مشادات ماكرون وبوتين تعزز مخاوف أوروبية من حرب نووية

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

باريس- أمام نواب لجنة الدفاع الوطني والقوات المسلحة، أوضح وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان ليكورنو، الأسبوع الماضي، أنه “ليس لدى فرنسا أي نية لإرسال جنود إلى أوكرانيا لشن حرب ضد روسيا”.

بهذه الكلمات حاول الوزير لملمة آثار العاصفة التي خلفتها تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال مؤتمر دعم كييف الذي انعقد في باريس، حيث أشار لأول مرة إلى إمكانية إرسال قوات برية إلى أوكرانيا.

لكن يبدو أن ماكرون مصرّ على إثارة المزيد من الجدل، إذ قال أثناء زيارته إلى براغ، أمس الثلاثاء “نقترب بالتأكيد في أوروبا من لحظة حيث سيكون من المناسب ألا نكون جبناء”، محذرا من “القوى التي أصبح لا يمكن إيقافها”، ودعا أنصار كييف إلى “الارتقاء إلى مستوى التاريخ”.

قيادة أوروبا

ومن واشنطن إلى برلين ولندن، رفض جميع حلفاء كييف تصريح ماكرون الذي أعاد إلى الواجهة السؤال الشائك عن وجود قوات أجنبية على الأراضي الأوكرانية. ورسميا، تدرب فرنسا الجنود الأوكرانيين، وترسل المعدات العسكرية، لكنها لا تتحرك بشكل مباشر على أرض المعركة ضد الدب الروسي.

ويرى رئيس مركز الاستشراف والأمن في أوروبا إيمانويل ديبوي في حديثه للجزيرة نت أن ماكرون يريد استعادة قيادة أوروبا بالتزامن مع إعلان وزارة الدفاع الفرنسية تسليمها مساعدات عسكرية لأوكرانيا تصل إلى 2.6 مليار يورو.

ويفسر ذلك بما أسماه سباق التسليح، إذ تُعتبر ألمانيا ثاني أكبر مساهم عسكري للجيش الأوكراني بعد الولايات المتحدة. وبالتالي، تريد باريس تأكيد زعامتها فيما يتعلق بضمان الأمن ودعم كييف، رغم محاولة دول أخرى، مثل برلين، تذكيرها بأنها مخلصة دائما لالتزاماتها.

أما المستشار السابق في وزارة الخارجية الفرنسية مناف كيلاني، فلا يعتقد أن ماكرون يسعى لهذه القيادة، لأنه يدرك بكل بساطة عدم جدوى دور فرنسا سواء في الاتحاد الأوروبي أو لدى الحلفاء والأصدقاء العرب.

وأوضح للجزيرة نت أن باريس فقدت كل ما كانت تمثله منذ عهد الرئيس الراحل جاك شيراك، الذي جرّد البلاد من قدراتها العسكرية وأدواتها الصناعية وتأثيرها الثقافي. وماكرون يتبع -اليوم- خطى أسلافه منذ شيراك حتى الآن.

وفي غياب بنية أمنية أوروبية متحررة من عباءة حلف الناتو، يمثل “التهديد الروسي” الحجة الرئيسية لتبرير سباق التسلح.

وكشفت المفوضية الأوروبية، الثلاثاء، عن مشروعها لتعزيز صناعتها الدفاعية بميزانية أولية تبلغ 1.5 مليار يورو، خاصة أن 68% من مشتريات الأسلحة في الاتحاد الأوروبي -لدعم أوكرانيا- تتم من خلال شركات تصنيع أميركية، وفق المفوض الأوروبي تييري بريتون المسؤول عن الصناعات الدفاعية.

حرب النفاق

ولم يتأخر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إرسال رسالة تحذير صريحة للغرب تتمثل في تهديد حقيقي بحرب نووية في خطابه السنوي للأمة الذي يحدد خلاله أولويات بلاده.

وتعليقا على ذلك، قال المستشار السابق مناف كيلاني إنه “عند رؤية الأسلحة المتطورة التي قدمتها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا لأوكرانيا، فإننا لسنا بحاجة لأن نكون خبراء عسكريين لمعرفة أنها ستتطلب أشهرا طويلة من التدريب للجنود الأوكرانيين”، مؤكدا أن انتشار هذه الأسلحة وإرسال الرجال المسلحين من أوروبا الغربية نحو أوكرانيا أمر حقيقي.

ووصف موقف الحلفاء بـ”الكذب المحض” و”النفاق الخالص”، مشيرا إلى الجنود الفرنسيين الذين قُتلوا في خاركيف قبل بضعة أسابيع بضربات روسية وعدم تقديم السلطات أي معلومات بشأنهم لاحتمالية إرساء مفاوضات لتبادل الأسرى، في إشارة إلى عدم تكافؤ القوى على أرض المعركة.

بدوره، يفسر رئيس مركز الاستشراف والأمن في أوروبا إيمانويل ديبوي، مسألة عدم التكافؤ في الحرب الداخلية التي تدور رحاها بين الرأي العام في الدول الداعمة لأوكرانيا، ففي استطلاع أجراه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، كشف أن 35% من الفرنسيين لا يزالون مقتنعين بضرورة الاستمرار في تسليح أوكرانيا، مقارنة بـ41% في ألمانيا، بينما يؤمن 40% فقط من الأوكرانيين بقدرة بلادهم على الفوز.

ونعت كيلاني بولندا بـ”رأس الحربة” لأنها حريصة على الحصول على وحدات من الجيوش الغربية -مهما كان عددها- بشكل علني لتحدي موسكو فقط، مشددا على أن “هذه اللعبة البولندية بالغة الخطورة ستؤدي إلى رد روسي على أهداف في أوروبا الغربية”.

يُذكر أن فرنسا لم تتوقف عن دعم أوكرانيا منذ 24 فبراير/شباط 2022، من خلال نقل معدات الأسلحة والمشاركة في برامج تدريب الجنود، وإنشاء آليات مالية تسمح بوصول المعدات بشكل مباشر إلى كييف.

مصلحة روسية

وعلى الجانب الآخر، علقت شوكة تصريحات ماكرون في حلق المستشار الألماني أولاف شولتس الذي سارع إلى الرد بلهجة صارمة عليه واتهمه -بشكل غير مباشر- بالمماطلة منذ بداية الحرب.

ولفت ديبوي إلى ضعف موقف برلين الحالي بعد كشف موقع روسي محادثة بين جنرالين ألمانيين في الأول من مارس/آذار الجاري، مما أثار التساؤلات عن قوة تأمين الاتصالات بين كبار الضباط الألمان وإدانة وزارة الدفاع “بالتجسس ومحاولة زعزعة الاستقرار” من الجانب الروسي.

ولا يعتقد أن التوتر الحالي بين باريس وبرلين يصب في مصلحة موسكو، مؤكدا أن المصلحة الحقيقية تتمثل في أعمال الدعاية السيبرانية والمعلومات الكاذبة التي تشرف عليها روسيا لمحاولة تضليل الرأي العام ووضع مسافة بين القادة السياسيين والتزامهم بمواصلة دعم أوكرانيا.

ويتوافق هذا مع رأي كيلاني، إذ لفت إلى أنه لا يمكن لروسيا الاستفادة من التوتر بين فرنسا وألمانيا بطريقة ملموسة، لكنها قد تستخدم ذلك لتسليط الضوء على التناقضات الحالية بين الطرفين والأكاذيب الأوروبية.

وعلى المستوى الداخلي، يعتبر كيلاني أن حزب فرنسا الأبية وما تبقى من الحزب الاشتراكي من الجهات السياسية لا تتبنى توجهات الحكومة نفسها فيما يتعلق بمساعدة أوكرانيا وسياسات الناتو، في حين تلعب زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان “بنفاقها وكذبها المعتاد” على حبال المصالح وفق ما يتناسب مع القرارات المعادية لموسكو والداعمة لكييف لتكون أول من يصفق ويوقع ويصوت، وفق تعبيره.

كما حذّر من انتهاك الدستور الفرنسي، إذ يجب على رئيس الدولة مناقشة أسباب نشر القوات الفرنسية في الخارج في مجلس الأمة في غضون 3 أيام بعد إرسالها، مضيفا أن “ماكرون وأعوانه من اليمين أو اليسار يغضون الطرف عن ذلك”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *