القدس المحتلة – في الوقت الذي يكرر فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن جيش الاحتلال الإسرائيلي المتوغل في قطاع غزة منذ أكثر من شهر ونصف الشهر يبسط سيطرته الأمنية في شمالي القطاع، ويوشك على تقويض القوة العسكرية وترسانة حركة حماس، أتت التطورات الميدانية البرية، والمعارك الضارية، وقصف فصائل المقاومة العمق الإسرائيلي لدحض مزاعم نتنياهو التي يحاول تسويقها للجمهور الإسرائيلي.
وفي إشارة إلى ضعف وعدم صحة مزاعم رئيس الوزراء، وحتى فشل الجيش في تحقيق الأهداف المعلنة للحرب كتفكيك حماس وتدمير شبكة الأنفاق، أوضحت تقديرات المستوى العسكري، بحسب ما عبر عنها رئيس هيئة الأركان هرتسي هاليفي، أن الجيش بحاجة لشهر على الأقل من أجل إحكام السيطرة والقضاء على المسلحين في شمالي القطاع.
كما ألمح الوزير الإسرائيلي يوآف غالانت إلى أن تحقيق الأهداف من التوغل في منطقة خان يونس ومخيم جباليا قد يستغرق وقتا حتى نهاية يناير/كانون الثاني المقبل، وحملت تصريحات وزير الطاقة الإسرائيلي يسرائيل كاتس في طياتها رسائل بأن الحرب قد تدوم طويلا، وأن سير المعارك بطيء والجيش لم يحقق أهدافه، قائلا لصحيفة “معاريف” الإسرائيلية “نحن لا نحدد الوقت، يجب أن نمنح الجيش الإسرائيلي الوقت الذي يحتاجه”.
وتناغمت هذه التصريحات والمواقف مع تحليلات لمراسلين عسكريين في وسائل إعلام إسرائيلية، رافقوا عدة مرات قوات الجيش المتوغلة في شمالي القطاع، وأجمعت التحليلات على أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لم تنكسر ولا تتفكك، وأن قوات المقاومة تتصدى بمعارك ضارية واشتباكات عنيفة للقوات الإسرائيلية المتوغلة بريا.
علامات تآكل لا انكسار
يعتقد مراسل الشؤون العسكرية والأمن في صحيفة “يديعوت أحرونوت” يوسي يهوشع أن الخسائر الكثيرة والقصص المؤلمة في الجانب الإسرائيلي تعكس واقع المعارك البرية في غزة، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر على الوعي الإسرائيلي فيما يتعلق بالحرب مستقبلا.
وأوضح المراسل العسكري أنه على الرغم من تصريحات غالانت وهاليفي بشأن “بوادر انكسار” حركة حماس، فإن ضابطا كبيرا بالجيش الإسرائيلي موجودا في عمليات التوغل البري بغزة قال إن “الأصح هو الحديث عن علامات تآكل وليس أي انكسار أو علامات تقويض”.
وعلى سبيل المثال، يقول يهوشع “هناك قتال عنيد من ثلاث كتائب تابعة لحماس اختارت عدم الانسحاب إلى الجنوب، وبقيت تخوض معارك ضارية في الشمال، وهي المناطق التي أعلن الجيش عن إحكام السيطرة عليها، حيث ما زالت القوات المسلحة للفصائل تحتشد فوق الأرض وتحتها في شمال غزة، مما يشكل تحديا عملياتيا للجيش الإسرائيلي”.
وبحسب تقديرات يهوشع، فإن “سيناريو النجاح في خان يونس لن يحل مشكلة رفح، وهو النجاح الذي يشكل ضرورة أساسية لقطع تهريب الأسلحة من مصر، في هذه المنطقة جنوب رفح ليس لدى حماس قوات مدربة، لكن المصريين يضغطون على إسرائيل حتى لا تعمل هناك عسكريا، تحسبا للنزوح والهجرة للغزيين إلى رفح المصرية”.
واقع ميداني مختلف
القراءة ذاتها استعرضها المراسل العسكري للموقع الإلكتروني لصحيفة “يديعوت أحرونوت” يوآف زيتون، الذي رافق مؤخرا القوات الإسرائيلية البرية المتوغلة باتجاه خان يونس، مشيرا إلى أن الواقع الميداني والمعارك الضارية يختلفان تماما عن تصريحات المستوى السياسي، وكذلك تقديرات المستوى العسكري القائلة بأن “هناك بوادر علامات لتفكك حماس”.
وأوضح زيتون أن المسلحين يخوضون معارك واشتباكات قوية حتى في شمال القطاع، المنطقة التي توغل إليها الجيش وأعلن أنه سيطر عليها، قائلا “ما زالت هذه الأماكن تشهد اشتباكات، حيث تخوض القوات الإسرائيلية معارك قتالية صعبة في وقت بدا فيه سير التقدم الميداني بطيئا جدا”.
واستذكر المراسل العسكري منطقة بيت حانون في شمال القطاع، التي ما زالت تشهد معارك واشتباكات، رغم زعم الجيش أنه قام بـ”تطهيرها” من المسلحين، وهي منطقة لا توجد بها القوات الأقوى لحماس، الأمر الذي يعني أن الجيش بحاجة لأشهر من أجل القضاء على الخلايا المسلحة في مثل هذه المناطق.
جيش حماس بغزة
وذكر زيتون أن القوات الإسرائيلية في بعض المناطق “تجاوزت القوات المسلحة لحماس وامتنعت عن الاشتباك أو دخول معارك معها”، وهو ما جرى في مناطق كثيرة في النصيرات والبريج ودير البلح التي يوجد بها لواء مقاتل واحد لحركة حماس يواصل إطلاق القذائف الصاروخية نحو البلدات الإسرائيلية.
ولفت المتحدث ذاته إلى أن تصريحات لسياسيين وعسكريين بتل أبيب تفيد بأن “حماس تظهر بوادر تفكك”، تمهد للرواية العامة في إسرائيل، وفي الميدان وأرض المعركة “يندهش الجيش الإسرائيلي كل يوم من مدى القوة والقدرة العسكرية التي تتمتع بها حماس في قطاع غزة، الذي أصبح جيشا حقيقيا يبعد عن تل أبيب مسافة 50 كيلومترا فقط“.
علامة استفهام كبيرة
من جهته، ذهب المراسل العسكري في صحيفة “معاريف” طال ليف رام بعيدا بسيناريو أن تنتهي القوات الإسرائيلية قريبا من مرحلة السيطرة العملياتية على آخر معاقل كتائب حماس في شمال القطاع في الشجاعية وجباليا، لافتا إلى أنه سيتم توجيه الجهد الرئيسي للجيش نحو خان يونس وربما إلى وسط القطاع، ويستدرك “في حين تبقى علامة استفهام كبيرة حول طريقة التعامل مع رفح”.
وأوضح المراسل العسكري أن التعامل العسكري مع الجنوب ورفح يضع إسرائيل أمام الكثير من التحديات، خصوصا وأن هناك الكثير من المعضلات التي تتعلق بموجة النزوح للغزيين، وكذلك إطار النشاط العسكري في الجنوب، وكيفية التعامل مع أنفاق تهريب الأسلحة في فيلادلفيا، والأهم، يقول ليف رام، “هناك علامة استفهام أخرى تتعلق بقضية المحتجزين الإسرائيليين في غزة”.
وأشار المصدر ذاته إلى أن الوقائع على الأرض تُظهر أن هناك الكثير من الخلايا المسلحة في شمال القطاع التي تشتبك مع قوات الجيش، مما يؤكد أن القتال سيستمر حتى في جباليا والشجاعية كما هو الحال في مناطق أخرى، فلدى الجيش الإسرائيلي العديد من المهام العملياتية، خاصة فيما يتعلق بتدمير البنية التحتية لحماس وقدراتها العسكرية، خاصة في المناطق القريبة من الحدود ومن مستوطنات “غلاف غزة”.
لكن في المقابل، يقول المراسل العسكري “لن يتمكن الجيش الإسرائيلي من استكمال التحرك العسكري الذي يسعى من خلاله إلى تفكيك القدرات العسكرية لحماس دون المرور عبر رفح، وفي الوقت الحالي، فإن التحرك العسكري البري هناك، بصيغة مشابهة لما حدث في شمال قطاع غزة وخان يونس، يبدو الآن أبعد”.