غزة- كُتبت النجاة بأعجوبة لمراسل قناة “الغد” الفضائية في غزة الصحفي إبراهيم قنن وزميله مهندس البث الفضائي حسام الكردي بعد غارة جوية إسرائيلية كادت أن تلحقهما بقائمة الشهداء التي سُجلت منذ بدء عملية “طوفان الأقصى” صباح أول أمس السبت.
وقعت هذه الحادثة داخل مستشفى ناصر الحكومي في مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة عندما كان طاقم القناة يستعد للخروج على الهواء مباشرة برسائل تنقل تطورات الأحداث الميدانية المتلاحقة التي بدأت بعملية “نوعية” للمقاومة داخل ما تعرف بـ”مستوطنات غلاف غزة” وتبعتها سلسلة غارات جوية إسرائيلية مكثفة أسفرت عن مئات الشهداء والجرحى في القطاع، بينهم صحفيون.
يقول الكردي للجزيرة نت إنه وزميله ترجلا من السيارة داخل المستشفى، وكانا على بعد متر واحد فقط من سيارة إسعاف أصابها صاروخ بطريقة مباشرة واخترق سقفها، وتناثرت شظاياه في أرجاء المكان.
أصيب قنن (48 عاما) والكردي (39 عاما) بشظايا الصاروخ، وتسببت لهما بجروح في أنحاء جسديهما استدعت دخولهما المستشفى لتلقي العلاج اللازم، ليظهر قنن بعد ساعتين فقط على شاشة القناة في رسالة مباشرة متعاليا على جراحه في سبيل نقل الحقيقة وأداء رسالته المهنية.
يقول الكردي إن قنن وباقي أفراد الطاقم كان لديهم الإصرار على العودة السريعة للعمل ونقل صورة الواقع للعالم ومشاهد الضحايا وبينهم أعداد كبيرة من النساء والأطفال قضوا في جرائم مروعة ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي بقصف المنازل على رؤوس ساكنيها.
شهيدان ومفقودان
ومع اللحظات الأولى لـ”طوفان الأقصى” استشهد الصحفيان الشابان محمد الصالحي وإبراهيم لافي، وفُقدت آثار اثنين آخرين هما نضال الوحيدي وهيثم عبد الواحد ولا يزال مصيرهما مجهولا، فيما أصيب آخرون بجروح متفاوتة أثناء عملهم بتوثيق تطورات الأحداث في الميدان.
واستشهد الصالحي مصور وكالة “السلطة الرابعة” ولافي مصور وكالة “عين ميديا” بنيران الاحتلال خلال تغطيتهما مجريات الأحداث على السياج الأمني الإسرائيلي الفاصل مع غزة شرق مخيم البريج للاجئين وسط القطاع.
وبحسب توثيق نقابة الصحفيين الفلسطينيين، فإن الشهيدين الصحفيين كانا يرتديان زيا يميزهما كصحفيين ويحملان معدات وآلات تصوير، مما يشير إلى تعمد قوات الاحتلال استهدافهما وقتلهما كما في جرائم سابقة كان الصحفيون ضحيتها ما بين شهيد وجريح، وكذلك أسرى في سجون الاحتلال.
ولا يزال الاتصال مفقودا بمصور قناة النجاح الفضائية نضال الوحيدي، ومصور وكالة “عين ميديا” هيثم عبد الواحد، وما زال مصيرهما مجهولا منذ اللحظة الأخيرة التي شوهدا فيها يغطيان التطورات الميدانية قرب معبر بيت حانون (إيرز) شمال القطاع.
وندد الدكتور تحسين الأسطل نائب نقيب الصحفيين في حديثه للجزيرة نت بالجرائم الإسرائيلية بحق الصحفيين، وطالب اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالتدخل للكشف عن مصير الوحيدي وعبد الواحد.
ثمن الحقيقة
وكما في كل عدوان إسرائيلي على غزة كان للصحفيين نصيب من فاتورة الخسائر الناجمة عن كثافة الغارات الجوية واستهداف المنازل والمنشآت المدنية.
ووثقت نقابة الصحفيين تدمير غارة جوية بشكل كلي لمنزلي مدير إذاعة “زمن” المحلية الصحفي رامي الشرافي، والمذيع في قناة “القدس اليوم” الفضائية باسل خير الدين.
وأسفرت الغارات الجوية التي دمرت برج فلسطين في شارع الشهداء وبرج وطن في شارع الجلاء بمدينة غزة عن تدمير مقر مؤسسة فضل شناعة الإعلامية التي تكتسب اسمها من الصحفي الشهيد فضل شناعة مصور وكالة رويترز العالمية، والذي استشهد قبل سنوات بقذيفة إسرائيلية استهدفت سيارته المميزة بشارة الصحافة وسط القطاع، إضافة إلى تدمير مقر صحيفة الأيام ووكالة معا المحليتين.
وأكد الأسطل أن سياسة التدمير والتصفية واستهداف الصحفيين ومنازلهم والمؤسسات الصحفية والإعلامية “باتت سياسة إسرائيلية ممنهجة هدفها ترهيب الصحفيين وحجب الحقيقة وارتكاب المجازر والجرائم بعيدا عن عدسات الكاميرات وأقلام الأحرار”، ودعا الأطراف الدولية المسؤولة إلى توفير الحماية للصحفيين ولمؤسساتهم.
وقال إن “إفلات قادة الاحتلال من هذه الجرائم والانتهاكات اليومية ضد الصحفيين الفلسطينيين هو الذي يشجع إسرائيل على الإمعان والتصعيد في ارتكابها المزيد منها”.
وأضاف الأسطل أنه “لوقف هذه الجرائم وتشكيل رادع حقيقي للاحتلال يتطلب الأمر ضرورة التحرك العاجل والمضي في الإجراءات المتبعة في المحكمة الدولية لمحاسبة قتلة الزميلة شيرين أبو عاقلة والزميلين أحمد أبو حسين وياسر مرتجى”.
جريمة حرب
بدوره، صنّف رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني المحامي صلاح عبد العاطي الاستهداف الإسرائيلي المتعمد ضد الصحفيين ومنازلهم ومؤسساتهم بأنه “جريمة حرب”.
وقال عبد العاطي للجزيرة نت إن “القانون الدولي وكل القرارات الأممية والمواثيق الدولية تنص على توفير الحماية للصحفيين، واستهدافهم المتعمد هو جريمة حرب تستدعي المحاسبة”.
واستنادا إلى رصد وتوثيق الهيئة يؤكد عبد العاطي أن قوات الاحتلال تتعمد إلحاق الضرر الجسدي بالصحفيين قتلا وجرحا بهدف ثنيهم عن ممارسة عملهم، فضلا عن عرقلة عملهم بقطع الخدمات الحيوية الأساسية كالإنترنت، وتدمير مكاتبهم الصحفية ومقار مؤسساتهم الإعلامية، والهدف الأساسي للاحتلال برأيه “حجب الحقيقة عن العالم والتغطية على جرائمه”.
وهذه السياسة العدائية -التي وصفها عبد العاطي بالجرائم- تصب في “خانة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان عموما وللصحفيين خصوصا، وتزداد خطورتها أنها ترتكب في فترة حرب، مما يستدعي مقاطعة دولة الاحتلال ومحاسبتها على جرائمها”.