نتنياهو في مهب الانتقادات
تشير المعطيات إلى أن طبيعة الهجوم خضعت في النهاية للضغوط الأميركية مما جعله محدودا، خلافا للسقوف العالية التي وضعها نتنياهو وحكومته، والتي كانت تضغط باتجاه توجيه ضربات للبنية التحتية للبرنامج النووي الإيراني والمرافق ومنشآت النفط والغاز، وحتى إسقاط النظام، وفق تصريحات وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش.
وذكرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية أن “إسرائيل خططت لهجومها من ناحية بهدف تقليل عدد الضحايا، ومن ناحية أخرى الحفاظ على نتائجه عند مستوى من شأنه السماح لإيران بإنكار الأضرار الجسيمة واحتواء الوضع”.
كما ذكرت مصادر أخرى -من بينها موقع أكسيوس الأميركي ووالا الإسرائيلي- أن إسرائيل أبلغت إيران الجمعة عبر طرف ثالث بالهجوم وأهدافه، وذكرت صحيفة معاريف أيضا -نقلا عن 3 مصادر مطلعة ذكر أحدهما- أن “الإسرائيليين أبلغوا مسبقا الإيرانيين بشكل عام ما الذي سيهاجمونه وما الذي لن يهاجموه”.
كما قال مصدران آخران إن إسرائيل حذرت الإيرانيين من الرد على الهجوم، مشددين على أنه إذا ردت إيران، فإن إسرائيل ستنفذ هجوما آخر سيكون أكثر قوة، خاصة إذا أصيب مدنيون إسرائيليون بأذى، بحسب صحيفة معاريف الإسرائيلية.
وإذا ما صحت تلك التقارير، يصعب التأكيد أن تكون الضربات قد أحدثت أضرارا بالغة ومحرجة بالجانب الإيراني، ويرجح أنها كانت محسوبة إسرائيليا ومضبوطة، إرضاء للجانب الأميركي وخوفا من حرب شاملة أو رد إيراني مضاد تتحول بموجبه الهجمات إلى سلسلة ضربات متبادلة ومستمرة.
من جانب آخر، يرى محللون أن الضربات الإسرائيلية التي استهدفت قواعد عسكرية هدفت بالأساس إلى تحييد أنظمة الدفاع الجوي بشكل كبير، والتي يصعب إعادة بنائها بسرعة، وجعلت المجال الجوي الإيراني مكشوفا لأي هجوم إسرائيلي آخر يكون أكثر قوة وتدميرا، في رسالة إلى إيران بضرورة الإحجام عن توجيه أي ضربة أخرى لإسرائيل والإبقاء على وضع “الستاتيكو” العسكري في المرحلة الراهنة.
وفي ردود الفعل على الهجوم، تظهر في إسرائيل ردود فعل غاضبة، وتشكك في جدواه، وترى فيها “فرصة مهدورة لتصفية الحساب النهائي مع إيران”. وفي هذا السياق قال زعيم المعارضة يائير لبيد إن “قرار عدم مهاجمة أهداف إستراتيجية واقتصادية في إيران كان خاطئا. كان بإمكاننا بل كان علينا، أن نفرض ثمنا باهظا على إيران”.
من جهتها، انتقدت عضو الكنيست عن حزب الليكود تالي غوتليب حجم الهجوم الإسرائيلي وأهدافه قائلة إن “عدم مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية سيكون صرخة لأجيال عديدة. إن عدم مهاجمة احتياطيات النفط الإيرانية هو خطأ فادح.. لقد أضعنا فرصة لإضعاف فرص إيران في أن تصبح قوة نووية لسنوات عديدة”.
وشككت غوتليب في رواية تدمير منظومة الصواريخ الباليستية الإيرانية بالكامل في هجوم واحد، مشيرة إلى أن الهجمات على المنشآت العسكرية لا تغير معادلة توازن الرعب في الشرق الأوسط -وفق تقديرها- ورأت أن ما حصل “هو استسلام لإدارة بايدن التي لم تفكر ولو للحظة في مصالح إسرائيل”.
من جهته، انتقد أفيغدور ليبرمان رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” وعضو الكنيست عدم ضرب المنشآت النووية الإيرانية ومنشآت الطاقة بقوله “للأسف، يبدو أنه بدلا من تحصيل ثمن حقيقي، تكتفي الحكومة الإسرائيلية مرة أخرى بالإجراءات الكبرى والعلاقات العامة.. لقد حان الوقت للتصرف بطريقة تعكس موقفنا القوة، وليس مجرد الحديث عنها”.
وتعكس هذه التصريحات الإسرائيلية أن الضربة التي وجهت لإيران كانت محسوبة، حيث خضع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في النهاية للضغوط الأميركية ولضغوط المعارك في الجبهات الأخرى التي لم يحسمها، بما في ذلك التعثر الواضح في جنوب لبنان ضد حزب الله، ولتخوفات من أن هناك حربا لم يعد يثق في كسبها.
وكان نتنياهو من أشد الداعين لتوجيه ضربة للمشروع النووي الإيراني، خلال الحرب القائمة، وقد بذلت الولايات المتحدة جهودا كبيرة لإثنائه عن ذلك وفقا للتسريبات، وفي أغسطس/آب 2012 كان قد أعطى الضوء الأخضر لتنفيذ هجوم على المنشآت النووية الإيرانية، لكن جهودا أميركية مماثلة استمرت نحو شهرين جعلته يلغيها في أكتوبر/تشرين الأول.