نابلس- لليوم الثاني على التوالي، تتعرض قرية دوما جنوب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية لهجوم واسع من المستوطنين، أسوة بباقي القرى المحيطة لا سيما قرية المغير، والتي يستهدفها المستوطنون أيضا منذ أمس بالاقتحام والاعتداءات وإطلاق الرصاص الحي مباشرة على الأهالي، مما أدى لاستشهاد شاب وإصابة آخرين بجروح خطيرة، وحرق العديد من المنازل والمركبات.
وبحجة البحث عن مستوطن راعٍ (14 عاما) فقدت آثاره منذ صباح أمس، شن أكثر من 1500 مستوطن هجومهم على المغير، وبعد العثور عليه مقتولا -وفق ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية- في المنطقة الواقعة بين قريتي المغير ودوما، هاجم المستوطنون القادمون من المستوطنات المحيطة قرية دوما مرة ثانية بعد ظهر اليوم السبت، وأطلقوا النار تجاه المواطنين وأحرقوا منازلهم ومركباتهم، بعد أن دعوا عبر مواقعهم “للهجوم على القرى العربية وحرقها”.
اعتداء بكل مكان
ومنذ يوم أمس، وفور إعلان الاحتلال فقدان المستوطن الذي كان يرعى أغنامه في المنطقة، اقتحم المستوطنون رفقة الجيش أطراف القرية الجنوبية، لا سيما منطقة المراجم، ودهموا منازل المواطنين وقاموا بتفتيشها والعبث بمحتوياتها، واعتدوا على السكان قبل أن يقوموا بمصادرة تسجيلات الكاميرات الخاصة بمنازلهم وهواتفهم الشخصية.
كما أغلقت قوات الاحتلال مداخل ومخارج قرية دوما بالكامل، وأعلنتها منطقة عسكرية مغلقة، وقال مواطنون وشهود عيان من القرية للجزيرة نت إن مئات المستوطنين المستنفرين منذ يوم أمس اقتحموا القرية بعد ظهر اليوم بمجرد العثور على المستوطن المفقود، وتوغلوا إلى مواقع متقدمة ودهموا المنازل القريبة من حارتي المرج والمحور، وأحرقوا ما لا يقل عن 10 منازل وحطموا نوافذ منازل أخرى بالحجارة، كما أحرقوا عشرات المركبات و4 مزارع للدواجن والأبقار بشكل جزئي وكامل، ومحطة غسيل للمركبات.
وتزامن اقتحام المستوطنين الذين ظهروا بكامل سلاحهم وعتادهم العسكري مع إطلاقهم النار بشكل كثيف تجاه المواطنين الذين حاولوا التصدي لهم، فأصابوا عددا منهم بالرصاص الحي، فيما طعن أحد المستوطنين مواطنا في كتفه.
وبُعيد هجوم المستوطنين، عمد جيش الاحتلال لاقتحام منازل المواطنين واعتلاء أسطحها، ونصب القناصة الذين أطلقوا النار تجاه المواطنين والشبان الذين حاولوا التصدي لهجوم المستوطنين.
هجوم ممنهج
ذكر المواطن عبادة دوابشة أن “الهجوم على القرية كان ممنهجا”، وأن المستوطنين أعدوا له سلفا، حيث اقتحموا القرية على شكل جماعات وعصابات وبالمئات ومن أكثر من محور، ولوحظ بعض قياداتهم وهم يرشدون مستوطنين آخرين إلى المواقع التي يودون استهدافها، وأضاف دوابشة للجزيرة نت إنهم تفادوا خسائر بشرية بأرواح المواطنين بعدما تنبهوا لاقتحام المستوطنين سريعا، وأخرجوا المواطنين من منازلهم، التي أحرقها المستوطنون.
وذكر مدير الإسعاف والطورئ بجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني أحمد جبريل أن جيش الاحتلال منع دخولهم إلى قرية دوما لإسعاف المصابين، وأنهم تمكنوا من ذلك بعد 3 ساعات، وذكر أن 6 مواطنين أصيبوا بالرصاص الحي خلال هجوم المستوطنين على قرية دوما، بينما أصيب مواطن آخر بقرية المغير المجاورة.
وكان جيش الاحتلال قد أعلن في بيان مشترك بين الشاباك والشرطة الإسرائيلية نشرته الصحافة العبرية العثور على جثة المستوطن الراعي بنيامين أخيمئير قرب مستوطنة “ملاخي شلوم” (ملائكة السلام)، الواقعة على أراضي المواطنين في دوما والمغير، وقال إنه “قُتل في عمل إرهابي، وإنه حاول مقاومة قتلته”، وذكر أن التحقيق لا يزال مستمرا.
ونقل عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استنكاره لما وصفه بـ”الجريمة الخطيرة” لمقتل المستوطن، ودعا جيش الاحتلال للوصول إلى قتلة المستوطن واعتقالهم، متوعدا من يتهدد دولة إسرائيل وأمنها.
وتزامن الهجوم على قرية دوما مع هجوم آخر على قرية المغير القريبة لليوم الثاني، وهي التي لم تتعاف من اعتداء شنه عليها أكثر من 1500 مستوطن يوم أمس، حيث قتلوا شابا وجرحوا أكثر من 50 آخرين، فضلا عن حرق عشرات المركبات والمنازل، كما أصاب المستوطنون خلال هجوم اليوم على المغير 3 مواطنين، أحدهم بحالة حرجة.
كما شن مستوطنون آخرون اعتداءات مختلفة على قرى دير شرق رام الله وبلدة ترمسعيا شمالها، وأغلقوا الشوارع الرئيسية التي يستخدمها الفلسطينيون ورشقوهم بالحجارة.
فككت السلطة كل امكانيات وقدرات المجتمع للدفاع عن نفسه وتنظيم ذاته تحت عنوان فرض سلطتها الوهمية عليه وفي ساعة الصفر تتركه لمواجهة مصيره وحيداً، في المحصلة نعيش اليوم في حالة فراغ قيادي مجتمعي مرعبة وغير مسبوقة في مقابل مجتمع استعماري يحشد كل طاقاته يساراً ويميناً في مواجهة وجودية،…
— خالد عودة الله (@kodetalah) April 12, 2024
الأخطر متوقع
وفي ظل هجمة المستوطنين الشرسة، قالت لجنة التنسيق الفصائلي بمدينة نابلس في بيان لها، وصل الجزيرة نت، إنها “لن تسمح للمستوطنين بفرض واقع جديد بهجومهم على القرى والبلدات الفلسطينية”، ودعت الفصائل للنفير العام وإعلان حالة الطوارئ للتصدي لهم، وأكدت على ضرورة تشكيل وتفعيل لجان الحراسة في تلك القرى، ودعم هذه اللجان شعبيا ورسميا.
ووصف محافظ نابلس غسان دغلس هجوم المستوطنين بـ”البربري المسلح والمحمي من جيش الاحتلال”، وقال إنه “دليل على تحضيرات المستوطنين وإعدادهم من زمن لذلك”، وأضاف للجزيرة نت أن “هذه السيناريوهات التي أعد لها المستوطنون تهدف لشيء أكبر، ما لم يكن هناك وقفة جدية من المجتمع الدولي”.
وذكر دغلس أن “إحراق المنازل والمركبات وإطلاق النار على المواطنين يذكر بمشهد نفذته العصابات الصهيونية شتيرن والهاغاناة وغيرها على الفلسطينيين عام 1948، عندما هجرتهم من قراهم وبلداتهم في فلسطين التاريخية”.
وذكر أن “هذا الوضع الصعب وارتفاع اعتداءات المستوطنين بنسبة أكثر من 208% عما هو قبل الحرب على غزة، يتطلب تصدي المواطنين لهذه المشاريع الاستيطانية”، وقال إن ذلك يتم عبر تفعيل لجان الحراسة والمقاومة الشعبية.
ولم يخف المحافظ أن جرائم المستوطنين في ازدايد وتصبح أكثر فظاعة، وقال “الفرصة الآن مواتية لهم أكثر في ظل الحرب المعلنة وصمت المجتمع الدولي وتسليح المستوطنين وحكومة إرهاب وتطرف داعمة لهم”.
دوما المستهدفة
ما جرى اليوم في قرية دوما يذكّر أهلها باعتداء لم يقل خطورة عام 2015، حين أحرق مستوطنون متطرفون منزل عائلة سعد دوابشة، وقتلوه وزوجته وطفله عليا حرقا، بينما أصيب طفله أحمد بجروح بالغة الخطورة.
ويؤكد رئيس المجلس القروي سليمان دوابشة أن “ذلك كله يقع ضمن مخطط يستهدف القرية بأكملها لتهجيرها”، ويقول للجزيرة نت إن من حوالي 18.500 دونم من أراضي القرية (الدونم الواحد يعادل ألف متر مربع)، تصنف إسرائيل أكثر 95% منها “مناطق ج”، أي خاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، حيث لا يملك أصحاب الأرض غير 940 دونما.
وتشكل هذه المساحة الباقية منطقة المخطط الهيكلي المسموح بها بتنظيم البناء، ولم يسمح الاحتلال بتوسعتها، مما دفع نصف سكان القرية البالغ عددهم 3.500 شخص للبناء خارج المخطط الهيكلي، وهو ما عرضهم للهدم الإسرائيلي الذي طال عشرات المنازل، كما أخطرت السلطات أكثر من 200 منزل بالهدم.