مخططات الاحتلال لتهجير الغزيين بين الأمس واليوم

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 9 دقيقة للقراءة

القدس المحتلة– لم تكن تصريحات بعض الوزراء في الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، الداعية لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة خلال الحرب محض دعاية حربية، بل هي دعوات تعود جذورها إلى حقبة ما بعد “نكسة حزيران” عام 1967 عندما خططت الحكومات المتعاقبة في تل أبيب لتنفيذ مشروع التهجير لسكان القطاع.

ورغم فشل مخطط التهجير القسري في بداية الحرب الحالية، لم تخف حكومة نتنياهو الهدف الحقيقي من وراء العمليات العسكرية خاصة في شمال القطاع، والمتلخص بتهجير سكانه الفلسطينيين، ووضع حجر الأساس لبناء المشروع الاستيطاني بالقطاع، في إحياء لخطط التهجير التي ناقشتها تل أبيب في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.

وكشف النقاب عن هذا التشابه بين مخططات الماضي والحاضر بشأن تهجير الفلسطينيين، من خلال تحقيق لصحيفة “هآرتس”، الذي استعرض جوهر ومضمون بروتوكولات الحكومات الإسرائيلية المحفوظة في أرشيف الدولة، والتي ناقشت بعد حرب الأيام الستة العديد من الخطط لتنفيذ التهجير والترانسفير، للغزيين.

وخلال الحرب الإسرائيلية على غزة، لم تقتصر الدعوات المتكررة لتشجيع تهجير الفلسطينيين على وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بل صدرت عن وزراء في حزب الليكود وزعيمه نتنياهو الذي بدا متحمسا ومنفتحا لمخطط التهجير، حيث صرح باجتماع لحزبه في ديسمبر/كانون الأول 2023، أنه يسعى لـ”تحقيق الهجرة الطوعية لسكان غزة لدول أخرى”.

نتنياهو في محور نتساريم الذي يفصل شمال غزة عن جنوبها (إعلام الجيش الإسرائيلي)

خطط ترانسفير مبكرة

وفي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، اجتمع رؤساء الوزراء والوزراء وقادة الحكومات، مرارا وتكرارا لمناقشة “مشكلة ملحة”، وهم السكان الفلسطينيون في غزة، وتكشف بروتوكولات المداولات أن أفكارهم لا تختلف كثيرا عن أفكار اليمين المتطرف اليوم.

وتكشف مراجعة البروتوكولات أن طموح اليمين المتطرف الحالي يعكس أفكارا ومقترحات ومخططات سبق أن تم طرحها للمناقشة في الماضي من قبل قادة في حكومات اليسار الصهيوني، الذين ينتمون إلى الجيل المؤسس للدولة الذي شارك في تنفيذ نكبة 1948.

لم يدخر الوزراء، بحسب ما كشفت عنه البروتكولات، أفكارا لحل المشكلة التي ظهرت أمامهم مع احتلال قطاع غزة والضفة الغربية في حرب الأيام الستة، حيث كان يعيش في تلك المناطق في ذلك الوقت نحو مليون فلسطيني، ونحو 400 ألف منهم في القطاع.

وقال وزير الدفاع موشيه ديان في 25 يونيو/حزيران 1967 “إذا تمكنا من إجلاء 300 ألف لاجئ من قطاع غزة إلى أماكن أخرى، فيمكننا ضم غزة بدون مشكلة”. وفي كلماته، ذكر فكرة قبلتها الحكومة في ذلك الوقت، ولكن لم يتم تنفيذها بالكامل في النهاية، وهي ضم قطاع غزة إلى إسرائيل، وإفراغه من اللاجئين الفلسطينيين ثم توطينه باليهود.

بدوره، قال رئيس الوزراء في حينه، ليفي أشكول “أقترح صيغة خطة لضم القدس وقطاع غزة، نحن مستعدون أن نقتل من أجل القدس ومن أجل الأرض. في قطاع غزة، عندما نتذكر وجود 400 ألف عربي، فإننا نشعر بالمرارة في القلب”.

واحتشد وزراؤه للمناقشة وللمساعدة وقدموا الحلول. وطرح وزير الداخلية حاييم موشيه شابيرا سؤالا عن كيفية تسوية قضية اللاجئين في قطاع غزة، وتساءل “إذا كان من الممكن نقل 200 ألف من اللاجئين إلى العريش أو توطين جزء منهم في الضفة الغربية”.

واقترح وزير الشرطة إلياهو ساسون “نقلهم إلى الضفة الشرقية” أي إلى الأردن. وقال زميله الوزير يوسف سابير “يجب علينا أخذهم من أعناقهم وطردهم بعيدا خارج القطاع، ولا أعرف من سيستقبلهم، وخاصة لاجئي غزة”.

وقال الوزير يغال ألون إنه “يؤيد تشجيع الهجرة للخارج إلى ما وراء البحار، ويجب التعامل مع الأمر بجدية بالغة. إن الهدف المفضل لتهجيرهم إليه هو شبه جزيرة سيناء وليس العريش فقط، هناك بالإمكان توطين جميع لاجئي غزة، وفي رأيي لا ينبغي أن ننتظر. يجب أن نبدأ في التوطين، حتى لو أبدوا معارضة”.

وبعد ذلك، اقترح ألون أيضا أن يتم تهجير بعض الفلسطينيين إلى كندا وأستراليا. وختم أشكول المناقشات بالقول “لقد قلت هذا أيضا حتى عندما لم تكن المشكلة شديدة ومتفاقمة بهذه الحدة بعد، حيث يتعين على اللاجئين أن يتدبروا أمرهم خارج إسرائيل”.

خطة توطين اللاجئين

واستؤنفت المناقشات في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 1967، وتساءل وزير القضاء يعقوب شمشون شابيرا “متى سنتلقى أي معلومات عن خطة إعادة توطين اللاجئين من قطاع غزة في الضفة الغربية؟ لقد وصلت شائعات بهذا الخصوص”.

في ذلك الوقت كانت هناك لجنة حكومية تسمى “لجنة تطوير الأراضي المحتلة”، وكان من بين أعضائها رجال أمن وأكاديميون، وكان دورها، كما حدده أشكول، هو التحقق من “الجانب الاقتصادي والاجتماعي لهذه الإمبراطورية بأكملها أو أجزاء من الإمبراطورية”، بما في ذلك “طرح الأفكار حول الهجرة أيضا للغزيين”.

ولقد أيقن أعضاء اللجنة الحساسية السياسية لعملهم، ولذلك قدموا توصيات للحكومة بـ”تجنيد اللاجئين ضمن مشاريع للعمل في خارج البلاد، وهي مشاريع ذات طابع سياسي مقبول، والترويج لذلك على أنها حملات إنسانية، وليس كجزء من حل عالمي لقضية اللاجئين”.

واستمرت المناقشات الوزارية حتى نهاية العام. وقال ديان في نوفمبر/تشرين الثاني 1967 إن “مسألة الهجرة برمتها تحتاج إلى معالجة أكثر جدية وقوة، لذلك سيكون من الممكن تشجيعها والسماح للكثيرين بالمغادرة”.

وأضاف أشكول أنه “في الوقت الحالي، يسافر ألفا شخص أسبوعيا إلى الأردن ومعظمهم من قطاع غزة، وهناك أفكار مختلفة حول هجرتهم إلى بلدان أبعد”.

وتحدث ديان عن اتفاق سلام يشمل “توطين اللاجئين وإخراجهم من غزة وتوطينهم في شرق الأردن”. ووعد بأنه في مثل هذه الحالة “لن يكون هناك 400 ألف عربي في غزة، بل 70 أو 100 ألف”.

في اليوم التالي، قال أشكول “نحن مهتمون بإخلاء وتفريغ غزة أولا. ولهذا السبب سنسمح لعرب غزة أولا بالسفر والمغادرة”، في حين اقترح الوزير ألون توسيع مخطط التهجير والترانسفير ليشمل مناطق أخرى، وقال “لم يكن الأمر سيئا على الإطلاق أن يتم تقليص عدد العرب بالجليل أيضا”.

وأوضح الوزير ساسون كيف أن تشجيع الفلسطينيين على المغادرة للعمل خارج البلاد من شأنه أن يساعد في تحقيق الهدف قائلا “دعوهم يذهبون للبحث عن عمل، ومن ثم ينقلون العائلة بأكملها إلى هناك. قد نستفيد من كل هذا من خلال تقليل عدد العرب في هذه المناطق”.

ووافق ديان على ذلك، وأضاف “من خلال منح هؤلاء العرب فرصة البحث والعثور على عمل في بلدان أجنبية، تزداد احتمالية رغبتهم في الهجرة إلى تلك البلدان في وقت لاحق”.

وحاول الوزير ألون مرة أخرى ضم فلسطينيي 48 (عرب إسرائيل) إلى المخطط. وتساءل: “لماذا لا يتم توسيع المخطط ليشمل عرب إسرائيل؟”.

موازنة للتهجير الصامت

في اليوم الأخير من عام 1967، كشف أشكول للوزراء “أنا بصدد إنشاء وحدة أو فرقة تعنى بتشجيع هجرة العرب من هنا”. وأضاف أنه “يجب التعامل مع هذا الأمر بهدوء وسرية، ويجب أن ننخرط في البحث عن طريقة لهم للهجرة إلى دول أخرى وليس إلى الأردن فقط”.

وبالفعل، في ذلك الوقت، بحسب ما أظهرت البروتكولات، كانت هناك عدة مبادرات نشطة “لتشجيع” هجرة الفلسطينيين من غزة، إحداها كانت بقيادة المسؤولة في جهاز الموساد، عيدا سارني. وأظهرت وثيقة يعود تاريخها إلى مايو/أيار 1968 طلب تحويل موازنة شهرية “لتشجيع الهجرة من قطاع غزة وفق تعليمات سارني”.

وكانت الفكرة خلق حالة من “الهجرة الصامتة”، بطريقة لا يُنظر إلى إسرائيل على أنها متورطة فيها. وفي هذا الإطار، تم إرسال الإسرائيليين ذوي الخلفية الأمنية، والذين كانوا على دراية ومعرفة بالمجتمع العربي، مباشرة إلى التجمعات السكانية في غزة، من أجل إقناع قادتهم بتشجيع المغادرة الطوعية.

فشل خطة التهجير

توفي أشكول عام 1969، واستمرت رئيسة الوزراء غولدا مئير في المناقشة. وفي عام 1970، حذر وزير الدفاع ديان من عدم المبالغة في الأرقام. وقال “إذا دفعنا لتنفيذ الخطة لتهجير 20 ألفا في كل دفعة، فإننا نعلن بهذا عن ترانسفير، وبالتالي سنفسد الأمر كله، لذا لا بد أن تكون العملية بطيئة وكأنها شيء طبيعي، وأي شيء معلن ينفذ مصيره الفشل”.

في النهاية، لم يغادر قطاع غزة سوى بضع عشرات الآلاف من الفلسطينيين في تلك السنوات، حيث أقيمت أول مستوطنة في القطاع عام 1970، لكن معظم السكان الفلسطينيين في القطاع ظلوا في أماكنهم، وفي عام 2005، تم إجلاء المستوطنين من قطاع غزة، بموجب خطة “فك الارتباط” التي نفذها رئيس الوزراء في حينه أرئيل شارون.

وبعد مرور ما يقارب من 20 عاما على “فك الارتباط”، يطالب الوزراء الشعبويون من معسكر بن غفير وسموتريتش بتهجير الفلسطينيين من غزة وبعودة المستوطنين للقطاع، وفي أوائل السبعينيات، بدا الوزير ألون وكأنه واحد منهم، وقال “أنا أوافق على تهجيرهم، لقد فعلنا ذلك في الماضي ويجب أن نستمر به في المستقبل”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *