القدس المحتلة- أجمعت التقديرات والتحليلات الإسرائيلية على أن خطة حكومة بنيامين نتنياهو إقامة منطقة أمنية عازلة في قطاع غزة، غير مجدية ولن توفر الأمن لتل أبيب.
كما أجمعت على أنها لن تفضي إلى تقويض قوة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) العسكرية ولن تردعها عن الاقتراب من السياج الأمني، ومحكومة بالفشل مثل الحزام الأمني بالجنوب اللبناني.
وأفصح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن هذه الخطة وهو الذي أبلغ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن إسرائيل تعتزم في نهاية الحرب إنشاء “منطقة أمنية عازلة وعميقة” بأراضي القطاع.
وكان وزير الأمن يوآف غالانت قد توعّد بإبعاد قوات حزب الله اللبناني عن المنطقة الحدودية، وإجراء تعديلات على قرار مجلس الأمن 1701، بما يتلاءم مع مطالب إسرائيل ومصالحها الأمنية.
تجربة فاشلة
بدوره، قال عضو “كابينت الحرب” الوزير جدعون ساعر إنه “يجب تقليص مساحة غزة في نهاية الحرب بإقامة منطقة عازلة واستهداف من يدخلها”.
وفق التحليلات الإسرائيلية، فإن المنطقة الأمنية العازلة بالجنوب اللبناني، أبقت الجيش الإسرائيلي في المستنقع اللبناني لمدة لا تقل عن 15 عاما دموية. وفي مايو/أيار 2000، وبعد احتجاج شعبي، قررت حكومة إيهود باراك الانسحاب ومغادرة هذه المنطقة.
وتحت عنوان “الشريط الأمني في غزة لن يوفر لإسرائيل الأمن الذي فقدته”، كتب محلل الشؤون العربية والشرق أوسطية في صحيفة “هآرتس” تسفي برئيل، مقالا قال فيه إن “إنشاء منطقة عازلة على الحدود ليس فكرة جديدة”.
وأضاف برئيل “لكن تجربة دول الجوار مثل مصر وتركيا تظهر أنها لا تضع حدا للتطلعات الوطنية أو واقع الاحتلال في الأراضي الفلسطينية عام 1967، كما أنها لا تقضي على التهديدات الأمنية”.
ووصف برئيل تجربة إسرائيل في إقامة منطقة أمنية عازلة في جنوب لبنان بالفاشلة، موضحا أن الشريط الأمني الذي أقامته على الأراضي اللبنانية فشل أيضا في تحقيق أهدافه بتوفير الأمن للإسرائيليين في الشمال والجليل الأعلى، وأصبح ساحة قتال دائمة مع حزب الله.
ويعتقد المحلل أن الخطة الإسرائيلية التي تحظى برفض إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تواجه معارضة دول الجوار، لافتا إلى أن إسرائيل أبلغت عدة دول عربية أنها تنوي إقامة هذه المنطقة العازلة في نهاية الحرب.
وبحسب التقارير الإسرائيلية، شاركت تل أبيب الخطة مع الأردن ومصر والإمارات وتركيا والسعودية، لكن دون الكشف عن الجوانب الفنية لمستقبل القطاع الأمني.
لكن يمكن الافتراض، وفق برئيل أنها “منطقة محايدة ستمتد على طول الخط الحدودي بأكمله بين إسرائيل والقطاع وعلى عمق متفاوت، وأن غرضها منع تسلل المسلحين سيرا على الأقدام أو بمحركات”.
“هدف مباشر للمقاومة”
الافتراض العملي لخطة المنطقة العازلة من وجهة نظر برئيل، هو أن قطاع غزة “سيظل مصدر تهديد بري حتى بعد انتهاء الحرب، وحتى لو تم القضاء على التهديد العسكري الباليستي، لكن مثل هذا الشريط الأمني يجب أن يمنع الخطر، أو على الأقل يمنح قوات الأمن الوقت الكافي للاستعداد لأي طارئ”.
وحتى في سيناريو القضاء على حماس، فإن الشريط الأمني، يقول محلل الشؤون العربية والشرق أوسطية “لن يمنح مواطني إسرائيل الأمن الذي سُلب منهم بسبب نيات تل أبيب الإبقاء على سيطرة أمنية بغزة، ورفضها أي ترتيبات مع أي حكومة فلسطينية سيتم تشكيلها في القطاع بعد انتهاء الحرب”.
وخلص للقول إن “قطاع غزة عبارة عن قفص مغلق. كل قطعة أرض يتم الاستيلاء عليها لصالح الشريط الأمني، سيصاحبها تهجير آلاف السكان الذين سيتم حشرهم أكثر في منطقة هي بالفعل إحدى أكثر المناطق كثافة في العالم”.
ويتابع برئيل أن “النتيجة المتوقعة لا تتطلب التخمين، دون أي ترتيبات سياسية بعد الحرب، سيصبح الجيش الإسرائيلي بالمنطقة العازلة هدفا مباشرا للمقاومة الفلسطينية”.
“غارقة في الوحل”
من جانبه، بدا المحامي عميرام غيل، أستاذ القانون في جامعة “رايخمان” (مركز أكاديمي متعدد التخصصات في هرتسليا)، مصدوما من فكرة إقامة منطقة عازلة على طول السياج الأمني مع قطاع غزة.
وعبّر عن ذلك في مقالة له بالموقع الإلكتروني “زمان يسرائيل” بعنوان “حزام أمني في غزة، إسرائيل في طريقها إلى تكرار الخطأ الذي ارتكبته في لبنان”.
وقال غيل إن هذه المنطقة العازلة لن توفر الأمن للإسرائيليين، بل ستُغرق تل أبيب في “مستنقع قتال” مع الفلسطينيين في غزة، مثلما كان على مدار سنوات طويلة بالجنوب اللبناني. وأضاف “إننا نسمع تصريحات مسؤولين إسرائيليين عن منطقة عازلة مع غزة ولا نصدق”.
وتابع غيل “أنه بعد مرور 23 عاما على تمكن إسرائيل من انتشال نفسها من مستنقع الشريط الأمني في جنوب لبنان، وبعد النظر إلى الماضي دون استخلاص العبر، إننا في طريقنا إلى تكرار الحماقة، وهذه المرة في غزة”.
واستذكر المحاضر الإسرائيلي أنه بالعام 1985، وبعد 3 سنوات من دخول تل أبيب حرب لبنان الأولى، التي أودت بحياة 650 جنديا إسرائيليا، قررت حكومة شمعون بيريز آنذاك، الانسحاب من معظم الأراضي التي احتلتها في الحرب وإقامة منطقة عازلة بالجنوب والسيطرة على المنطقة القريبة من الحدود لحماية البلدات بالجليل الأعلى.
ويتساءل غيل “هل يتخيل أحد كيف سيحتفظ الجيش الإسرائيلي بالمناطق عبر الحدود مع غزة، ويمكث فيها لفترة طويلة لأشهر أو سنوات أو 15 سنة كما كان الحال في لبنان؟”.
وبهذا المعدل من القتال على جبهة غزة، ومن تجارب الماضي، يضيف “من المرجح أن تجد إسرائيل نفسها مرة أخرى غارقة في الوحل، وفي حرب عصابات مسلحة وضد سكان مدنيين معادين للاحتلال ومنظمات شبه عسكرية”.
ويختم غيل “في لبنان، حزب الله وحركة أمل والمنظمات الفلسطينية هم من حاربوا الجيش الإسرائيلي وقتلوا جنوده، وفي قطاع غزة ستكون حركتا حماس والجهاد الإسلامي، ومن يدري كم عدد الفصائل والجماعات المسلحة”.