موسكو- في توقيت حساس على المستوى العالمي، بدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زيارته إلى العاصمة بكين لإجراء محادثات مع نظيره الصيني شي جين بينغ، ومن المقرر أن يشارك بوتين في منتدى “حزام واحد.. طريق واحد” ويجتمع مع قادة دول أخرى.
ويجمع خبراء روس على أن من شأن هذه الزيارة المهمة تأمين منصة لتبادل وجهات النظر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتنسيق المواقف وتعزيز التعاون بين البلدين، بالنظر إلى المستوى العالي الذي وصلت إليه العلاقات بين موسكو وبكين، والتي ارتقت إلى مستويات لم تشهدها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.
ولعل ما يميز التقارب الروسي الصيني أنه يأتي في وقت تدهورت فيه العلاقات الروسية (وإلى حد ما الصينية) مع الغرب، مما أدى إلى اتخاذ خطوات متبادلة نحو تشكيل تحالف بديل، على الرغم من عدم إعلانه رسميًا، بالإضافة إلى تعزيز فكرة التعددية في مجال القوى العالمية.
وبالنظر إلى المشهد الجيوسياسي العام بالعالم، وإمكانية تدحرج الأوضاع بالأراضي الفلسطينية إلى حرب إقليمية، فقد بات من المرجح أن تتم مناقشة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي خلال المفاوضات بين بوتين وشي، وفق ديمتري بيسكوف السكرتير الصحفي لبوتين الذي قال إن خطر توسع هذا الصراع لا يزال قائماً، أمام المأساة التي بدأت تتكشف نتيجة إهمال الدول لهذه المشكلة.
نحو تعددية الأقطاب
وحسب الباحث بالشؤون الإستراتيجية رولاند بيجاموف، فإن الأوضاع الحالية في منطقة الشرق الأوسط والمتعلقة بعملية “طوفان الأقصى” من شأنها أن تشكل دبلوماسية “النظام العالمي الجديد” القائم على التعددية القطبية، والتي تمنح بدورها روسيا والصين المزيد من النفوذ وفرص التأثير في مسار الأوضاع هناك.
وتابع -في حديث للجزيرة نت- أنه من المؤكد أن يتم بحث الملف الفلسطيني خلال لقاء شي بوتين، مشيرا إلى أن تطابق الموقفين الروسي والصيني من القضية الفلسطينية وسبل حلها مهم عند الحديث عن تنسيق المواقف.
وقال بيجاموف إن الموقف بمجلس الأمن سيكون موحدًا بلا شك. وعلى الأقل، لن تسمح روسيا بوصف ما قامت به حماس بأنه عمل إرهابي، أو أن تساوي بين حماس والتنظيمات الإرهابية “وذلك في أحد تجليات الموقف الروسي في مواجهة مسعى إسرائيل حرف البوصلة وتشتيت الأنظار عن ملف بناء الدولة الفلسطينية وفق مبدأ حل الدولتين”.
وعبر المتحدث عن قناعته بأن الشيء ذاته ينطبق على مواجهة محاولات المماطلة التي تقوم بها إسرائيل وحلفاؤها الغربيون لـ”تصفية” القضية الفلسطينية من خلال “رشوة” الفلسطينيين والعرب، تحت مسمى حل مشاكلهم الاقتصادية، أو من خلال دعوات التطبيع، فضلًا عن تهجير الفلسطينيين إلى بلدان عربية مجاورة.
عصر جديد
بموازاة ذلك، تحتل مسألة التكامل بين الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومبادرة “الحزام والطريق” أهمية لروسيا في سياق نظرية “إعادة التموضع نحو الشرق”.
ويرى مراقبون روس أن الصين تدرك تماماً أن التجارة مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي أكثر موثوقية وواعدة من التفاعل مع الدول الغربية. وبالتالي، يتوقعون أن يشكل حضور بوتين لمنتدى “حزام واحد، طريق واحد” دفعة إضافية لمبادرة “الحزام والطريق”.
ويأتي ذلك مقابل وجهات النظر التي يتم سماعها بشكل دوري من الغرب بأن المشروع الصيني وصل إلى طريق مسدود، وبأن المبادرة التي أطلقها الرئيس الصيني عام 2013 لربط البضائع الصينية بالأسواق الأوروبية من خلال الطرق البرية والبحرية الشمالية، عبر أوراسيا، تواجه معضلة بالفعل.
ويرى الخبير بالاقتصاد الدولي فيكتور لاشون أن أوروبا الموحدة بعد أن أقامت “ستارا حديديا” جديدا على الحدود الغربية لروسيا وبيلاروسيا، سقطت في الفخ الذي نصبته بيدها، إذ خسرت نتيجة لذلك موارد الطاقة الروسية التي شكلت منذ سبعينيات القرن الماضي المحرك الرئيسي للاقتصاد الأوروبي.
سقوط نظرية العزلة
ووفقا للمتحدث لاشون، فإن زيارة بوتين تدحض أسطورة عزلة روسيا، وتبرز في المقابل توجه العديد من الدول إلى التعاون الاقتصادي معها، على خلفية تشكل سياسة متعددة الأقطاب ترفض الهيمنة الأميركية.
ويتابع -في حديث للجزيرة نت- أن الدول الأوروبية، في ذات الوقت، أغلقت إمكانية استيراد البضائع الصينية الرخيصة عن طريق البر، كون روسيا كانت حلقة أساسية في “الحزام الواحد” للمشروع الصيني.
وعليه، فإن الزيارة الحالية لبوتين إلى بكين ستكون ذات أهمية كبيرة لتطوير شراكة إستراتيجية شاملة صينية روسية منسقة بالعصر الجديد، مع الإشارة إلى أنه على مدى السنوات العشر الماضية، لعبت موسكو دورا هاما في تنفيذ مشاريع مبادرة “الحزام والطريق”. وبطبيعة الحال “لا يمكن للمحادثات أن تستمر دون مشاركة روسيا بهذا المشروع”.
بموازاة ذلك، يلفت لاشون إلى أن الصين رفضت قائمة القيود التي فرضها الغرب على روسيا، وتحاول اتخاذ موقف متوازن بشأن القضية الأوكرانية وتقديم نفسها كصانع سلام بالصراع الأوكراني.