قال رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون ليس من العدل أبدا التفريق بين موقف تركيا من القضية الفلسطينية قبل الانتخابات البلدية وبعدها، وموضوع المعاملات التجارية مع إسرائيل مهما حاولت الدوائر الداخلية والخارجية تشويهه واستغلاله فلن تستطيع المس بالموقف المبدئي والثابت لتركيا والرئيس رجب طيب أردوغان تجاه القضية الفلسطينية.
وأضاف ألطون -في حوار شامل مع الجزيرة نت- أن تركيا هي “البلد الوحيد في العالم الذي اتخذ قراره بتقييد العلاقات التجارية مع إسرائيل أول الأمر، ثم بتعليقها في آخر المطاف” نتيجة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، المستمر منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وأشار رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية إلى قضية اللاجئين في بلاده، التي تكون موضوعا للتنافس في المواسم الانتخابية المختلفة، فشدد على أنها “خطابات تستند إلى إشاعات تنشرها مجموعات تهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية عبر خلق موجة مصطنعة من المشاعر المعادية للأجانب، وأنها لا ترتكز إلى واقع اجتماعي حقيقي”.
وعن الوجود العسكري التركي في البلدان المجاورة، أشار ألطون إلى أن تركيا تمكنت من تأمين حدودها، وذلك بفضل إستراتيجية المكافحة المتكاملة التي حققت نتائج فعالة على صعيد تحييد الإرهاب وتنظيماته عبر إستراتيجية تجفيفه من منابعه، وبطريقة متكاملة خارج الحدود التركية.
وفي تفاصيل الحوار، تحدث كذلك عن ملفات متشابكة ومتداخلة بين المحلي والدولي والإقليمي، مثل تطبيع العلاقات بين تركيا ومصر، والتقدم الذي أحرزته العلاقات التركية الخليجية، وتنامي التحالفات التركية مع دول آسيا الوسطى.
كما كشف ألطون أيضا عن قدرة السياسة التركية الخارجية على الحوار مع كل من روسيا وأوكرانيا في آن واحد، كما أشار إلى الخلافات التركية الأميركية بشأن بعض الملفات، خاصة في ما يتعلق “بالتنظيمات الإرهابية” على الحدود التركية.
وإلى تفاصيل الحوار..
-
أوقفت تركيا معاملاتها التجارية مع إسرائيل إثر العدوان على غزة، بعدما شغلت هذه القضية الرأيين العربي والتركي، فهل كان لنتائج الانتخابات البلدية تأثير في ذلك؟
كانت إسرائيل منذ الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى وحتى وقت الإعلان الرسمي عن تأسيسها سنة 1948 تلجأ إلى أساليب وطرق مختلفة للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية. وبطبيعة الحال، كان العنف أحد هذه الأساليب، لكن بعد عام 1948 وجدناها تمادت إلى الاحتلال الممنهج.
وكانت تركيا تقف دائمًا ضد إسرائيل في القضية الفلسطينية بكل ما تملك من قوة، ومنذ المسار الذي اتخذته الأحداث عام 2009، وإثر المشهد المعلوم عندما صرخ رئيس الجمهورية أمام مرأى ومسمع من كل العالم قائلا إن “إسرائيل قاتلة”، وما تلا ذلك من إدانة لكل من قابل موقفه بالتصفيق؛ وإلى الآن وتركيا لا تفتأ تفضح وبصريح العبارة وبكل وضوح مظاهر الاضطهاد والقمع التي تمارسها إسرائيل في كل المحافل والمنابر الدولية.
وبالتالي، فلن يكون من الصحيح والعادل أبدا التفريق بين موقف تركيا من القضية الفلسطينية قبل الانتخابات وبعدها، وموضوع المعاملات التجارية مع إسرائيل، مهما حاولت الدوائر الداخلية والخارجية تشويهه واستغلاله فلن تستطيع المس بالموقف المبدئي والثابت لتركيا ولزعيمنا رئيس الجمهورية تجاه هذه القضية.
إن الدعم الذي تقدمه تركيا للقضية الفلسطينية يتزايد يوما بعد يوم، ومنذ محاولات الغزو وأعمال الإبادة الجماعية التي طفقت إسرائيل في ارتكابها منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول؛ كنا في طليعة الدول التي تعمل على جعل هذه القضية على رأس جدول الأعمال في العالم.
لن يكون من الصحيح والعادل أبدا التفريق بين موقف تركيا من القضية الفلسطينية قبل الانتخابات وبعدها، وموضوع المعاملات التجارية مع إسرائيل، مهما حاولت الدوائر الداخلية والخارجية تشويهه واستغلاله فلن تستطيع المس بالموقف المبدئي والثابت لتركيا
وبناء على هذا، وجب تقدير مواقف تركيا بإزاء القضية الفلسطينية، وبشكل خاص الموقف المبدئي والإنساني الذي ما فتئ يتخذه رئيس الجمهورية السيد رجب طيب أردوغان بشأنها. ومع أنه من غير الممكن تقديم جرد كامل لكل ما قدمته تركيا في سبيل خدمة هذه القضية ولأجل غزة، فإنني أود أن أذكّر ببعض الأمور:
- إن تركيا كانت -وما تزال- إحدى أكثر الدول التي تسخر كل طاقتها فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية، حيث إننا نعمل في إطار رسالتنا التاريخية النبيلة التي أخذناها على عاتقنا والمتمثلة في نصرة المظلوم في فلسطين خاصة، وفي أي منطقة من العالم.
- عندما دعت محكمة العدل الدولية لإصدار رأي استشاري بشأن المسائل الأساسية المتعلقة بالعواقب القانونية المترتبة عن احتلال إسرائيل طويل الأمد والاستيطان وضمها الأرض الفلسطينية المحتلة؛ أودعنا وجهة نظرنا الكتابية في 20 يوليو/تموز 2023، وكذلك قدمنا إحاطتنا في جلسة الاستماع الشفوية التي أقامتها المحكمة في لاهاي بتاريخ 26 فبراير/شباط 2024.
وقد بينا في إحاطتنا تلك أن جميع الإجراءات والتدابير أحادية الجانب التي تتخذها إسرائيل بهدف تغيير طابع ووضع الأراضي الفلسطينية المحتلة، ووضع مدينة القدس -بما في ذلك الأماكن المقدسة والحرم الشريف- تشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي.
- أعربنا عن موقفنا الراسخ أمام المحكمة الدولية وأمام الرأي العام العالمي الذي دعونا فيه إلى وجوب إيقاف كل تلك التجاوزات والانتهاكات، وإلى إعادة الحقوق إلى أصحابها من دون أي قيد أو شرط.
- في خضم ما كنا نبذله من قصارى جهودنا من أجل تحقيق وقف إطلاق النار، نظم الرئيس أردوغان لقاء جمع فيه بين قادة حركة حماس وقادة منظمة فتح لضمان أن يعمل الفاعلون الفلسطينيون بتنسيق تام وبشكل متكامل.
- أطلقت دائرة الاتصال برئاسة الجمهورية ومنذ الأيام الأولى للأحداث حملة لمواجهة عمليات التضليل الإعلامي ومغالطات الأخبار الكاذبة التي كانت تبثها الدعاية الإسرائيلية.
- نظمنا اجتماعا استثنائيا لوزراء الإعلام بالدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي، الذي عقدناه لأول مرة في نطاق قطاع معين، حيث تم فيه التأكيد على تنسيق الخطوات التي سيتم اتخاذها بشأن التضليل الإعلامي الإسرائيلي.
- ولم تفتأ تذكّر المنظمات الدولية بما نسيته وأغفلته من سياسة إسرائيل الاستعمارية الاستيطانية وحقيقة “دولة فلسطين” التي يتم تجاهلها باستمرار.
- رفعت تركيا القضية الفلسطينية إلى أن جعلتها قضية مركزية للدولة، وقدمت اقتراحات للحلول الممكن اتباعها على المديين المتوسط والطويل، ولم تتردد في تحمل تبعات المسؤولية عند اقتراح آليات الضمانات الدولية لحل القضية.
وينبغي التذكير بشكل خاص بأن تركيا ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وهي تعلن رفضها وتنديدها الشديدين للجرائم التي تقترفها إسرائيل على مرأى ومسمع من العالم كله؛ فقد حشدت كل طاقتها ووسائلها ومؤسساتها وهيئاتها واستخدمت كافة القنوات الإنسانية والدبلوماسية من أجل العمل على إيقاف تلك المجازر.
-
هل أيد الرأي العام التركي القرارات التي اتخذتها الحكومة التركية بشأن قطع المعاملات التجارية مع إسرائيل؟
من المعلوم لدى الجميع إلى أي حد متطور كانت قد وصلت إليه علاقاتنا مع إسرائيل، وحتى السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، غير أن تركيا وقبل المذابح الشنيعة التي تعيشها غزة بوقت طويل كانت أوقفت عمليات شحن المواد التي يحتمل استخدامها في الأغراض العسكرية إلى إسرائيل.
وقد بين ما وصلت إليه الأمور مؤخرا مدى واقعية وصدق تركيا التي ذهبت إلى قطع علاقاتها التجارية مع إسرائيل في موقفها الثابت من القضية الفلسطينية وفي كل ما كان يصدر عنها من تصريحات. وبطبيعة الحال، فإن هذه القرارات ستكون لها انعكاسات تمس الرأي العام.
إن الأهمية القصوى التي يوليها شعبنا العزيز للقضية الفلسطينية هي مثال يقتدى به في العالم بأسره، فقد برهن عن تأييده الكامل لكل القرارات التي تم اتخاذها بشأن تقييد المعاملات التجارية وكذلك بشأن التوقيف الكلي لها.
وأود التأكيد على أمر بالغ الأهمية: أن تركيا هي البلد الوحيد في العالم الذي اتخذ قراره بتقييد العلاقات التجارية أول الأمر ثم بتعليقها في آخر المطاف.
الأهمية القصوى التي يوليها شعبنا العزيز للقضية الفلسطينية هي مثال يقتدى به في العالم بأسره، فقد برهن عن تأييده الكامل لكل القرارات التي تم اتخاذها بشأن تقييد المعاملات التجارية وكذلك بشأن التوقيف الكلي لها
فمن المعلوم أن منطقة الشرق الأوسط تتخبط منذ سنوات طويلة في مشكلة إسرائيل، وأن هذه المشكلة منذ تاريخ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 قد قفزت إلى واجهة الأحداث، فلا ينبغي لأحد أن يساوره الشك للحظة أننا في تركيا سنقف مكتوفي الأيدي إزاء هذه المشكلة، وأننا سنقوم بكل ما يمكننا القيام به في إطار هيبة الدولة لإيجاد حل لها، وللوصول إلى وضع ينصف الفلسطينيين ويرفع عنهم المظالم والاضطهاد اللذين يعانيان منه.
ولذلك، لا ينبغي لنا أن ندع هذه النقاشات المتعلقة بالمعاملات التجارية تلهينا عن هذه القضية المركزية، غير أن ما يسرنا ويثلج صدورنا أن نرى إلى أي حد يعرب الشعب التركي عما يوليه من اهتمام البالغ بغزة؛ فتطلعاته وأمانيه العالية هي انعكاس تام لما نكنه نحن أيضا من تطلعات واهتمامات.
ومن هذا المنطلق، يمكن التأكيد على أنه ليس هناك أي فرق على الإطلاق بين موقف الحكومة التركية وفي مقدمتها السيد رئيس الجمهورية وموقف الرأي العام في تركيا إزاء القضية الفلسطينية.
لذلك، وجب أولا وقبل كل شيء وضع حل للمعضلة الإسرائيلية نفسها، ثم بعد ذلك إيجاد الحلول الناجعة للمشاكل التي تسببت إسرائيل فيها.
ليس هناك أي فرق على الإطلاق بين موقف الحكومة التركية وفي مقدمتها السيد رئيس الجمهورية وموقف الرأي العام في تركيا إزاء القضية الفلسطينية
ووجب علينا كذلك أن ننظر إلى الانتهاكات التي تمارسها إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني التي استمرت عقودا طويلة، ثم ما لبثت أن تطورت لتصل إلى مستوى محاولة تصفية تامة لشعب بأكمله.
فبعد الاعتراف بوجود هذه الحقائق وتحديدها، يكون بإمكاننا اتخاذ الخطوات الفعالة وتتبع الإستراتيجيات الكفيلة بحلها. فعندما كانت تركيا منذ البداية الأولى تقف إلى جانب الفلسطينيين المضطهدين، فقد كانت في الآن نفسه تناضل من أجل تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
وبالتالي فكل المحاولات المغرضة الرامية إلى الإضرار بأهمية الدور الذي قامت به تركيا من خلال افتعال قضية المعاملات التجارية إنما هي جهود تسعى قبل كل شيء إلى التغطية والتستر على ما ترتكبه إسرائيل من جرائم، ومحاسبة تركيا بدل محاسبة إسرائيل على ما تقترفه؛ وهو أمر لن نسمح بحدوثه أبدا. فلابد أن تتم محاسبة إسرائيل أمام التاريخ وأمام الإنسانية والقانون على كل ما ارتكبته من جرائم وانتهاكات تخالف المبادئ والقيم الإنسانية وتخالف القانون الدولي.
-
ترددت العديد من الأخبار عن وصول منتجات تركية إلى الجيش الإسرائيلي، فما حقيقة ذلك؟
هناك بعض الجهات تقوم بحملة دعاية سوداء منظمة ضد تركيا في الساحة الدولية، ومع أن هذه الجهات لا صلة لها من قريب أو بعيد بالأزمة القائمة مع إسرائيل فإن كل همها العمل على إضعاف موقف حكومتنا وإثارة الرأي العام الداخلي ضدها، وهذه القوى تتلقى دعم زمرة من المتعاونين معها الذين يخدمون مصالحها في حملة التشهير الإعلامية هذه.
والحقيقة أن المزاعم القائلة بوصول منتجاتنا إلى الجيش الإسرائيلي هي محض كذب وافتراء صارخ؛ فقد فضح مركز مكافحة التضليل الإعلامي التابع لدائرة الاتصال برئاستنا أن حملات التشهير وتلويث الصورة تلك إنما هي محض افتراءات كاذبة تستند إلى معلومات مغلوطة وفيديوهات ومرئيات تعود لتواريخ قديمة تم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشكل خاص.
فدعك من مزاعم إرسال منتجات إلى الجيش الإسرائيلي وركز في المقابل على ما قدمته تركيا، وعلى إيصالها ما يقرب من 50 ألف طن من إمدادات المساعدات الإنسانية إلى غزة حتى هذه اللحظة.
وهنا أود أن أذكّر -مرة أخرى- أولئك الذين يريدون استهداف تركيا بمعلومات مشوهة وأخبار مزيفة، وأولئك الذين أصبحوا -بعلم أو بغير علم- لعبة في يد هذه الحملة الخبيثة: إن تركيا حكومة وشعبا ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول كانت الدولة التي أبدت الموقف الأكثر شرفا والأكثر تأثيرا والأكثر صرامة على جميع المستويات إزاء جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل.
ونحن مقبلون على خطوة مهمة أخرى في هذا الصدد، وكما صرح وزير خارجيتنا هاكان فيدان، ستنضم تركيا في الدعوى التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، والتي تتهمها فيها بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، حيث ستتابع تركيا هذه القضية بكل مؤسساتها وهيئاتها إلى أن يتم إثبات جرائم إسرائيل وإدانتها في المحاكم الدولي.
-
أحدثت زيارة إسماعيل هنية إلى تركيا ولقاؤه أردوغان ضجة إعلامية كبيرة في الرأي العام العالمي.. فما نتائج هذا اللقاء؟ وهل سيترتب عليه أي تغير في وقف الحرب على غزة؟
قبل هذا الاجتماع، قدم الرئيس أردوغان تعازيه لرئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية على فقده أبناءه وأحفاده إثر الهجمات الإسرائيلية؛ واسمحوا لي أن افتح قوسا هنا لأذكر بأن الرئيس التركي هو أحد القادة القلائل الذين فعلوا ذلك؛ وتم لقاء رئيسنا مع هنية في جو ودي للغاية.
وصرح السيد رئيس الجمهورية إثر اللقاء بأن تركيا وفلسطين مثل اللحم والظفر؛ ولا ينبغي النظر إلى تركيا بمعزل عن أشقائنا الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة ونابلس ورام الله وبيت لحم والقدس… وباقي مدن فلسطين.
ثم إن الرئيس التركي هو أحد القادة القلائل الذين عبروا بصوت عال عن إدانة جرائم القتل الإسرائيلية في فلسطين أمام الرأي العام العالمي. ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول خصص جزءا كبيرا من ساعات عمله للجهود التي بذلها في سبيل حل هذه الأزمة، وخلال لقائه مع هنية تم التطرق لما يمكن فعله بشأن تعزيز جهود التوصل إلى وقف إطلاق النار.
الإيقاف العاجل والفوري للهجمات الإسرائيلية على فلسطين أهم موضوع مدرج على جدول أعمال الرئيس أردوغان؛ وبالتالي سنرى عما قريب نتائج مباحثاته من خلال التغييرات التي ستبدأ في الظهور تباعا على الوضع القائم في المنطقة
ومن الجدير ذكره أن جهود رئيس الجمهورية لا يمكن حصرها في لقائه مع مسؤولي حركة حماس، فهذا ليس إلا مجرد جزء من سلسلة أنشطة دبلوماسية مكثفة ومباحثات قام بها مع قادة العديد من دول العالم.
فموضوع الإيقاف العاجل والفوري للهجمات الإسرائيلية على فلسطين أهم موضوع مدرج على جدول أعمال الرئيس أردوغان؛ وبالتالي سنرى عما قريب نتائج مباحثاته من خلال التغييرات التي ستبدأ في الظهور تباعا على الوضع القائم في المنطقة.
وتركيا ستظل تبذل كل جهودها من أجل وقف المذابح التي ترتكب في فلسطين وإقامة دولة فلسطين المستقلة والمتمتعة بكامل سيادتها ووحدة أراضيها على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، لأن ذلك هو السبيل الأوحد لتحقيق السلام والاستقرار بالمنطقة.
-
كان التطبيع مع دول المنطقة أحد أهم المواضيع التي تصدّرت اهتمامات الرئيس أردوغان وتصريحاته في الفترة الأخيرة، فهل ضعف الاهتمام بهذا الملف بسبب نتائج الانتخابات المحلية؟
أود قبل كل شيء أن أبين بكل وضوح ومن دون أي لبس أمرا بالغ الأهمية؛ وهو أن الانتخابات التي أجريت في تركيا بتاريخ 31 مارس/آذار الماضي كانت عبارة عن انتخابات للبلديات والإدارات المحلية، لذلك لن يكون لنتائج هذه الانتخابات أي تأثير على سياستنا الخارجية، التي تتم بقيادة رئيس الجمهورية وتحت إشرافه.
إن السياسة الخارجية التركية تتمحور في الأساس حول أهداف رئيسية يمكن تلخيصها بسهولة في:
- إنشاء منطقة سلام وأمن في محيطها.
- تأسيس علاقات ودية مع دول المنطقة تقوم على المصالح المشتركة وتبادل المنافع.
وقد تؤدي مستجدات الأحداث الدولية والإقليمية في بعض الأحيان إلى تأخير تحقيق هذه الأهداف، وقد تفرض علينا استخدام أدوات أخرى مختلفة، كما إن سياسات وأنشطة القوى العالمية الفاعلة تجاه منطقتنا قد تصعّب تحقيق هذه الأهداف.
الانتخابات التي أجريت في تركيا بتاريخ 31 مارس/آذار الماضي كانت انتخابات للبلديات والإدارات المحلية، لذلك لن يكون لنتائجها أي تأثير على سياستنا الخارجية، التي تتم بقيادة رئيس الجمهورية وتحت إشرافه
غير أن تركيا ورغم كل هذه الظروف الصعبة، لم تتخل يوما عن الأهداف والمبادئ التي سبق أن ذكرتها آنفا؛ ففي خضم الصراعات الإقليمية التي جاءت بالموازاة مع حالة الشك وعدم اليقين على المستوى العالمي، كان رئيس الجمهورية قبل 4 سنوات نادى بأعلى صوته قائلا “سنزيد عدد أصدقائنا”.
ففي إطار هذا المنطلق، مارست تركيا “دبلوماسية الباب الخلفي” مع دول المنطقة، ومع نضج الظروف وجهد محاورينا وصلت العلاقات مع الدول التي كانت تعيش أزمات التوتر بشكل مستمر إلى المستوى الذي ينبغي أن تكون عليه.
إن التصور الذي تقوم عليه رؤية تركيا الإقليمية واضحة ومقترحاتها ملموسة تماما، وهذا هو بالضبط ما ألفت الانتباه إليه عندما أعرّف تركيا بأنها “قوة استقرار” في المنطقة.
فقد كانت الخطوات التي اتخذتها تركيا والحلول التي اقترحتها دائما تركز في الأساس على ضمان الاستقرار والأمن، سواء على الصعيد الإقليمي أو العالمي؛ فمن إصلاح الأمم المتحدة إلى مكافحة الإرهاب، ومن قضية اللاجئين إلى تحقيق الاستقرار في مناطق الصراع. وحتى عندما تلجأ تركيا إلى استخدام الأساليب القسرية والتعاون العسكري فإنما يكون هدفها من ذلك هو تحقيق الأمن والاستقرار، وليس التدمير.
-
هل وصلت العلاقات مع مصر إلى مرحلة التطبيع مع زيارة الرئيس أردوغان؟ وفي المقابل، هل سيزور الرئيس المصري أنقرة قريبا؟
في نهاية الحوار والمباحثات التي جرت منذ فترة في إطار الإرادة المتبادلة لتطبيع العلاقات بين تركيا ومصر، اللتين تربطهما روابط تاريخية وثقافية راسخة الجذور، تم تعيين سفراء متبادلين العام الماضي، وبدورها دخلت هذه العملية مرحلة جديدة.
ومع زيارة الرئيس أردوغان إلى القاهرة في 14 فبراير/شباط الماضي، اكتملت عملية التطبيع ودخلت حقبة جديدة في العلاقات بين البلدين، ومع التوقيع على الإعلان المشترك خلال هذه الزيارة تم الإعلان عن إعادة هيكلة مجلس التعاون الإستراتيجي رفيع المستوى بين بلادنا ومصر ليجتمع تحت الرئاسة المشتركة للرئيسين.
ولذلك فإن الإرادة السياسية لتطوير العلاقات بين البلدين في كافة المجالات أكدها الرئيسان على أعلى المستويات.
مصر تلعب دورا مهما للغاية في استقرار المنطقة وأمنها، ومن الأهمية أن تتعاون تركيا ومصر، خاصة في ما يتعلق بوقف العدوان الإسرائيلي وتنفيذ آلية الحل الدائم والعادل في فلسطين
وتم الاتفاق على أن يعقد اجتماع مجلس التعاون الإستراتيجي رفيع المستوى خلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتركيا خلال الأشهر المقبلة.
وكما جاء في التصريحات المتبادلة خلال زيارة الرئيس التركي، فإن العلاقات بين تركيا ومصر -وهما لاعبان مهمان في المنطقة- مهمة من أجل مصالح البلدين، وكذلك لتحقيق الاستقرار وإحلال السلام والسكينة في المنطقة.
وتتداخل وجهات نظر البلدين بشأن العديد من القضايا الإقليمية، وتلعب مصر دورا مهما للغاية في استقرار المنطقة وأمنها، خاصة القضية الفلسطينية. ومن الأهمية أن يتعاون البلدان، خاصة في موضوع وقف العدوان الإسرائيلي وتنفيذ آلية الحل الدائم والعادل في فلسطين.
سيتم تحديد موعد زيارة الرئيس السيسي لبلادنا فور الانتهاء من استعدادات عقد اجتماع مجلس التعاون الإستراتيجي
وخلال زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري لبلادنا يوم 20 أبريل/نيسان الماضي بدعوة من وزير خارجيتنا هاكان فيدان، تم تناول قضايا مثل الاقتصاد والتجارة والطاقة والدفاع وغيرها، التي هي على جدول أعمال علاقاتنا الثنائية، وكذلك تمت مناقشة استعدادات مجلس التعاون الإستراتيجي رفيع المستوى من جميع جوانبها، وتم تبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية، مثل فلسطين وليبيا والسودان والصومال.
وعلى هامش اجتماع مجلس التعاون الإستراتيجي رفيع المستوى، نواصل جهودنا لإبرام سلسلة من الاتفاقيات التي من شأنها تعزيز الأساس التعاقدي للعلاقات بين البلدين، مع الأخذ في الاعتبار احتياجات اليوم، وسيتم تحديد موعد زيارة الرئيس السيسي لبلادنا فور الانتهاء من استعدادات عقد اجتماع مجلس التعاون الإستراتيجي.
-
تحارب تركيا التنظيمات الإرهابية، خاصة بي كي كي منذ سنوات عديدة، فهل ستحل تركيا هذه المشكلة قريبا؟
تجاوزت حرب تركيا ضد “بي كي كي” (حزب العمال الكردستاني) 40 عاما، ويمكنني القول إننا حققنا نتائج فعالة على صعيد تحييد الإرهاب والتنظيمات الإرهابية بإستراتيجية تجفيف الإرهاب من منابعه، التي أعلنها رئيس الجمهورية عام 2016، والتي نقوم بتحديثها وتنفيذها من وقت لآخر، وكانت مكونات هذه الإستراتيجية أن هدفنا واضح، وأسلوبنا وأدواتنا كانت فعالة.
وأصبح التنظيم غير فعال إلى حد كبير داخل حدود البلاد، ووصلنا إلى هذه النقطة مع تطور صناعاتنا الدفاعية، وخبرتنا في الحرب ضد الإرهاب، والجمع بين قدرة قواتنا الأمنية وتضحياتها.
-
هل حققت تركيا أهدافها العسكرية في شمالي العراق وسوريا؟ وإلى أي مدى سيستمر الوجود العسكري التركي هناك؟
إن التطورات الإقليمية -للأسف- هيأت للتنظيمات الإرهابية أرضية جعلتها تكتسب فعالية، ومقابل هذا اضطرت تركيا إلى القيام بمكافحة الإرهاب بطريقة متكاملة خارج حدودها.
ولم تُستهدف تركيا بشكل مباشر من قبل “بي كي كي” فحسب، بل استهدفت أيضا من قبل عشرات التنظيمات المتعاونة مع هذا التنظيم وتنظيمات أخرى مثل “داعش” (تنظيم الدولة الإسلامية)، ولا زالت هذه التنظيمات تستهدفها، غير أن تركيا تمكنت من تأمين حدودها بفضل إستراتيجية المكافحة المتكاملة التي لخصتها قبل قليل.
وتحارب بلادنا العديد من التنظيمات، خاصة تنظيمي بي كي كي و”داعش” داخل الأراضي العراقية والسورية في إطار حق الدفاع عن النفس الناشئ عن القانون الدولي؛ ولذلك فإن التواجد والنشاط العسكري التركي داخل حدود هذه الدول لا يعد انتهاكا للحدود أو تدخلا ضد وحدة ومصالح هذه الدول، بل على العكس من ذلك، فإن وجودنا في إطار القانون الدولي من شأنه مساعدة هذه الدول في الحفاظ على وحدة أراضيها وسلامتها.
ألطون: تركيا هي الدولة التي تحارب وحدها (من دون تحالفات) التنظيمات الإرهابية، وما دام تهديد هذه التنظيمات لتركيا وجيرانها مستمرا فسنواصل موقفنا الحالي بكل عزم.
إن سياستنا الأساسية -التي لم تتغير- هي تصريحات رئيس الجمهورية بشأن العديد من التطورات في العراق وسوريا، والتي يبين فيها أن الأولوية الأهم لتركيا هي الحفاظ على وحدة الأراضي وسلامة المؤسسات في هذه الدول. ولولا محاربة تركيا النشطة ضد بي كي كي وعناصره و”داعش” لكانت هذه التنظيمات أكثر فعالية في الدول التي ذكرتها.
وبالمناسبة، تركيا هي الدولة التي تحارب وحدها (من دون تحالفات) التنظيمات الإرهابية، وما دام تهديد هذه التنظيمات لتركيا وجيرانها مستمرا فسنواصل موقفنا الحالي بكل عزم.
وفي أعقاب “مذكرة التفاهم بشأن التعاون في مشروع مسار التنمية”، التي تم التوقيع عليها خلال زيارة الرئيس أردوغان إلى العراق استخدم رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عبارة “اتفقنا على التعاون الأمني الذي سيضمن استقرار تركيا والعراق”. وهذه العبارة تمثل مؤشرا على الدعم المتزايد لتركيا في المنطقة في موضوع مكافحتها للإرهاب.
-
ما انعكاسات زيارة الرئيس أردوغان إلى العراق؟
لقد زار رئيس جمهوريتنا العراق للمرة الأولى منذ 13 عاما، وفي نطاق الزيارة تم التوقيع بين البلدين على 26 نصًا قانونيًا ثنائيًا يغطي جميع جوانب علاقاتنا، خاصة الأمن ومكافحة الإرهاب، والتجارة والاقتصاد، والنقل، والطاقة، والبيئة والزراعة. بالإضافة إلى التوقيع على مذكرة تفاهم رباعية بشأن التعاون في مشروع الطريق التنموي بمشاركة دولة قطر والإمارات العربية المتحدة.
وفي هذا السياق، ينبغي أن نسلط الضوء بشكل خاص على اتفاقية الإطار الإستراتيجي، التي تشكل خريطة الطريق للمسار المستقبلي لعلاقاتنا، ومن خلال هذا الاتفاق تقرر إنشاء لجان دائمة مشتركة مع مجموعة التخطيط المشترك حول مختلف موضوعات العلاقات الثنائية.
أثناء زيارة أردوغان للعراق تم التوقيع على 26 نصًا قانونيًا ثنائيًا يغطي جميع جوانب علاقاتنا، خاصة الأمن ومكافحة الإرهاب، والتجارة والاقتصاد، والنقل، والطاقة، والبيئة والزراعة
وهكذا تم اتخاذ خطوة إستراتيجية لضمان أن تتمتع علاقاتنا مع العراق ببنية مؤسسية ومستدامة لن تتأثر بالتقلبات المفاجئة، وتكتسب هوية تصدر نتائج ملموسة، ونتفق مع العراق على ضرورة التنفيذ الفعال لهذه النصوص والمضي قدما في علاقاتنا الثنائية.
وكانت قضية المياه أيضا من بين البنود المهمة في جدول أعمال الزيارة، ومن أجل تطوير التعاون الدائم مع العراق على أسس منطقية وعلمية في مجال المياه، تم بالفعل تشكيل اللجنة الدائمة المشتركة وعقدت اجتماعها الأول في نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
لقد أثر الجفاف الخطير الذي شهدته السنوات الأخيرة بسبب تغير المناخ سلبا على دول المنطقة، بما في ذلك تركيا؛ ولذلك فإن الاستخدام الفعال والمستدام لموارد المياه المتناقصة أمر مهم.
وفي هذا السياق، نحن على استعداد لتقديم كافة أنواع الدعم للعراق من خلال تنفيذ مشاريع مشتركة من أجل تطوير البنية التحتية للمياه وتحسين إدارة المياه في العراق.
مشروع “طريق التنمية” مبادرة مهمة للغاية على المستويين الإقليمي والعالمي لأنه جسر بين الخليج العربي وأوروبا، وتلعب تركيا في هذا المشروع دورا موحِّدا بين الشرق والغرب.
وكان مشروع “طريق التنمية” بندا مهما آخر خلال زيارة الرئيس أردوغان، وتم خلال الزيارة التوقيع على مذكرتي تفاهم:
- “ثنائية” بين بلدنا والعراق بشأن التعاون في مشروع الطريق التنموي.
- “رباعية” بمشاركة قطر والإمارات.
وهكذا أكدنا مرة أخرى الدعم القوي الذي نقدمه للعراق في نطاق هذه المبادرة الإستراتيجية.
وبمذكرة التفاهم الرباعية، سجلنا عزمنا على المضي قدما في المشروع على أساس “الملكية الإقليمية”. وفي هذا السياق، نشجع دول المنطقة الأخرى على المشاركة في المشروع.
ويعد مشروع “طريق التنمية” مبادرة مهمة للغاية على المستويين الإقليمي والعالمي لأنه جسر بين الخليج العربي وأوروبا، وتلعب تركيا في هذا المشروع دورا موحِّدا بين الشرق والغرب.
وصرح رئيس الوزراء العراقي بأن مذكرات التفاهم الموقعة “ستعمل على تحسين الشراكات وسيكون لها تأثير إيجابي على النمو الاقتصادي”. وبصرف النظر عن الفوائد الاقتصادية للمشروع، فإنه سيقدم أيضا مساهمة كبيرة في التواصل العالمي متعدد الأوجه بين الدول.
كما تم خلال زيارة العراق مناقشة قضية الإرهاب بالتفصيل، ويشكل وجود بي كي كي والتنظيمات الإرهابية المماثلة أكبر عائق أمام تطور المنطقة. ومن دواعي السرور أن بغداد أعلنت أخيرا بي كي كي تنظيما محظورا.
الجهود التي بذلتها تركيا والنصوص القانونية الموقعة خلال زيارة العراق توفر بيانات ملموسة حول رؤية تركيا لإنشاء حزام سلام حولها، وعلاقة المكاسب المتبادلة مع دول الجوار ودورها في تحقيق الاستقرار
وأعرب رئيس الجمهورية بوضوح عن تقديره لهذا التطور، وأكد أننا ننتظر إعلان بي كي كي رسميا تنظيما إرهابيا وإنهاء وجوده في الأراضي العراقية، حيث إنه في الأساس إذا لم ينته الإرهاب فلن يكون من الممكن المضي قدما في خطوات التنمية ومشاريع البنية التحتية الإستراتيجية، ونعتقد أننا سنحقق ذلك بالتعاون مع أصدقائنا العراقيين.
باختصار، إن الجهود التي بذلتها تركيا قبل هذه الزيارة والنصوص القانونية الموقعة خلال الزيارة توفر بيانات ملموسة حول رؤية تركيا لإنشاء حزام سلام حولها، وعلاقة المكاسب المتبادلة مع دول الجوار ودورها في تحقيق الاستقرار.
وفي هذا السياق، ينبغي تقييم زيارة الرئيس أردوغان إلى أربيل بعد قمة بغداد في إطار الغرض والسياسة نفسهما، إذ تم إبلاغ الإدارة هناك بعزم تركيا على مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى أن الرئيس أردوغان ذكّر حكومة الإقليم بضرورة المكافحة المشتركة للإرهاب، وذلك من أجل ضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي في العراق وفي منطقتنا.
تركيا مستعدة لاتخاذ جميع الخطوات مع جميع الأطراف التي تدعم ضرورة عدم إنشاء دولة إرهابية على حدودها.
-
يبدو أن الدعم الأميركي لهذه التنظيمات مستمر، فهل هناك نقاش مع واشنطن بشأن هذه القضية؟
لا يخفى على أحد أن لدينا وجهات نظر مختلفة مع الولايات المتحدة الأميركية، خاصة في ما يتعلق بوجود “بي كي كي” في سوريا وعلاقاتها مع هذا التنظيم الذي تحاول الولايات المتحدة تغطيته بتغيير اسمه.
لقد أدلى رئيس الجمهورية ومؤسساتنا ذات الصلة بتصريحات مستندة إلى بيانات ولعدة مرات في ما يتعلق بطبيعة هذا الانتقال، ولقد ذكرنا علنا وفي اللقاءات الخاصة أيضا أن هذا الوضع غير مناسب للعلاقات بين الحليفين في الناتو، ويمكن أن يعرض هذه العلاقات للخطر.
ورغم أن الولايات المتحدة ذكرت أنها قدمت هذه المساعدات من أجل محاربة “داعش”، فإننا أصررنا على أن محاربة الإرهاب لا يمكن خوضها بسياسة دعم تنظيم إرهابي ضد آخر، وأن هذا الوضع يمكن أن يزعزع الاستقرار الإقليمي، وباعتبارنا حلفاء في الناتو، فإننا ننتظر من الولايات المتحدة أن تتبع سياسة تعكس روح التحالف على أرض الواقع.
-
كان هناك توتر بين تركيا وبعض دول الخليج في السنوات الأخيرة، فهل انتهى هذا التوتر مع جولات أردوغان الخليجية؟ وهل سيكون هناك المزيد من التعاون في مجال الدفاع -مثلا- مع هذه الدول ؟
تولي تركيا أهمية كبيرة لعلاقاتها مع منطقة الخليج، وتدير هذه العلاقات على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة والتعاون من خلال آليات التعاون المشترك الثنائية ومتعددة الأطراف، ويجب تقييم علاقات تركيا مع دول الخليج في إطار المبادئ والتطورات الإقليمية التي ذكرتها أعلاه.
وأريد أن أقول ما يلي:
- واصلنا علاقاتنا الدبلوماسية مع جميع دول الخليج رغم وقوع بعض المشاكل في المنطقة.
- لقد مهدت زيارات الرئيس أردوغان إلى الخليج الطريق أمام التقارب والتعاون ليبرز إلى المقدمة، ويعد هذا الملف من أولوياتنا.
- إن دعوة السيد رئيس جمهوريتنا لحضور قمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي التي عقدت في الدوحة في الخامس من ديسمبر/كانون الأول 2023، ومشاركته في هذه القمة تظهر بشكل أساسي المستوى السياسي الذي وصلت إليه علاقاتنا.
- إن إنشاء آليات التعاون الثنائي مع دول الخليج مستمر، حيث تم مؤخرا إنشاء المجلس الإستراتيجي رفيع المستوى مع دولة الإمارات العربية المتحدة، وهناك لجنة إستراتيجية عليا تعمل بفعالية كبيرة مع قطر، ويجري العمل أيضا مع المملكة العربية السعودية من أجل الاجتماع المقبل لمجلس التنسيق التركي السعودي.
- تم مؤخرا استئناف مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي.
وكل هذا يظهر أن الزخم الحالي الحاصل في العلاقات مستمر في الزيادة، وتم وضع الإطار خلال اللقاءات على مستوى القادة، وتم التوقيع على عشرات اتفاقيات التعاون في مجموعة واسعة من المجالات، بدءا من الصناعات الدفاعية إلى الاتصال، ومن السياحة حتى التجارة والاستثمار، ولقد حان الوقت لتنفيذ هذه الاتفاقيات فعليا، وستتقدم هذه العملية في إطار الإمكانات والاحتياجات المتبادلة.
-
هناك تسارع في العلاقات بين تركيا واليونان وأجواء إيجابية في العلاقات بينهما العام الماضي، فهل يتحول هذا الوضع إلى مكاسب اقتصادية بين البلدين ويمتد إلى التعاون في شرق المتوسط؟
إن تركيا واليونان على تواصل وتفاعل وثيق بصورة دائما بسبب موقعهما الجغرافي. وبطبيعة الحال، هناك قضايا نختلف عليها، ومع ذلك -وكما قال رئيس الجمهورية التركية- “نعتقد أنه ليست لدينا مشكلة لا يمكن التغلب عليها”.
وكانت للمحادثات الإيجابية والموجهة نحو إيجاد الحلول التي أجراها الرئيس التركي مع (رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس) ميتسوتاكيس بأثينا في السابع من ديسمبر/كانون الأول 2023، وتوقيع “إعلان أثينا بشأن العلاقات الودية وحسن الجوار”- آثار متعددة الجوانب والأبعاد، وبالإضافة إلى العلاقات السياسية فهناك تطورات أيضًا في مجالي الثقافة والسياحة.
السياح الأتراك يستفيدون من فرصة زيارة اليونان لمدة 7 أيام من دون تأشيرة
ويستفيد السياح الأتراك بشكل كبير من فرصة زيارة اليونان لمدة 7 أيام من دون تأشيرة. وتوضح الأمثلة المذكورة أن علاقاتنا المتنامية والمتبادلة كيف تؤثر بشكل إيجابي على الحياة اليومية للمواطنين، ومن المؤكد أن هذا الوضع يفيد اقتصاد البلدين.
وفي ما يتعلق بقضية شرق البحر الأبيض المتوسط، فإن سياسة تركيا كانت دائما تسير في خط يحترم القانون وحقوق جيراننا في المنطقة، وتقوم سياسة تركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط على أساسين مهمين:
- الأول- تحديد الولاية البحرية للدول وفقًا للقانون الدولي وحماية الحقوق في جرفنا القاري، أما المبادئ الرئيسية الأخرى لدينا فهي عدم انتهاك حقوق أي دولة في مواردها الطبيعية، وبالطبع تقوم تركيا بإجراء دراسات للاستفادة من مواردها الطبيعية التي تمتلكها.
- الثاني- نعتقد أن شرق البحر الأبيض المتوسط يمثل أيضًا فرصة مهمة لتعزيز الصداقة التركية اليونانية.
ودعت تركيا اليونان إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات منذ بداية هذه الأحداث، وأعرب الرئيس أردوغان عن مقترح لتنظيم مؤتمر دولي يغطي هذه القضية ويهدف إلى تقييم الفرص المتاحة في المنطقة بشكل متساوٍ وعادل.
وفي هذا السياق، ومن دواعي السرور أن الحركة الدبلوماسية على أعلى مستوى بين تركيا واليونان زادت في الفترة الأخيرة، وستظهر صورة أوضح للقضية عندما يقوم رئيس الوزراء اليوناني بزيارة أنقرة.
-
هل الحرب الأوكرانية الروسية تمثل أزمة لتركيا، وهل تلقي بظلالها على العلاقات التركية الأوروبية؟ وما موقف تركيا إذا تدخل الناتو على نحو ما في هذا الصراع؟
هذا السؤال يتطلب إجابة شاملة إلى حد ما، ولكن من أجل التبسيط سأبدأ من نقطة أساسية للغاية:
- إن النهج الذي اتبعته تركيا في التعامل مع العديد من الأزمات والتحديات التي ظهرت مؤخرا على المستوى الإقليمي أو العالمي كان دائما يتشكل بما يتماشى مع مواقفها ومبادئها.
وهذه المبادئ هي توفير الاستقرار والعدالة والحلول القائمة على المساواة للمشاكل الإقليمية والعالمية، أو المساهمة في البحث عن حلول لهذه المشاكل إلى أقصى حد. وفي واقع الأمر، تم اختبار هذا الموقف الذي تؤمن به تركيا في العديد من الأزمات الأخيرة، وأثبت نفسه بشكل ملموس، وهذه الحلول لاقت قبولا من دول العالم أجمع.
وفي هذا الصدد، أصبح رئيس الجمهورية واحدا من رؤساء الدول القلائل الذين يمكنهم التباحث والاتصال مع قادة البلدين، وذلك من أجل تجنيد السبل الدبلوماسية بحثا عن حل، وحظيت الجهود التي بذلتها تركيا لإعلان وقف فوري لإطلاق النار بين الطرفين بتقدير دول العالم أجمع.
ودعنا نتذكر أن تركيا جمعت الأطراف على مستوى وزراء الخارجية في فترة كانت تعد حساسة جدا بين البلدين، وكانت الاجتماعات بين وفود الدول الأطراف في إسطنبول، وجهود تركيا ورئيسها في ما يتعلق باتفاقيات ممر الحبوب بمثابة نجاحات دبلوماسية تاريخية لا تقدر بثمن لاستقرار وأمن أوروبا ودول العالم أجمع.
كل هذا يدل على أن الموقف المبدئي لجمهورية تركيا تجاه مثل هذه الأزمات الخطيرة يمثل قيمة لا غنى عنها ليس فقط للهيكل الأمني الأوروبي، بل أيضًا للأمن والاستقرار العالميين.
الرئيس التركي واحد من الرؤساء القلائل الذين يمكنهم التباحث مع القادة في روسيا وأوكرانيا بحثا عن حلول، وحظيت جهوده لإعلان وقف فوري لإطلاق النار بين الطرفين بتقدير دول العالم أجمع
ومن غير المرجح أن تلقي الأزمة الأوكرانية بظلالها على العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا؛ بل على العكس من ذلك تشير كافة المؤشرات إلى أن تركيا حليف لا غنى عنه لدول الاتحاد الأوروبي.
ويشير هذا الوضع في الوقت نفسه إلى ما يلي:
- تركيا وعن طريق دبلوماسيتها المبنية على التوسط والسلام تدعو الأطراف دائما إلى الهدوء، وإن قدرتها على إقامة علاقات وثيقة مع الجانبين الروسي والأوكراني ونهج سياستها الخارجية يبقي قنوات التفاوض مفتوحة دائما، وهذا وضع قد لا يتوفر لدولة أخرى القيام به.
- من الآن فصاعدا، تركيا ستفعل كل ما هو ضروري لضمان السلام والاستقرار في المنطقة، مع الأخذ في الاعتبار هذا التوازن الدقيق في المنطقة.
- نحن مقتنعون بأن حلفاءنا في حلف شمال الأطلسي وأصدقاءنا في أوروبا والأطراف المتحاربة يدركون ويحترمون الدور الحساس والمتوازن والمستقر الذي تلعبه تركيا من أجل منع الأزمات والصراعات الحالية من التوسع بشكل أكبر والتأثير على العالم أجمع.
-
هل ستتحول منظمة الدول التركية من تجمع اقتصادي إلى تكتل سياسي شامل يساعد تركيا على أن تصبح أكثر نشاطا في آسيا الوسطى؟
تقيم تركيا علاقات ليس فقط مع جيرانها التي تربط بينهم الحدود، بل أيضا مع الدول القريبة من قلبها، من أجل السلام والازدهار واستقرار المنطقة والعالم.
إن وجودنا في منظمة الدول التركية -التي نحن أحد مؤسسيها- مؤشر على هدفنا المتمثل في الحفاظ على العلاقات الدولية بشكل عادل في الجغرافيا التركية، وإن تعاوننا في إطار منظمة الدول التركية مستمر من الناحيتين السياسية والاقتصادية، وفي مجال الطاقة والإعلام والثقافة والسياحة وبشكل منقطع النظير. نحن ندعم تنمية الدول الشقيقة في كل المجالات ونتبع سياسات مختلفة لحماية ثقافتنا المشتركة.
وكما صرح الأمين العام لمنظمة الدول التركية كوبانيشبيك أومورالييف بأن “هناك العديد من المنظمات الدولية في العالم، لكننا مختلفون، والسبب أن ديننا ولغتنا وتاريخنا وثقافتنا واحدة وشعوبنا إخوة”. ومن هذا المنظور، اعتمدنا وثيقة الرؤية التركية للعالم لسنة 2040 من أجل تعزيز بيئة الثقة بين الدول الأعضاء وبناء مستقبلنا المشترك جنبًا إلى جنب.
إن الجذور التي نتقاسمها مع الدول الأعضاء في المنظمة تمنحنا القوة وتزيد قيمتنا، ومن خلال الاستفادة من قوتنا الجماعية وقيمتنا المتزايدة، فإننا نسعى جاهدين للعب دور في تخفيف الأزمات في منطقتنا والحفاظ على استقرارها.
نحن في تركيا سنواصل المشاركة في عمليات التعاون التي ستقودنا إلى مستقبل مزدهر مع الدول المعنية، حيث تعيش الشعوب الشقيقة والمشابهة في العرق والدين في أمن واستقرار، وسنواصل العمل من أجل نضوج منظمتنا المشتركة بالوعي الذي اكتسبناه من تاريخنا.
أحد الأهداف الرئيسية لاتحاد وكالات الأنباء التركية هو محاربة المعلومات المضللة وتوفير المساندة والدعم
كما نهدف إلى زيادة تعاوننا مع الدول الأعضاء في المنظمة في مجالات الاتصال والإعلام والمعلومات، وتعزيز تبادل المعلومات والخبرات بيننا، ونهدف أيضا إلى خلق رؤية مستقبلية مشتركة بين وسائل الإعلام في العالم التركي بقيادة وكالة الأناضول.
وفي هذا السياق، تم تأسيس اتحاد وكالات الأنباء التركية في الاجتماع الذي استضافته وكالة الأناضول، وأحد الأهداف الرئيسية لاتحاد وكالات الأنباء التركية هو محاربة المعلومات المضللة وتوفير المساندة والدعم في ذلك، وسوف تجتمع وكالات الأنباء الرائدة في العالم التركي في هذا التحالف وتعزز مواردها، وسيؤدي اتحاد القوى هذا إلى نتائج أكثر فعالية في المستقبل.
ومن خلال أوجه التعاون هذه نسعى جاهدين للكشف عن الفرص والإمكانات المتاحة في العالم التركي وتقديم ثرواته الاجتماعية والثقافية والتاريخية إلى العالم من خلال أدوات مثل الدبلوماسية الثقافية، وسنواصل إظهار إرادة مشتركة ضد المشاكل التي تهدد منطقتنا والعالم التركي، خاصة في ما يخص المعلومات المضللة.
وفي هذا الصدد، أود أن أشير إلى أننا نولي أهمية لمنظمة الدول التركية بوصفها جهة فعالة ليس فقط على الساحة الإقليمية، بل أيضًا على الساحة العالمية.
-
تثار كثيرا قضية اللاجئين بوصفها أزمة تركية، خاصة في المواسم الانتخابية، فهل سيكون لنتائج الانتخابات البلدية الأخيرة تأثير على قضية اللاجئين؟
إن الادعاءات والخطابات بأن العنصرية أو المشاعر المعادية للأجانب آخذة في الارتفاع في تركيا لا تستند في المقام الأول إلى واقع اجتماعي وعلينا -بداية- أن نرى هذا بوضوح.
وترتكز هذه الخطابات إلى حد كبير على سؤال: كيف يمكننا إلحاق الضرر بتركيا؟ وهو يستند إلى إشاعات تنشرها مجموعات معينة تهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية من خلال خلق موجة مصطنعة من المشاعر المعادية للأجانب، أو عن طريق خلق موجة غير حقيقية من المشاعر المعادية للأجانب.
ونحن هنا على يقين بأن من يظن أنه يستطيع إنتاج اتجاهات غريبة عن ثقافتنا وحضارتنا -مثل معاداة الأجانب- من خلال محاولات التضليل والتلاعب فهو مخطئ وبشدة.
وفي حين كانت الهجرة غير النظامية موضوعًا للخطابات السياسية الشعبية وزيادة الهجمات العنصرية والمعادية للأجانب في العديد من الدول الغربية، لم تحدث أي آثار سلبية في تركيا، باستثناء عدد قليل من الحوادث المنفردة.
تركيا وبوصفها الدولة التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين في العالم، تلقن في الوقت نفسه العالم أجمع درسًا عظيمًا في الإنسانية، وفي الوقت نفسه الذي تواصل القيام بعمل مهم من أجل العودة الطوعية للاجئين بالتعاون مع حلفائها.
هناك إشاعات تنشرها مجموعات معينة تهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية عبر خلق موجة مصطنعة من المشاعر المعادية للأجانب
إن القضية الأساسية التي نحتاج إلى التركيز عليها في هذه المرحلة -وأكثر من أي وقت مضى- هي محاربة هجمات التضليل الممنهجة والمحاولات التي تغذي الميول والحركات التدميرية؛ مثل الكراهية ضد الأجانب والعنصرية.
لقد حاولنا -في رئاسة دائرة الاتصال- في مناسبات عديدة الكشف عن موقف تركيا من كل هذه القضايا وما يجب على المجتمع الدولي فعله لمواجهة هذه التحديات، ولدينا منشورات دولية واسعة النطاق مخصصة وبشكل مباشر لهذه القضايا.
وعلى سبيل المثال منشوراتنا مثل “نداء تركيا الميناء الآمن إلى العالم”، و”نموذج تركيا في المساعدات الإنسانية”، وكلها تركز وبشكل خاص على المأساة التي يعيشها المهاجرون وما ينبغي القيام به لمعالجة هذا الأمر.
مركز مكافحة التضليل في رئاسة دائرة الاتصال اكتشف العديد من المحتويات غير الواقعية، خاصة في ما يتعلق بالسوريين في بلادنا
بالإضافة إلى ذلك، نحن نحرص على إعلام الرأي العام المحلي والدولي بدقة بالمحتوى المرئي الذي نقوم بإعداده بلغات متعددة، وبالنظر إلى أن المعلومات الدقيقة أمر بالغ الأهمية إننا نرد على الفور على محاولات التضليل.
وفي هذه المجال اكتشف مركز مكافحة التضليل في رئاسة دائرة الاتصال العديد من المحتويات غير الواقعية، خاصة في ما يتعلق بالسوريين في بلادنا، وشارك الحقيقة مع الرأي العام المحلي والدولي؛ ونتيجة لهذا فإن تركيا -حكومة وشعبا- ليست الدولة التي ستحدد سياستها من خلال حيل بعض العملاء أو ضعيفي النفوس أو على حسابات سياسية رخيصة.