلاق نار في 2023، حسب الشرطة، وهو عدد أكبر بكثير من الوفيات السبع المسجلة في 2016، حيث تقاتل عصابة “شوتاز” (رجال العصابات المسلحون باللغة الإنجليزية الجامايكية) الجماعات المنافسة لها من أجل السيطرة على سوق المخدرات والأسلحة.
التقى الموقع بأليكس (29 عاما) في أحد المباني بعيدا عن المركز في ثاني أكبر مدينة في السويد، وهو عضو في عصابة شوتاز، وهذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها أحد أهم مهربي المخدرات في السويد إلى الصحفيين، وقد وضع جرابا فوق رأسه، وكانت السكين القتالية قريبة منه، وبدأ الكلام، وهو يتحدث بلغة إنجليزية ضعيفة، بالقول “استعدت للتو هذه الشقة. لقد أخذتها من رجل يدين لي بالمال”.
الشيء الوحيد الموجود في الشقة هو الطابعة التي “تُستخدم لعمل وثائق مزورة، على سبيل المثال، تزوير فواتير الشاحنات التي تنقل المخدرات بانتظام من بولندا”، كما يوضح أليكس، الذي يغسل نشاطاته غير القانونية من خلال شركة استيراد وتصدير قانونية.
يعدّ هذا الابن المولود في السويد لمهاجرين فلسطينيين نفسه مختلفا عن “السويديين الآخرين”، حيث “يولد الناس في مجتمعات منفصلة، وتنقسم هذه البلاد إلى دوائر عدة لا تمتزج، العرب مع العرب والسود مع السود والألبان مع الألبان. لم يسبق لي أن كنت بالقرب من السويديين البيض، باستثناء رجال الشرطة. وهم غائبون عن بيئتنا”.
التجنيد
ويضيف أليكس الذي بدأ العمل مع العصابات من سن 24، الذي يرأس ما بين 12 و15 فردا، كل منهم على رأس شبكته الخاصة، أن العصابات توظّف القُصّر لأن القانون السويدي أكثر مرونة معهم مقارنة بالبالغين، إذ يعدّ من تقل أعمارهم عن 15 عاما غير مسؤولين جنائيا، كما أنه أكثر تساهلا مع من تقل أعمارهم عن 18 عاما.
ويُجنّد بعض هؤلاء القاصرين -أيضا- لتنفيذ عمليات اغتيال، وبالفعل قال المجلس الوطني السويدي لمنع الجريمة إن الشرطة فتحت 336 تحقيقا تتعلق بحيازة أسلحة نارية بشكل غير قانوني، بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاما في 2022.
ولهذه السياسة التي تنفذها شبكات المافيا آثار مدمرة ومأساوية، حيث يقتل العديد من هؤلاء المراهقين، إذ “يعمل مئات الأطفال في العصابات في السويد، ويقتل كثيرون من بينهم، في بعض الأحيان بسبب عدم نضجهم، ومؤخرا قتل أحدهم لأنه نشر تفاصيل نشاطه على موقع التواصل الاجتماعي على “سناب شات”، كما يوضح رجل العصابات الثاني.
هامش بين 600 و800%
ويتابع أليكس، وقد أصبح عصبيا “أكثر ما نخشاه في هذه الصناعة هو المجموعات المنافسة، يمكنهم استئجار أي شخص للقضاء عليك، حتى الطفل يمكن أن يقتل من أجل المال. يجب أن تكون يقظا دائما”.
ويتخصص أليكس في تهريب “الأمفيتامينات” السريعة التي تُستهلك عن طريق البلع، أو النشق، أو الحقن.
ويقول إن “الزبائن في الغالب من السويديين البيض الأثرياء. نعطيهم جرعات مجانية كبيرة 3 أو 4 مرات لجعلهم مدمنين”.
ولا يرى أليكس فيما يفعله سوى عمل مربح للغاية، ويقول “على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، وبمجرد تغطية جميع النفقات، وضعت حوالي 100 ألف يورو في جيبي، أحقق هامشا يتراوح بين 600 و800% على الأدوية التي أبيعها.
في وقت متأخر من الليل
يقول الصحفيان إن اجتماعهما التالي بدأ في وقت متأخر من الليل، في أحد الشوارع الرئيسة بوسط مدينة غوتبرغ، في إحدى حانات ألعاب الفيديو مع قيس، ولكن المحادثات كانت في صالة فندق هادئ بعيدا عن الأنظار.
وعند وصول قيس الذي تحمل بندقيته رمز شوتاز، إلى السويد في 2016، وضع مع عائلة حاضنة، و”لم يكن هذا ما خططت له –كما يقول- وبما أن كل ما كنت أتقنه هو اللغة الإنجليزية، فقد كانت خطتي هي بدء حياة جديدة في المملكة المتحدة. ولكن عندما قًبض علي كوني قاصرا مهاجرا غير شرعي، وُضعت وأُجبرت على طلب اللجوء هنا”.
واستغرق الأمر 3 سنوات للحصول على الأوراق اللازمة ليحق له العمل، وقد التقى بأشخاص من أصل صومالي، “لقد اقتربت من شخص اسمه ياسين، عرض عليّ وظيفة”.
ويضيف “بدأت العمل ساعي بريد في 2017. ولم نتحدث عن المحتوى. في المرة الأولى التي أصبح فيها الأمر جديا، طُلب مني تسليم نصف كيلو من المخدرات وفزت بـ 2000 كرونة (178 يورو)”، ليكون بذلك قيس قد دشن أولى خطواته داخل عصابة شوتاز التي أُنشئت حديثا.
يقول قيس “بمرور الوقت بدؤوا يعطونني مهام أكبر؛ مثل: مرافقة شحنات المخدرات من بولندا. لقد اكتسبت ثقتهم وتقدمت في الرتب. لقد تخصصت في تهريب الترامادول، وهو مادة أفيونية قوية. ثم لم أعُد أنجز أي مهام شخصيا، إذ أصبحت مهتما بالإدارة”.
تنظيم الشبكة
ويعدّ قيس الآن واحدا من الأشخاص العشرة الذين يشكّلون قلب العصابة، ويشرح بالتفصيل تنظيم الشبكة، “فهناك حوالي 100 عضو، بينهم حوالي 30 عضوا رئيسا. نحن نسافر عبر أوروبا باستخدام بطاقات هُوية إيطالية مزيفة أرسلها لنا أحد المزورين المقيمين في اليونان”.
ويوضح قيس أنه سُحب من العمليات اليوم “لقد تلقيت رصاصتين عندما حاول مراهق من العصابة الصومالية المنافسة (دوريات الموت) قتلي أمام منزلي”، فالتقطت بندقيته وأطلقت النار عليه، وهو ما عدّته المحاكم السويدية دفاعا عن النفس”.
ويضيف “منذ ذلك الحين، ابتعدت عن حركة المرور حفاظا على صحتي. ولكن حتى لو لم أعُد أعمل مع شوتاز، فإنني أستمر في الحصول على دخل منهم، تقديرا للجهود التي بذلتها من أجلهم”.
يدعي الشاب السوري أنه لم يشعر قط بالقلق من الشرطة؛ بسبب الحذر الشديد الذي كان يتصرف به دائما، ولكن لأن الشرطة -كذلك- لا تحاول توقيفهم، “لا أعتقد أنهم يرون في تحركاتنا مشكلة رئيسة لهم”.
مخدرات الأثرياء
ويقول الباحثان إنهما عثرا بعد بحث طويل على عربة نقل تعمل مكتبا متنقلا لاثنين من ضباط الشرطة الميدانية، وعلى مرمى حجر منهما، يبدو النشاط التجاري المهم للميناء جليا، إذ يعدّ ميناء غوتبرغ هو الأكبر في دول الشمال بأكثر من 11 ألف رحلة بحرية سنويا.
وقد شاركت غوتبرغ إلى جانب 15 ميناء أوروبيا في إنشاء تحالف المواني الأوروبي، وهو شراكة جديدة بين القطاعين العام والخاص، تتمثل مهمتها الرئيسة في مكافحة الجريمة الدولية المرتبطة بالمخدرات، وتسلل المهاجرين والمجرمين في المواني، وهو تحالف يدعمه الاتحاد الأوروبي.
وتقول المفتشة حنا جوهانسون “من الواضح أن الميناء يفتح فرصا للتهريب، لكنه ليس العنصر الوحيد في المنطقة المؤيد للعصابات”.
وذكرت جوهانسون مصدر المخدرات نفسه الذي ذكره أليكس وقيس “نحن مقابل البولنديين مباشرة، وشاطئنا طويل جدا”، وأشارت إلى أن انضمام بلدها للاتحاد الأوروبي سهل حركة المرور”.
ضابط ميداني: يمكننا القيام بكل إجراءات الوقاية التي نريدها، والقبض على التجار وتدمير شبكاتهم، لكن طالما استمر الأغنياء في شراء المخدرات، فإن المشكلات ستستمر
وتوضح ذلك بقولها “صحيح أن جميع المهاجرين يعيشون في الأحياء نفسها، وهناك فصل عنصري مؤسف. لكن عندما تنظر إلى الوضع، تجد أن الناس في هذه الأحياء لا يرتكبون جرائم. إن المجرمين الذين نتحدث عنهم، هم في أغلب الأحيان من نسل المهاجرين من الجيل الثاني أو الثالث. لقد وُلدوا ونشأوا في السويد، ويحملون الجنسية السويدية. المشكلة تأتي من مكان آخر”.
ويوضح زميلها المفتش ليو جوهانسون كيف يواجه “ضباط الشوارع” مثلهم مشكلة المخدرات “علينا بشكل خاص أن نتعامل مع الكوكايين وجي إيتش بي الباهظة الثمن، وأغلبية مستخدميها هم من السويديين البيض من الطبقة العليا. ولا يعتقدون أنهم مدمنون لأن استخدامها احتفالي إلى حد ما”.
وعند سؤاله عن شبكات المافيا والوسائل المتخذة لتفكيكها، اعترف ليو جوهانسون بأن الضباط الميدانيين مثله وزميله لا يمكنهم الوصول إلا إلى كمية محدودة جدا من المعلومات، ويختتم قائلا “يمكننا القيام بكل إجراءات الوقاية التي نريدها، والقبض على التجار وتدمير شبكاتهم، لكن طالما استمر الأغنياء في شراء المخدرات، فإن المشكلات ستستمر”.