كييف- شخصيات تترية مسلمة عدة تبوأت مراكز متقدمة في عالم المال والأعمال، ومناصب بارزة في دوائر صنع القرار بأوكرانيا، خاصة خلال الحرب الروسية على البلاد منذ فبراير/شباط 2022.
ومن أهم تلك الشخصيات، رينات أخميتوف (أحمدوف)، المتربع على رأس قائمة أغنى أغنياء أوكرانيا، وأمينة جباروف، نائبة وزير الخارجية، ورستم أميروف، وزير الدفاع المعين حديثا في هذا المنصب.
أخميتوف “ملك دونباس”
البداية مع أخميتوف (56 عاما) وهو رجل أعمال من أصول تترية مسلمة (تتار الفولغا في إقليم دونباس جنوب شرق أوكرانيا)، وصاحب مجموعة SCM المالية، ويتمتع بنفوذ كبير وشركات بارزة في سوق المعادن والتعدين والوقود والطاقة والتمويل والاتصالات وقطاع النفط والغاز والإعلام، كما أنه مالك ملعب ونادي “شاختار دونيتسك” لكرة القدم.
ويحتفظ أخميتوف بلقب أغنى أغنياء أوكرانيا رغم التغيرات والتقلبات الكبيرة التي طرأت على البلاد، كما كان أغنى رجل في أوروبا قبل 2008.
وأدخلته سلطته المالية بقوة عالم السياسة، فكان من أبرز مؤسسي “حزب الأقاليم” الموالي لروسيا، قبل أن ينحل الحزب في 2014، ويبتعد أخميتوف تماما عن المشهد السياسي.
وتقدر حجم ثروته بنحو 8 مليارات دولار، وتعرضت مملكته المالية في الشرق الأوكراني في 2014 لزلزال كبير بعد اشتعال الحرب في مناطق إقليم دونباس، حيث كان يوصف بأنه “ملك عليه”، ولكنه سرعان ما هيمن على سوق الطاقة.
ويؤكد محللون أن أخميتوف يسيطر عمليا على 30% من الناتج المحلي الأوكراني، بينما خسر -في خضم الحرب الجارية- مصنع “آزوف ستال” الذي كان يملكه في مدينة ماريوبول، الذي دمرته عمليات القصف.
أمينة جباروف
أما أمينة آياروفنا جباروف (40 عاما) فهي ناشطة وصحفية قرمية تترية مسلمة، تشغل حاليا منصب النائب الأول لوزير الخارجية الأوكراني، تخرجت في معهد العلاقات الدولية في جامعة كييف الوطنية “تاراس شيفتشينكو” (2000-2006).
حصلت أمينة على دبلوم في العلوم السياسية الدولية، وفي ترجمة اللغة الإنجليزية. وعملت (2002-2003) مساعدة للنائب الأول لرئيس وزراء أوكرانيا فيما يخص القضايا الإنسانية، ثم عملت من 2008-2010، سكرتيرة ثالثة لإدارة القضايا الاجتماعية والإنسانية، التابعة لدائرة التعاون الثقافي والإنساني في وزارة خارجية أوكرانيا، ودرست الصحافة في 2011 وعملت في هذا المجال.
ومنذ أواسط مايو/أيار 2020، تشغل أمينة منصب النائب الأول لوزير الخارجية الأوكراني، وتترأس اللجنة الأوكرانية الوطنية لليونسكو حيث برزت متحدثة باسم الخارجية في مختلف المحافل الدولية.
رستم أميروف
ولد رستم إنفيروفيتش أميروف (41 عاما) في سمرقند بأوزبكستان، وهو سياسي ورجل أعمال أوكراني من أصول قرمية تترية مسلمة، عاد مع أسرته إلى أوكرانيا بعد استقلالها في 1991، وبرز فيها -بداية- رجل أعمال، حيث كان مسؤولا في شركة “لايف سيل” (LifeCell) التركية للاتصالات داخل أوكرانيا، منذ 2003 حتى 2010.
كما شغل منصب رئيس قسم المشتريات واللوجستيات وإدارة العقود في مديرية المالية بين 2007 و2010، وكان عضوا إداريا في شركات استثمارية عدة عاملة في البلاد (ICG Investments – iCapital)، ومؤسسا ورئيسا لشركة الاستثمار الدولية ASTEM.
ثم برز بعدها ناشطا سياسيا اجتماعيا، حيث أسهم أميروف منذ 2010 وحتى 2013 في تأسيس العديد من المنظمات الدولية والمؤسسات غير الحكومية خدمة لشعب التتار.
بعد احتلال روسيا للقرم في 2014 والانتقال إلى كييف، شارك أميروف في 2016 في تأسيس مؤسسة التراث الثقافي القرمي، وانتُخب نائبا برلمانيا عن حزب “الصوت” (هولوس) المعارض في 2019، وشغل مناصب عدة في البرلمان.
وفي 2020، انضم إلى مجموعة عمل شكلها مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكرانية، لإعداد “إستراتيجية إنهاء احتلال شبه جزيرة القرم”.
وبرز اسم أميروف للعالم بعد بداية حرب روسيا على أوكرانيا، حيث كان جزءا من الوفد الأوكراني في المفاوضات مع موسكو في تركيا، وفي مفاوضات لاحقة مع روسيا لتبادل الأسرى.
ويرى مراقبون أن أصول أميروف القرمية التترية المسلمة أسهمت إيجابا في تمثيل بلاده في تلك المفاوضات، لا سيما وأن تركيا تعدّ التتار “امتدادا عرقيا وتاريخيا” لها في أوكرانيا.
عُين أميروف في سبتمبر/أيلول 2022 رئيسا لصندوق ممتلكات الدولة في أوكرانيا، بهدف محاربة الفساد داخل الصندوق وفي ممتلكات الدولة التي يضمها، كونه “شخصية أوكرانية بعيدة عن تهم وشبهات الفساد”.
ورُشّح مؤخرا لمنصب وزير الدفاع خلفا لسلفه أوليكسي ريزنيكوف، بتأييد معظم نواب البرلمان.
تاميلا تاشيفا
أما تاميلا رافيليفنا تاشيفا فهي قرمية تترية مسلمة، تشغل منصب الممثل الدائم للرئيس الأوكراني في جمهورية القرم ذات الحكم الذاتي.
ولدت في 1985 في سمرقند بأوزبكستان، وبعد العودة في 1991 استقرت مع أسرتها في منزل غير نظامي قرب مدينة سيمفيروبل بالقرم.
درست تاميلا في كلية اللغات الشرقية بجامعة تافريدا فيرنادسكي، وانضمت حينها إلى “مركز شباب تتار القرم” وبرزت في تنظيم فعاليات ثقافية قرمية تترية.
لعبت دورا نشطا خلال الثورة البرتقالية التي شهدتها أوكرانيا، فنظمت مسيرات مؤيدة لها في شبه جزيرة القرم، كما شاركت في “ثورة الحرية والكرامة” بكييف، وتطوعت في “مستشفى الميدان الأوروبي” الميداني، الذي نصب وسط العاصمة.
في شتاء 2014، أنشأت تاميلا منظمة رئيسة حركة “أنقذوا القرم” (CrimeaSOS)، لتوثيق “السياسة القمعية الروسية وانتهاكات حقوق الإنسان في شبه جزيرة القرم.
وفي أبريل/نيسان 2022، وبأمر من رئيس أوكرانيا، فولوديمير زيلينسكي، عُينت ممثلا دائما للرئيس في جمهورية القرم ذات الحكم الذاتي.
شخصيات بارزة
ومن بين الشخصيات التترية البارزة في أوكرانيا -أيضا-، مصطفى جميلوف (80 عاما) الذي يوصف بأنه “زعيم” التتار، الذي شغل منصب رئيس مجلس شعب تتار القرم، وكان نائبا برلمانيا لدورات عدة، ومفوضا باسم رئيس أوكرانيا لشؤون شعب تتار القرم من 2014 حتى 2019.
ويبرز -كذلك- رفعت تشوباروف، النائب البرلماني، ورئيس مجلس شعب تتار القرم، والشيخ سعيد إسماعيلوف، المفتي السابق لمسلمي أوكرانيا، الذي خلع العمامة وارتدى الزي العسكري محاربا لصالح بلاده ضد “عدوان روسيا”.
الكفاءة هي المعيار
ويرى الكاتب والمحلل السياسي أوليكساندر بالي، مؤلف كتاب “الموجز في تاريخ أوكرانيا”، أنه “لا معنى لأحاديث سابقة حول تقريب السلطات التتار منها بمنحهم مناصب”.
ويقول للجزيرة نت، إن أسماء يهودية ومسلمة كثيرة يضمها برلمان أوكرانيا، والمحاكم اليوم تنظر في تهم موجهة لرموز دينية كبيرة، كانت جزءا من تكوين السلطة.
ويرى أوليكساندر أن العرق والدين ربما يلعبان دورا ما في العلاقات الخارجية، لكن الاستقطاب بالمناصب كان آلية لكسب الولاء سابقا ولم يعُد كذلك اليوم، بل أصبحت الكفاءة معيارا رئيسا، بدليل أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أقال عددا من كبار رموز التتار في 2019 عن مناصبهم “الرمزية”، وعيّن آخرين من تتار وغيرهم.
ويؤكد المحلل ذاته أن نظرة المجتمع إلى التتار صحّحت بعد موقفهم الرافض لاحتلال القرم في 2014، بعد أن سوّقتهم السلطات السوفييتية خونة منذ سنوات الحرب العالمية الثانية، ولم تُعِرهم السلطات الأوكرانية السابقة اهتماما كافيا، كونهم جزءا أصيلا من مكوّن المجتمع.