تناول كاتب تركي عنصر المفاجأة في هجوم “طوفان الأقصى” والعوامل التي تجعل المفاجأة ممكنة، عموما. وركز على ما يُعتبر نجاحا عملياتيا لطرف وضعفا استخباراتيا للآخر، دون التطرق للأهداف والنتائج السياسية.
وفي البداية شبّه إمره كاراجا في مقال له بمجلة “كريتر” التركية مفاجأة “طوفان الأقصى” بمفاجأة هجوم الجيشين المصري والسوري خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، مشيرا إلى أن سوء التقديرات في تفسير البيانات الاستخباراتية التي تم نقلها إلى القادة أدى إلى هزيمة إستراتيجية لإسرائيل في الحالتين.
ونسب الكاتب لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت وصفه للمظلة الأمنية الإسرائيلية خلال “طوفان الأقصى” بالضعف، وقوله إن إسرائيل وقعت ضحية للثقة الزائدة التي أدت إلى الغرور والاستهتار، وإن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) “قامت بما كانت إسرائيل تمارسه بشكل عادي وهو المفاجأة والذكاء والتفكير خارج الصندوق”.
وذكر أن التركيز على المفاجأة في مقولة أولمرت هو أمر مهم للغاية، ومفتاح وظيفي لتفسير العملية.
استهانة التقدم التكنولوجي بالبيانات البشرية
أشار الكاتب في أسباب مرور المفاجأة على إسرائيل إلى أن نهج مفهوم الأمن لديها يقلل من أهمية تدفق المعلومات القادمة من مصادر بشرية. فوفقا للمعلومات المتاحة من المصادر، بدأت إسرائيل الاعتماد بشكل كبير على قدراتها التكنولوجية بالمنطقة، مما أدى إلى تجاهل تدفق المعلومات الاستخبارية التي يمكن الحصول عليها من العنصر البشري، واعتبرت مراقبة المحادثات اللاسلكية بين عناصر حماس مضيعة للوقت.
وقال إن هناك ملاحظة ميدانية أخرى وهي أن الجهات الفاعلة الإقليمية لم تتوقع أن تمتلك “كتائب الشهيد عز الدين القسام” الجناح العسكري لحماس القدرة على شن هجوم كهذا، مضيفا أنه اتضح من تصريحات فصائل حماس أن جناحها المسلح شارك المعلومات حول الهجوم مع مجموعة صغيرة جدا من العناصر العملياتية، حتى أنه أخفى ذلك عن جناحه السياسي وحلفائه الإقليميين.
وأوضح الكاتب أن البيانات المتاحة تشير إلى أن هجوم “طوفان الأقصى” نفذه حوالي 1500 عضو فقط من كتائب القسام.
نظرية المفاجأة
ثم تحدث المقال عن الإطار النظري للمفاجأة بأنه ليس ظاهرة منهجية أو هيكلية، فالمفاجأة موجودة في ذهن الضحية، أي أنها تتعلق بالإدراك البشري والتصورات، إذ تربط تصورات المخاطر المختلفة بين المنافسين الأقوياء والضعفاء وبين البيئة الهيكلية التي تشجع على المفاجأة والبيئة المعرفية التي توفر فرصة لمفاجأة الخصم.
وقال الكاتب أيضا إن استخدام الجاسوسية وعنصر المفاجأة كان موجودا منذ ما قبل الميلاد، وأشار إلى كتاب صينيين وهنود كتبوا تلك الفترة عن هذا الموضوع.
المفاجأة تضاعف القوة
وأفاد الكاتب بأن المفاجأة تضاعف القوة، فهي تسمح لجانب واحد بالحصول على التفوق العددي المؤقت اللازم لشن عمليات هجومية، وتعمل على تعليق الطبيعة الجدلية للصراع الإستراتيجي مؤقتا عن طريق إزالة الخصم النشط من ساحة المعركة، كما أنها تحوّل الحرب إلى حدث يمكن فيه تحديد احتمالية بعض الأحداث بدرجة معينة من اليقين، وتكون النتيجة ليست معروفة مسبقا فحسب، بل يحددها أحد أطراف الصراع.
وقال إن التحيز الجماعي، والثقافة التنظيمية، والحاجة إلى إرضاء البيروقراطية تمنع تجنب المفاجأة، مضيفا أنه من الممكن القول إن هذه هي المشكلة التي تواجه أجهزة الأمن الإسرائيلية.
وأضاف أن كل شيء في الحرب له تكلفة، فالأمن التشغيلي يعيق التخطيط والإحاطة، وحتى الهجمات المفاجئة الناجحة، مثل هجمات 11 سبتمبر2001، حدثت بهامش نجاح ضئيل للغاية.
مشاركة مسيطر عليها
ولاحظ الكاتب أن الجناح العسكري لحماس قسّم التخطيط للعملية إلى وحدات مختلفة، مما سمح لجميع المشاركين بالحصول على المعلومات حسب الوصف الوظيفي الخاص بهم فقط.
وأشار إلى أن الضحايا، عموما، يميلون إلى افتراض أن المفاجأة تتجاوز قدرة العدو على تنفيذها. وقال إن التباين في مدى الحذر يعتبر مفارقة تُعرف بـ “مفارقة المخاطرة” ويمكن تلخيصها على النحو التالي: الأعمال المحفوفة بالمخاطر أقل قابلية للتنبؤ بها.
الهجوم محل دراسة لسنوات طويلة
واستمر المقال بأن “طوفان الأقصى” أدى إلى تأثير متسلسل مشابه لتأثير قطع الدومينو بنطاقه ونتائجه، وأثبت أن الاحتلال والحصار الذي دام سنوات لم يمنع فصائل المقاومة من التنظيم، وأن صدمة إسرائيل التي تمتلك قدرات تكنولوجية متقدمة بمثل هذا الاستعداد الذي أبدته “كتائب القسام” سيكون محل دراسة لسنوات طويلة.
وختم بتأكيد أن نظرية المفاجأة مفيدة في شرح العوامل التي تجعل بعض الجهات الفاعلة أو الأنظمة أكثر عرضة للمفاجأة، ومفيدة في أنها توفر النهج النظري لمثل هذه الهجمات والذي يعزز تحليل الاستخبارات وإدارة المخاطر. وقال إنه من الأهمية بمكان أن يؤخذ في الاعتبار تعقيد مفهوم “المفاجأة” وعلاقته بعدم القدرة على التنبؤ وبمحدودية نطاقه في التقييمات.