الدوحة- أرجع عدد من المسؤولين والخبراء قرار حركة طالبان في أفغانستان منع الفتيات من إكمال التعليم، في مرحلة ما بعد الصف السادس، إلى أسباب سياسية بعيدا عن أي أسباب دينية، معللين ذلك بأن الدين الإسلامي حث على فريضة التعلم، ولم ينكر على النساء حرية التعليم.
وخلال أعمال اليوم الأول لمنتدى الدوحة، أشار الخبراء إلى أن طالبان تخشى إشراك المرأة في العمل السياسي، وأن هناك جوانب قصور يجب العمل على حلها في العلاقة بين الرجل والمرأة في أفغانستان، أهمها ضرورة الحوار مع قادة الحكم في البلاد والرجال بشكل عام، وإقناعهم بأن تعليم المرأة ليس عائقا أمام تطور البلاد، وأنها علاقة تشاركية وتعاونية بين الطرفين، داعين إلى أهمية الحوار مع طالبان التي تمتلك الحلول لهذه المشكلة.
وفي جلسة “التعليم لها: التقدم للجميع إعادة بناء التعليم للنساء في أفغانستان” أوضح الخبراء أنه يجب العمل على فتح مساحات للفتيات في أفغانستان من أجل الحصول على التعليم، مؤكدين أنه فريضة عليهن وليس مجرد حق، كما يجب مساعدة المجتمع الأفغاني على الانفتاح ومسايرة تطورات العصر، وهذا لن يكون إلا بحصول المرأة التي تمثل نصف المجتمع على التعليم.
وأكدوا -في تصريحات للجزيرة نت- أن هناك عددا من الحلول التي يتم تطبيقها الوقت الحالي، منها المنصات الإلكترونية أو المدارس الافتراضية، وكذلك الاعتماد على التعليم بالمساجد لمواجهة قرار منع الفتيات من مواصلة تعليمهن.
حرمان من التعليم والعمل
في هذا السياق، قالت رينا أميري المبعوث الخاص لشؤون المرأة والفتيات الأفغانيات وحقوق الإنسان بالخارجية الأميركية إن الوضع في أفغانستان بعد عامين من حكم طالبان مرة أخرى ليس بأفضل حالا، موضحة أنه يجب تسليط الضوء على كيفية إدارة الصراع في البلاد أولا، ومن ثم البحث عن فتح فرص التعليم من جديد.
وأضافت -في حديثها للجزيرة نت- أن أكثر من 3 ملايين فتاة في سن التعليم بعد المرحلة الابتدائية لم يحصلن على فرصة للتعلم، ولكن بالنظر إلى الوضع بشكل عام فإنه يمكن الجزم بأن نصف المجتمع تقريبا، وهم النساء “محروم من فرص التعلم والعمل والمشاركة في العمل السياسي”.
وحول الخطط المستقبلية للتعامل مع الوضع الحالي، قالت أميري إن هناك عددا من الحلول التي يتم التركيز عليها منها إنشاء منصة خاصة بالأفغانيات لتكون مصدرا للتعلم والعمل بصورة افتراضية.
وأضافت المسؤولة الأميركية أن هناك بالفعل قنوات تواصل مع طالبان “وأوصلنا إليهم رسالة واضحة وصريحة أنه لن يكون هناك تطبيع للعلاقات أو عودة للعلاقات الطبيعية، ما لم تحدث تطورات على أرض الواقع في الكثير من الأمور، وفى مقدمتها تعليم النساء وعملهن ومشاركتهن في الحياة السياسية”.
بين الدين والسياسة
من جهتها، قالت وزيرة التعليم السابقة بأفغانستان رانجينا حمادي إن الوضع في البلاد تغير كثيرا السنوات الأخيرة وفقدت الفتيات ليس فرصتها في التعلم فقط، ولكن ربما فرصتها في الحرية والحياة، موضحة أن طالبان ضيقت الفرص على المرأة التي باتت غير قادرة على رسم مستقبلها.
واعتبرت -في تصريحات خاصة للجزيرة نت- أن منع طالبان للفتيات من التعليم “لا علاقة له بالدين الإسلامي، لكن الأمر سياسي في المقام الأول” موضحة أن الشعب في أفغانستان لا يعارض التعليم على الإطلاق للأولاد والفتيات، مضيفة “فربما يكون هناك آراء مختلفة في طريقة التعلم، ولكن الخلاف على التعليم في الأساس أمر غير موجود على الإطلاق”.
وأشارت رانجينا إلى أن طالبان فقط هي الوحيدة التي يمكن أن تجيب عن سبب منع الفتيات من التعليم في هذه السن، حيث يمنعن من استكمال الدراسة بعد الصف السادس، مستدركة “لكن ما نستطيع أن نؤكده أن السبب ليس أمرا دينيا على الإطلاق”.
وأوضحت أن هناك طرقا مختلفة يمكن للشعب الأفغاني اللجوء إليها بالفعل لسد فجوة التعليم للفتيات بشكل خاص، منها المساجد التي توفر تعليما حتى سن معينة، وكذلك اللجوء لبعض المنصات التعليمية الافتراضية على الإنترنت، وهو أمر متاح لأقلية صغيرة جدا في البلاد ممن يمكنهم الوصول إلى شبكة الإنترنت والكهرباء، والبرامج الدراسية في بعض المراكز التعليمية القليلة هناك.
وأشارت إلى أن أفغانستان دولة مسلمة لأكثر من 1200 عام، ومن ثم فإن مسألة انتشار المساجد والمراكز الدينية أمر مألوف وليس ظاهرة جديدة، ولا يمكن أن تعارضه طالبان، ولكنها منشآت باتت محدودة للغاية أيضا، ولا يقصدها الكثيرون خوفا من طالبان.
مدارس افتراضية
بدورها، قالت رؤيا محبوب الرئيس التنفيذي ومؤسسة صندوق “المواطن الرقمي” إن التخلف عن ركب التعليم الوقت الحالي، خاصة في ظل ما نشهده من تطور يشمل الذكاء الاصطناعي وتطورات كثيرة، سوف يجعل أفغانستان بعد عقد من الزمن في تخلف وتراجع واضح، حيث سيكون العالم في وضع مغاير تماما ولا يمكن اللحاق بركبه بسهولة، ومن ثم فلابد من تضافر الجهود ودعم الأفغانيات لمواصلة تعليمهن من خلال توفير طرق بديلة للمدارس التقليدية.
وأضافت محبوب -في تصريحات للجزيرة نت- أن أكثر من 65% من الشعب الأفغاني تحت سن 25 عاما، وهى نسبة تشير إلى حيوية وشبابية الدولة، وهو أمر إيجابي يجب البناء والعمل عليه لاستغلاله من خلال التعليم الجيد للجيل الصغير القادر على صناعة المستقبل.
وقالت محبوب -التي تركت أفغانستان منذ 2004، وتعمل حاليا من نيويورك -حيث أسست “الصندوق الرقمي الخاص”- إن الوضع في أفغانستان كارثي ومدمر للغاية، وهناك الكثير من المخاطر التي تحيط بالشعب، ومن ثم فإنه إذا كانت هناك رغبة من الحاكمين هناك أن ينهضوا بالبلاد، فلابد أن يفتحوا آذانهم للآخرين والعمل سويا من أجل مستقبل مشترك.
وكشفت أنها تخطط لإطلاق منصة إلكترونية لتعليم الفتيات في صورة مدارس افتراضية، بدءا من الصف السابع إلى الـ 12 لسد الفجوة في تعليم الفتيات، مشيرة إلى أنه من المتوقع أن يتم تدشينها رسميا في مارس/آذار المقبل.
من جهته، قال غلام عمر غلام قرغه زميل بمركز التعليم العالمي في معهد بروكينغز إن هناك ملايين الفتيات محرومات من التعليم في أفغانستان، ويجب العمل على وضع حلول خارج الصندوق للتغلب على هذه المشكلة، ومحاولة مساعدتهن بالصورة التي يمكنهن من خلالها تحقيق أهدافهن في التعلم وفرصة المشاركة في الحياة دون تهميش.
وتابع أنه لا أحد يملك الحلول لفرضها على طالبان التي تستطيع هي فقط أن تضع الحلول لهذه المشكلة وأن تستمع لأصوات العالم أجمع، وتفتح المجال أمام النساء من أجل المشاركة السياسية، وعدم التخلف عن ركب التطور والتقدم.