القدس المحتلة- عكست تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن، التي وجه فيها انتقادات لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حيال إدارته الحرب على قطاع غزة، حالة التوتر والصدام المؤجل بينهما، وكواليس الخلافات بشأن مستقبل غزة ما بعد الحرب، وتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بموجب حل الدولتين.
واتفق محللون إسرائيليون على أن تصريحات بايدن موجهة لنتنياهو وحكومته، وأنها لا تعكس أي تغيير في موقفه الداعم لتل أبيب، وأنها مؤشر على تغيير النبرة الأميركية تجاه نتنياهو بكل ما يتعلق بإدارة الحرب على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والمطالبة بإعادة النظر في سير العلميات العسكرية، وليس وقف هذه الحرب.
هل يستمر نتنياهو بالعناد بعد تصريحات بايدن الأخيرة التي كشفت حجم الهوة بين الإدارتين؟#حرب_غزة #غزة_ماذا_بعد؟ pic.twitter.com/TqfTFpf6xi
— قناة الجزيرة (@AJArabic) December 12, 2023
توتر وخلافات
وأجمعت التحليلات -التي أوردتها وسائل الإعلام الإسرائيلية- على أن هذه التصريحات تعبر عن حالة التوتر والخلافات مع نتنياهو المتواصلة منذ بداية ولاية بايدن، الذي رفض استقباله في البيت الأبيض. وحتى عندما تمت إعادة انتخاب نتنياهو مجددا، التقى به الرئيس الأميركي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
وتحت عنوان “بايدن يفهم جيدا أن نتنياهو يبحث عن مواجهة مع الإدارة من أجل مصالحه السياسية”، كتب ألون بينكاس قنصل إسرائيل الأسبق في نيويورك مقالا في صحيفة “هآرتس”، استعرض من خلاله رسائل خطاب الرئيس الأميركي الموجه أساسا لنتنياهو الذي يسعى -بحسب تقديرات بايدن- إلى تحميل الإدارة الأميركية مسؤولية عدم حسم الحرب مع حماس.
وأوضح الدبلوماسي الإسرائيلي السابق أن بايدن أكد التزامه بأمن إسرائيل والدفاع عنها، لكنه كان بالمقابل واضحا بأنه لا يتوافق مع إدارة نتنياهو للحرب كونها تسبب ضررا سياسيا للولايات المتحدة ولنفسه ولإسرائيل، التي تخسر الدعم الدولي الذي حظيت به في البداية.
عندما يحاول الإسرائيليون والعالم فهم معنى وجوهر تصريحات بايدن، يقول بينكاس “هناك معادلة واحدة يجب أن تكون واضحة، بايدن يحب إسرائيل لكنه لا يحب نتنياهو، وهو يؤمن بها لكنه لا يثق به، ويرى في تل أبيب حليفا لبلاده لكنه لا يرى في نتنياهو ذلك”.
وأضاف أن نتنياهو ذاته يعي ويفهم رسائل خطاب بايدن، وأنه سيوظف تصريحات الرئيس الأميركي في مسيرته السياسية ليسوقها للجمهور الإسرائيلي على أنها دليل على أن رئيسا أميركيا يحاول إقالته وهو في السلطة، ويقود إسرائيل في زمن الحرب.
لكن دلالات تصريحات بايدن لا تتلخص فيما قاله، يوضح بينكاس، “بل فيما لم يقله، بايدن لم يقل إن نتنياهو -بحسب تقديرات البيت الأبيض- يسعى للمواجهة والصدام مع الإدارة الأميركية بشأن إدارة وسير الحرب، والواقع الأمني بغزة مستقبلا، وجر واشنطن لحرب إقليمية مع جماعة الحوثي أو حزب الله”.
إنذار
الطرح ذاته تبناه المحلل السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت” ناحوم برنياع، الذي كتب مقالا بعنوان “جو بايدن لنتنياهو: كفى”، لافتا إلى أن التصريحات تعكس الخلاف المؤجل بينهما، لكنها لا تحمل أي تغييرات في سياسات الرئيس الأميركي تجاه إسرائيل حتى خلال الحرب على غزة.
وبيّن المحلل السياسي أن مضمون خطاب بايدن يحمل في طياته ملامح في تغيير الموقف الأميركي من إدارة وسير الحرب من وجهة نظر نتنياهو وحكومته، ولكن ليس موقفا ضد الحرب وحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
وأشار إلى أن الرئيس الأميركي الذي يواصل الدعم العسكري لإسرائيل، وجه بالمقابل إنذارا لنتنياهو مفاده أنه “يجب أن تتوصل إلى اتفاقيات بشأن مستقبل غزة في اليوم التالي للحرب، وتغيير سياسة الحكومة تجاه الفلسطينيين”.
وقال برنياع إن نتنياهو استغل جوهر خطاب بايدن الموجه إليه ولحكومة اليمين من أجل دعم ذاته لدى معسكر اليمين والحفاظ على متانة حكومته إذا قرر الصدام مع الإدارة الأميركية بكل ما يتعلق بسير الحرب ومستقبل غزة، وإقامة حزام أمني على طول السياج مع قطاع غزة، والإصرار على الموقف الرافض لعودة السلطة الفلسطينية للقطاع.
وعن الدلالات المتعلقة بالخلافات العلنية بين نتنياهو وبايدن، ترى المراسلة السياسية في صحيفة “إسرائيل اليوم” أن نتنياهو اختار الصدام والمواجهة لإطلاق حملته الانتخابية ومحاولة إعادة جمهور اليمين الذي خسره في أعقاب الفشل والإخفاق في منع “طوفان الأقصى”.
وترى أن جوهر خطاب بايدن موجه لنتنياهو وحكومته، إذ لا تحمل تصريحات الرئيس الأميركي أي تغييرات تجاه إسرائيل أو حتى مبدأ الحرب على غزة، معتبرة أن الخلافات التي خرجت للعلن تتلخص في تباين المواقف بشأن مستقبل غزة باليوم التالي لتوقف الحرب.
صدام وإحباط
وكذلك الخلافات بشأن سير العلميات العسكرية وطبيعتها وشدة المعارك البرية والقصف الجوي، لكن هذا لا يعني بالضرورة، تقول المراسلة السياسية “توجه إدارة بايدن نحو إيقاف الحرب بشكل كلي”.
والخلافات مع واشنطن حول مسألة غزة، وحكومة اليمين المتطرف وموقفها من القضية الفلسطينية، تقول المراسلة “خرجت من الكواليس إلى العلن في ظل الحملة الانتخابية الأميركية في العام 2024، والتي ربما تكون في إسرائيل أيضا، حيث توجه الزعيمان نحو الصدام للحفاظ على حظوظهما وشعبيتهما قبالة منافسيهما”.
وبشأن طلب بايدن من نتنياهو إحداث تغيير على الائتلاف بحكومته، حيث اعتبره البعض تدخلا بالشؤون الإسرائيلية الداخلية، يرى نائب وزير الخارجية والسفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة داني أيالون أن هذ الطلب يعكس “إحباط بايدن من نتنياهو”.
ولفت أيالون إلى أن الرئيس الأميركي لديه خلافات في قضايا إقليمية ومحلية مع نتنياهو، لكنه شخصيا يقود الموقف الأميركي الداعم لإسرائيل، عسكريا وسياسيا وإستراتيجيا، رغم ما يتعرض له من انتقادات وضغوط داخلية ودولية في ظل حملته الانتخابية لرئاسيات أميركا 2024.
وبرر أيالون تصريحات بايدن بالقول إنه “للتقليل من هذه الضغوط وصدها ولجلب حقيقة أخرى في المنطقة في نهاية الحرب وفقا للمصالح المشتركة بين إسرائيل وأميركا، يحتاج البيت الأبيض إلى سماع ما هي رؤية ومواقف إسرائيل، لكن نتنياهو المراوغ يتصرف حتى في الحرب وفق اعتبارات سياسية، ولهذا جن جنون الأميركيين”.