مشاهد مأساوية من غزة.. مقابر جماعية ومراسم تشييع ودفن استثنائية للشهداء

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

غزة- في سابقة في قطاع غزة، جرى اليوم الاثنين دفن 63 شهيدا من ضحايا العدوان الإسرائيلي في “مقبرة جماعية” بعد تعذر التعرف عليهم، لما لحق بوجوههم وجثثهم من تشوهات وحروق، وعلامات “تعفن” بدأت تظهر على أجسادهم جراء البقاء خارج ثلاجات حفظ الجثث التي تنوء بأضعاف قدرتها الاستيعابية.

وأشرفت لجان مختصة من وزارات الأوقاف والشؤون الدينية، والصحة، والعدل، والداخلية، على مراسم الدفن ومواراة الجثامين الثرى في “المقبرة الجماعية”، التي وصفها المدير العام للمستشفيات في وزارة الصحة منير البرش بالمؤقتة إلى حين تعرّف أي من الأهالي على الشهداء، ونقلهم للدفن في قبور فردية خاصة.

لجأ الفلسطينيون إلى عربات المثلجات لحفظ الجثث بعد بلوغ طاقة استيعاب المستشفيات حدها (رويترز)

وقال البرش للجزيرة نت إن اللجوء إلى دفن الشهداء في مقبرة جماعية كان خيارا اضطراريا، بعدما بدأت تظهر على جثامينهم علامات تعفن وانتفاخ، ولم يعد بالإمكان التعرف على هوياتهم في ظل المجازر الدموية المتلاحقة التي ترتكبها قوات الاحتلال في غزة لليوم العاشر وأخفت عن الوجود عائلات بأكلمها.

وأسفر العدوان الإسرائيلي منذ اندلاع معركة “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري عن استشهاد 2778 فلسطيني وإصابة نحو 10 آلاف آخرين، أكثر من نصفهم من النساء والأطفال، بحسب توثيق وزارة الصحة ومنظمات حقوقية، مما شكل ضغطا هائلا على مرافق المستشفيات وثلاجات الموتى.

جثث مجهولة

وجراء ذلك، ظهرت مشاهد مأساوية مؤلمة لأعداد كبيرة من الجثث مكدسة على أبواب ثلاجات الموتى، وفي خيمة أقامتها مستشفى الشفاء بمدينة غزة لهذا الغرض، بعدما فاضت الثلاجات بما فيها من جثث.

وأوضح البرش أن جثث الشهداء التي دفنت في المقبرة الجماعية ظلت مجهولة منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي، ولتأخر تعرف ذويهم عليهم وتعذر إجراء الفحوص الطبية المتخصصة لتحديد هوياتهم، تقرر منح الجثث أرقاما وتوثيقها بالصور حتى يسهل الرجوع إليها بأي لحظة، وانتشالها وإعادة دفنها في قبور خاصة.

وتتسع ثلاجات حفظ الموتى في جميع مستشفيات وزارة الصحة على مستوى القطاع لقرابة 400 جثة فقط، من 50 إلى 60 جثة منها في ثلاجات مستشفى الشفاء كبرى مستشفيات القطاع التي تحملت النصيب الأكبر من ضغط الأعداد المتزايدة من الشهداء والجرحى.

مراسم تشييع الشهداء ودفنهم قصيرة وسريعة بسبب تهديد طيران الاحتلال
مراسم تشييع الشهداء ودفنهم كانت قصيرة وسريعة بسبب تهديد طيران الاحتلال (الأناضول)

كارثة صحية

وقال مدير المستشفى محمد أبو سلمية -للجزيرة نت- إن ساعات قليلة متبقية على وقوع الكارثة وتوقف جميع مرافق المستشفى عن العمل، بما فيها الثلاجات، بسبب توقف عمل المولدات إثر نفاد مخزون الوقود “وعندها سنواجه كارثة صحية كبيرة، وستنتشر معها الأوبئة والأمراض”.

ومنذ بدء العدوان لم تنخفض أعداد جثث الشهداء في الثلاجات عن 150 جثة، مما يشكل 3 أضعاف القدرة الاستيعابية.

وبحسب أبو سلمية، فإن اضطرار المستشفى إلى وضع جثث شهداء في خيمة وفي ممرات المستشفى، ينطوي على أخطار صحية جمة في ظل الجو الحار وتزايد احتمالات تعرضها للتحلل وانتشار الأوبئة في أوساط الطواقم الطبية والمرضى والنازحين في ساحات المستشفى.

ويرى أن الحل المتاح هو في سرعة إتمام ذوي الشهداء لمراسم دفنهم. ولكن حتى هذا الحل ليس سهلا في ظل الأخطار الناجمة عن كثافة الغارات الجوية الإسرائيلية، وعدم تمكن منظمات دولية من الحصول على موافقات إسرائيلية وتنسيق لما وصفه البرش بـ “الدفن الآمن”.

وسلبت إسرائيل الشهداء أرواحهم وكذلك الحق في مراسم تشييع ودفن تليق بهم، وحتى صلاة الجنازة في المساجد أصبحت مجازفة كبيرة في ظل استهداف إسرائيلي دمر العشرات منها كليا وجزئيا، فيؤدي المشيعون الصلوات على ضحاياهم في ساحات المستشفيات ومنها إلى المقابر مباشرة.

ومع الأعداد اليومية المتزايدة من الشهداء، تقتصر المراسم على إجراءات دفن سريعة وبحضور عدد محدود من دائرة الشهيد المقربة، ووسط مخاوف شديدة مع التحليق المكثف لطائرات الاحتلال التي تلقي بالموت حمما من السماء على مدار اللحظة.

وشارك صلاح عدوان في تشييع زوجة صديقه وأطفالها الثلاثة وثلة من ذويها، يوم الجمعة الماضي، ويقول “كان تشييعا غير مسبوق، عددنا لم يتجاوز أصابع اليدين، ونسابق الزمن لإتمام الدفن ومن فوق رؤوسنا طائرات حربية تبث الخوف والموت والإرهاب”.

دون وداع

وغابت الكثير من مراسم التشييع والدفن المعتادة في غزة عن جنازة زوجة صديق صلاح هبة الخياط وأطفالها الثلاثة، الذين قضوا من بين 15 آخرين في منزل عائلتها في مدينة رفح جنوب القطاع، جراء غارة جوية إسرائيلية دمرت المنزل فوق رؤوسهم، ولم ينج من هذه المجزرة سوى طفلتها إيلياء (4 أعوام).

وأضاف صلاح للجزيرة نت “من المستشفى إلى المقبرة، هذا هو مسار التشييع باختصار في زمن الإرهاب الإسرائيلي، وتغيب إجراءات الوداع المعتادة في المنازل قبل التوجه للمقابر، فغالبية الشهداء لم تعد لهم منازل يودعون منها، وكثير منهم لم يتبق لهم أحباب يبكونهم فقد ارتقوا جميعا”.

ونظرا لخطورة الوصول إلى المقابر الرئيسية الموجودة في غالبية مدن القطاع على مقربة من السياج الأمني الإسرائيلي، اضطر كثيرون إلى دفن شهدائهم في مقابر قديمة ومغلقة.

وختم صلاح “كل شيء في غزة أصبح استثنائيا، حتى الموت، ولم نعد قادرين حتى على وداع الأحبة بما يليق بهم، ولا نأمن على أنفسنا من اللحاق بهم شهداء في أي لحظة”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *