طهران- شهدت علاقات إيران في عهد الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي انفتاحا ملحوظا تجاه العالم العربي. ومن أبرز ما خلفته حكومته، استئناف العلاقات مع السعودية مطلع عام 2023 بعد قطيعة دامت 7 سنوات.
ومنذ توليه الحكومة، بذل وزير خارجيته الراحل حسين عبد اللهيان سعيا ملحوظا في مسار تحسين العلاقات بدول عربية مثل مصر.
ومع غياب هاتين الشخصيتين (رئيسي وعبد اللهيان) إثر مقتلهما في تحطم مروحيتهما الأحد الماضي، أثيرت تساؤلات حول تداعيت ذلك على العلاقات الإيرانية بالدول العربية، وكذلك سياسات طهران الخارجية.
الأقرب لمبادئ الثورة
يشير أستاذ التاريخ مهدي شكيبائي إلى أن الإيرانيين أسقطوا في ثورة 1979 النظام السابق والذي كانت تجمعه علاقات جيدة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، معتبرا أن هذا الحدث “لم يكن له مثيل خلال 7 آلاف سنة من تاريخ إيران، مما جعله بمثابة زلزال في العالم”.
وأوضح -في حديثه للجزيرة نت- أن سياسة إيران الخارجية قبل الثورة كانت تدور حول محور الغرب “وهذا أخرجها من المحور الإسلامي وجعلها في سياق مصالح الغرب وتحديدا إسرائيل”.
وحسب شكيبائي، ففي تلك المرحلة كانت تربط إيران بإسرائيل علاقات وطيدة على المستوى الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي والأمني ضد الدول العربية، وتغيرت جذريا مع مجيء الجمهورية الإيرانية.
ومن بين جميع حكومات ما بعد الثورة، يقول الأكاديمي شكيبائي “كانت حكومة رئيسي الأقرب لتطلعات مؤسس الجمهورية، وتمثل ذلك باستئناف علاقاتها بالسعودية” وإن الأميركيين لطالما حاولوا إبعاد إيران والسعودية وإيجاد الخصام بينهما، ولكن رئيسي وعبد اللهيان استطاعا تجاوز هذه العقبة.
وأرجع أستاذ التاريخ جزءا من ذلك إلى شخصية عبد اللهيان الذي كان يحمل هاجس العلاقات مع دول المنطقة ولا سيما السعودية. وأكد أن الخارجية الإيرانية استلمت مؤخرا رسائل مهمة من المنامة ولقيت ترحيبا في الحكومة والنظام.
وبرأيه، فإن إعادة العلاقات وتحكيمها مع الدول العربية أهم إنجاز لحكومة رئيسي، حيث كانت هذه الحلقة المفقودة في الجمهورية منذ تأسيسها.
سياسة الجوار
في السياق، وصفت الباحثة بالسياسة الخارجية الإيرانية عفيفة عابدي تحسّن العلاقات بين إيران والدول العربية، خلال فترة ولاية الخارجية ووزيرها عبد اللهيان، بأنها نتيجة لعوامل مختلفة في شخصيته وسياساته، والقرار السيادي والحكومي بطهران، والأرضيات الإقليمية والدولية والإرادة المتبادلة في إيران والدول العربية.
وأوضحت -في تصريحها للجزيرة نت- أن عبد اللهيان وقبل أن يتولى منصب الوزير، تخصص في قضايا الشرق الأوسط وغرب آسيا. لذلك، كان من المتوقع منذ تعيينه وزيرا أن يركز أكثر على تطوير علاقات إيران غرب آسيا.
وفي الوقت نفسه، تقول عابدي إن السياسة المعلنة والعملية لحكومة الرئيس الراحل كانت تركز أيضا على الجوار، وهذا يعني الدعم الهيكلي للجهود الدبلوماسية التي يبذلها عبد اللهيان في تحسين العلاقات مع العالم العربي.
وتقول أيضا إنه وفقا للتطورات الإقليمية والدولية “لوحظ وجود حسن نية في العواصم العربية لتغيير طبيعة العلاقات وتطويرها مع إيران، ويؤكد ذلك الحضور الكبير والرفيع للدول العربية في تأبين رئيسي ووزير خارجيته”.
ورأت عابدي أن تحركات عبد اللهيان الدبلوماسية في دعم فلسطين منذ “طوفان الأقصى” زادت من شعبيته لدى الرأي العام العربي. وباعتقادها، حدث اتجاه جيد في أجواء العلاقات بين الدول الإسلامية غرب آسيا، وينبغي الحفاظ عليه وتطويره.
عوامل مشتركة
وأشارت الباحثة عابدي إلى أن المستقبل سيتأثر بعوامل مختلفة، والتطورات الإقليمية والدولية يمكن أن توسع أو توقف عملية تطور العلاقات بين إيران والعالم العربي، لكن عامل الإرادة الثنائية بين الجانبين سيكون أكثر فعالية.
وختمت بقولها إن من أهم العوامل التي ينبغي أن تساعد في تعزيز العلاقات بين طهران والدول العربية هو عامل الدين المشترك والقرب الجغرافي والأمن والمصير المشترك “وفي كل السياسات من أجل المصالح الوطنية في العواصم الإسلامية، لا ينبغي أن ننسى أن الدول الإسلامية أعضاء في أمة إسلامية واحدة”.
من جانب آخر، أوضح الباحث بالسياسة الخارجية برهام بور رمضان أن السياسة الخارجية في إيران لا تتعلق كثيرا بالدول ولا تختلف إن كانت الحكومة يمينية أو يسارية.
وأضاف للجزيرة نت أن سياسات النظام وإستراتيجياته هي من تحدد السياسة الخارجية للبلاد، والحكومة بشكل عام والخارجية بشكل خاص ينفذان السياسات الكبرى فحسب.
وبرأيه، فإن ما يتغير بتغيير الحكومات في إيران هو خطاب الحكومة وطريقتها في تنفيذ القرارات المتخذة.
وخلص بور رمضان إلى أنه في حال خرجت المباحثات غير المباشرة الجارية بين طهران وواشنطن بنتائج إيجابية، ستتحسن العلاقات الإيرانية العربية بوتيرة أسرع.