نابلس- “ألقِ السلاح، الإرهاب هو الطريق المؤكد للموت”، “سلم نفسك من أجل عائلتك”، “عليكم إخلاء منازلكم كي تسلموا”، بهذه العبارات وغيرها، أطلقت إسرائيل حربها النفسية على الفلسطينيين، عبر التهديد العلني والمبطن والتحذير المسبق للنيل من عزيمتهم.
وبخط موازٍ للعدوان المسلّح، يحاول الاحتلال الإسرائيلي بث الرعب وإرهاب الفلسطينيين بمناشير ورقية تسقطها طائراته من الجو، وأخرى يلقيها جنود الاحتلال خلال اقتحام القرى والمدن، أو برسائل عبر الهاتف الخلوي، فضلا عن طائرات مسيَّرة تزود بجهاز تسجيل ومضخم صوت.
وتتخذ تلك المنشورات أشكالا مختلفة، منها قصاصات بيضاء ورقية تحمل شعار جيش الاحتلال، وأخرى على هيئة أوراق نقدية مزيفة لعملة الشيكل الإسرائيلي، وصيغت عباراتها باللغة العربية الركيكة في أحيان كثيرة.
ولم يكن إرهاب المستوطنين على الفلسطينيين أقل وطأة، حيث جاءت منشوراتهم بشكل تحريضي مباشر والدعوة لقتل أسماء بعينها ونشر صورهم تحت عبارة “صيد ثمين”، فضلا عن ملاحقتهم داخل محالهم ومنشآتهم.
وعيد وتهجير
وصعَّدت إسرائيل مؤخرا من هذه الأساليب وخاصة بعد تصاعد العدوان على قطاع غزة، وتركزت في المناطق الأكثر اقتحاما واستهدافا من الاحتلال، حيث تلاحق المقاومين والمطلوبين.
وبينما تركزت المنشورات التهديدية في غزة أكثر على دعوة المواطنين لإخلاء منازلهم، حملت في الضفة صيغة التهديد والوعيد للمواطنين من إيواء المطلوبين والمطالبة بتسليمهم، أو تحذيرهم من التعامل مع فصائل المقاومة ومساندتهم بشكل أو بآخر.
وفي مخيم جنين شمال الضفة الغربية، رفض الفلسطينيون التعاطي معها قطعيا كحال المواطن شافع السعدي، الذي يقول إن المنشورات التي تصاعدت وتيرتها مؤخرا دعتهم إذا ما أرادوا “العيش بسلام” إلى مساعدة الاحتلال في اعتقال المطلوبين، وسط التلويح بإطالة أمد الاقتحامات والتدمير في المخيم.
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف السعدي “كل محاولات الاحتلال للتأثير على الأهالي باءت بالفشل، فقد مارس القتل والاعتقال والتدمير للبنية التحتية بالكامل، واليوم يحاول بث الرعب بين المواطنين، لكنهم صامدون لا يكترثون بمخططاته، لأنهم يحمون ويحتضون أبناءهم المقاومين”.
المسيرات الناطقة
ومثل مخيم جنين، استهدف الاحتلال قرى ومدنا أخرى بهذه المنشورات، لكنها وصلت للمواطن بسام نواجعة عبر طائرة مسيّرة ناطقة في قرية “أم العمد” قرب مدينة يطا بمحافظة الخليل جنوب الضفة الغربية.
وهذه الطائرة، يقول نواجعة إنها تستهدفهم باستمرار وتقض مضاجعهم بالصوت وضوء الليزر المزعج، وزيادة في الترهيب كثَّف الاحتلال إرساله لهذه الطائرات تزامنا مع الحرب على غزة قبل شهرين. مضيفا “تخترق هذه الطائرات المسيرة حرمات المنازل وتقتحمها، وأثناء بثها للمنشور الصوتي تقوم بتصويرنا أيضا”.
وفي حديثه للجزيرة نت، نقل نواجعة مضمون إحدى تلك الرسائل، التي تقول “احذروا وحذِّروا أبناءكم، أي شخص يفكر بعمل ما ضد الجيش سنصله وسنقتله”.
ولا يريد الاحتلال من نواجعة والسكان هناك الاقتراب من الشارع الاستيطاني الجديد الذي شقه للوصول لمستوطنة “عتنائيل” الجاثمة على أراضيهم. ويقول نواجعة “اعتدى جيش الاحتلال علينا أكثر من مرة، والآن يلجأ للتهديد عبر هذه المنشورات التي لن تخيفنا أو تجبرنا على الرحيل”.
الوعي مطلوب
لا يقلل الخبير بالشأن الأمني اللواء المتقاعد واصف عريقات من شأن هذه المنشورات، ويقرنها بالحرب العسكرية التي يشنها الاحتلال في غزة والضفة الغربية، ويقول إن إسرائيل برعت بها في السابق وتبرع بها اليوم، وإن الفلسطينيين أصبح لديهم خبرة كافية ووافية بها.
وأضاف عريقات للجزيرة نت، أن إسرائيل تعتقد أن هذه الأساليب تؤثر على الجبهة الداخلية الفلسطينية لثنيها وكسر إرادتها، وتلجأ إليها كأسلوب مساند للحرب العسكرية المتمثل بالقتل والتشريد، ويضيف أن المطلوب من الفلسطينيين هو “الوعي ومعرفة الغرض الإسرائيلي من وراء هذه المنشورات”.
وسيلة رصد
في هذا السياق، قال الباحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) وليد حبَّاس، “جيش الاحتلال لا أخلاقي، وينتهك كثيرا من القوانين الناظمة لشكل الحرب بالاعتداءات على المدنيين، ويدرك أن هذا سيعرضه لمساءلة دولية أمام العالم والمنظمات الدولية التي من الممكن أن تحقق بالحرب”.
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف حبَّاس “لذلك يضع نفسه ما يسمى خطة إنقاذ لحفظ خط الرجعة في حال تم مساءلته قانونيا، ويدعي بأنه قام بكل الإجراءات الصحيحة ورفع مسؤوليته بإبلاغ المعنيين عبر هذه المنشورات، وأن الأشخاص الذين قتلوا حتى لو كانوا بالآلاف يتحملون مسؤولية أنفسهم، وحتى الأهداف التي تضربها الطائرات كالأبراج السكنية يكون هناك بروتوكول مسبق لتبرير هذا الاستهداف”.
وحتى في مناطق الضفة الغربية، لا سيما بمواقع المقاومة كمخيم جنين وغيره، يرى حبَّاس أن الحرب النفسية وإن كانت هذه المنشورات جزءا منها، غير أنها بالإضافة لاستخدامها في الهروب من المسؤولية القانونية، فإن المنظومة الأمنية الإسرائيلية ترصد عبر هذه المنشورات اتصالات المقاومين وتحركاتهم.
محاولات للتهجير
ويتابع الباحث في المركز الفلسطيني لحقوق الانسان رأفت أبو خضر، الآثار المترتبة على اعتداءات الاحتلال. ويقول إن هذه المنشورات حرب نفسية، لكن هدفها تهجير الفلسطينيين جميعا، سواء في غزة من منطقة إلى أخرى أو بالضفة الغربية من منزل لثانٍ ومن مخيم لآخر.
وأمام ما قد يترتب على هذه المنشورات من قتل للمدنيين وتدمير لمساكنهم، يحاول الفلسطينيون التعاطي مع أجزاء منها التي تطالبهم بإخلاء منازلهم فورا عوضا عن هدمها او استهدفهم بداخلها، وذلك -بحسب حديث أبو خضر للجزيرة نت- “قد يوفر حماية لأنفسهم بعد أن أغمض العالم عينيه وصمته عن جرائم الاحتلال”.