داكا- في ساعات الفجر، وعند الخروج من مطار شاه جلال الدولي في داكا، يتفاجأ الزائر بهواء ساخن، رغم أن موسم الصيف ما زال في بدايته، وعند سؤال بعض أهل العاصمة البنغلاديشية إن كان الأمر طبيعيا، يجيب الجميع أنها “موجة حر” باتوا يتعرضون لها بفعل تغير المناخ والطقس، خاصة مع تراجع المساحات الخضراء وتوسع العمران واكتظاظه.
وقد مددت إدارة الأرصاد الجوية في بنغلاديش اليوم حالة الإنذار لـ3 أيام، وأعلنت الحكومة عطلة لطلاب المدارس -البالغ عددهم نحو 32 مليون طالب- هذا الأسبوع بسبب الارتفاع المبكر لدرجات الحرارة، والتي تراوحت ما بين 40-43 درجة مئوية، كما تحولت جامعات كثيرة خلال الأيام الماضية إلى الدراسة عن بعد.
وقد صدرت تحذيرات من أن درجة الحرارة قد تصل إلى 45 درجة مئوية بحلول يوم 29 أبريل/نيسان الجاري، وقد تمتد إلى الأسبوع الأول من شهر مايو/أيار المقبل، وكانت المرة الأخيرة التي بلغت فيها درجة الحرارة هذا الارتفاع قبل 5 عقود، وتحديدا عام 1972، حيث سجلت درجة الحرارة حينها 45.1 في مدينة خولنا ثالث أكبر مدينة في البلاد.
خسائر بشرية ومادية
أدت آثار موجة الحرارة هذه إلى وفاة 40 شخصا على الأقل، بسبب ضربات الشمس حتى اليوم الجمعة، معظمهم من الفقراء الذين يعملون لساعات طويلة في النهار كفلاحين وعمال وسائقي عربات الأجرة الهوائية.
وقال تقرير لمنظمة “اليونيسيف” إن الأطفال من أكثر الفئات تعرضا لآثار ارتفاع درجة الحرارة، في حين أشارت تقارير أخرى إلى أن كبار السن أيضا فئة معرضة للوفاة، بسبب الجفاف وضربات الحرارة القاسية.
وشهدت مدن وأرياف بنغلاديشية خلال الأيام القليلة الماضية إقامة صلاة الاستسقاء، ونادى خطباء المساجد اليوم الجمعة جماهير المصلين لأدائها في عموم البلاد.
ولا يقتصر أثر حرارة الطقس على السكان، بل امتد للثروة الحيوانية والطيور والنباتات، فقد أعلنت جمعية مزارعي الدواجن في بنغلاديش عن نفوق أكثر من مليون طير خلال 10 أيام فقط.
أما مزارعو الشاي، فباتوا يجدون أوراق النباتات تزداد جفافا وتصيبها بعض الأمراض، مما أدى إلى تراجع كميات أوراق الشاي التي يحصدونها يوميا، حيث لا يمكن زراعة الشاي في مناطق تتجاوز سخونتها 35 درجة مئوية.
وصار الفلاحون هذه الأيام يفضلون العمل في حقول الأرز والمحاصيل الأخرى ليلا، بسبب الحرارة الشديدة، على غير المعتاد في ثقافة أي فلاح خاصة خلال موسم الحصاد، وبات أصحاب الأراضي يجدون صعوبة في الحصول على مزارعين يعملون في الحصاد نهارا، فبدأت آثار الجفاف تظهر في المناطق الزراعية.
الأسخن منذ 75 عاما
يُعرف عن بنغلاديش أنها بلاد المواسم الستة، وليس الأربعة كما هو الحال عالميا، بسبب موقعها الجغرافي وتضاريسها، وتقسم إلى مواسم الصيف، وموسم الأمطار، والخريف، والخريف المتأخر أو أواخر الخريف، والشتاء، وأخيرا الربيع، ويستمر كل واحد منها مدة شهرين حسب التقويم البنغلاديشي، الذي بدأت سنته الـ1431 في اليوم الموافق 14 أبريل/نيسان الجاري.
وتدخل بنغلاديش هذه الأيام في الأسبوع الثاني من موسم الصيف، وهو أول مواسم هذه السنة الجديدة، وما زال أمام البنغاليين أسابيع صيف طويلة، بعد مرور 24 يوما ساخنة الطقس حتى الآن، وهي أطول أسابيع ساخنة تمر على بنغلاديش منذ 75 عاما، وهو رقم قياسي في السجل المناخي حسب الخبير في إدارة الأرصاد الجوية في بنغلاديش محمد أبو الكلام مالك، الذي أشار إلى هذه الحقيقة في حديثه للإعلام المحلي بعد الرجوع لسجلات الطقس منذ عام 1948.
واللافت أن سكان داكا -التي يسكنها 23 مليون نسمة- يشعرون بأن المواسم قد تقلصت إلى 3 أو 4 مواسم، بسبب تغيرات المناخ والإضرار بالبيئة، لتصبح مقسمة إلى موسم الصيف، ثم موسم الأمطار، ثم الشتاء.
وفي بعض السنوات يشعر السكان بعلامات الربيع بعد الشتاء إذا ما ظهرت أزهار الأشجار بشكلها المعتاد في سابق السنوات، ويقول بعض من قابلتهم الجزيرة نت في العاصمة البنغلاديشية إن كثيرا من أبناء الجيل الجديد لم يعودوا يفرقون بين بعض المواسم بسبب تغيرات المناخ.
وكانت دراسة صادرة عن معهد غرانتام لبحوث تغيرات المناخ ومركز اقتصادات وسياسات المناخ في لندن، ونشرت في الإعلام البنغلاديشي في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، قد أشارت إلى وفاة 1.430 شخصا في بنغلاديش بين عامي 2017-2021، معظمهم من كبار السن، وهو ما يمثل ارتفاعا في عدد ضحايا الحر الشديد بنسبة 148% مقارنة بمن قضوا في ظروف وأسباب مناخ متشابهة بين عامي 2000-2004.
وتحدثت الدراسة التي كانت عن “آثار تغيرات المناخ على الصحة في بنغلاديش” عن الخطر الذي يعرض صحة ملايين المواطنين للخطر بسبب هذه التغيرات، حيث ارتفعت درجة حرارة الصيف عام 2021 بفارق 0.49 درجة مقارنة بدرجات الحرارة بين عامي 1986-2005.
كما امتد موسم الصيف 12 يوما إضافية، لترتفع الوفيات فيه خلال الأعوام الأخيرة، إلى جانب تأثيرات أخرى لتغيرات المناخ تمثلت بالجفاف وفي أحيان أخرى بظواهر معاكسة كالفيضانات والأعاصير والعواصف.