طهران- تحدث عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام والقيادي السابق في الحرس الثوري الإيراني محسن رضائي -في مقابلة خاصة مع الجزيرة نت- عن قضايا داخلية وإقليمية ودولية شائكة.
وفصّل المشهد الإيراني بعد رحيل الرئيس إبراهيم رئيسي في حادث تحطم المروحية والانتخابات الرئاسية المبكرة المرتقبة. كما بيّن سياسة طهران الإستراتيجية تجاه الأحداث الإقليمية والدولية.
وفيما يلي نص الحوار:
-
كيف تتوقعون أن تكون البنية السياسية في إيران بعد الانتخابات الرئاسية المبكرة؟
في الانتخابات القادمة، ستكون مختلف التيارات السياسية حاضرة مثل الأصوليين والإصلاحيين والمستقلين وسنشهد أكثر انتخابات حماسة من حيث عدد المرشحين.
-
طارئة واستثنائية.. ما أهمية هذه الانتخابات؟
الانتخابات أساس الجمهورية الإسلامية، ويتم أيضا اختيار المرشد الأعلى من قبل مجلس خبراء القيادة والذي هو منتخب من الشعب، ومن حسن الحظ نحن اليوم نشهد تقبّل العالم للديمقراطية الدينية في إيران.
كما أن الحضور الدولي الواسع في جنازة رئيسي، أثبت أن الرئيس الإيراني اختيار الشعب، وهذا توقيع -بعد مرور 45 عاما، على انتصار الثورة– مهم بالنسبة لنا وأظهر أن العالم تقبل الديمقراطية في البلاد.
-
ما الذي جرى لمروحية الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي؟ وهل سيقدم التحقيق في الحادثة تفسيرا شفافا؟
نحن نبحث بدقة في ما جرى. طبيعة المنطقة الجغرافية.. الارتفاعات والغيوم والضباب والأمطار الغزيرة، وعدة عوامل طبيعية غالبا كان لها دور في ما حدث.
التحقيق يعني لنا كثيرا، فلقد فقدنا ثاني أعز شخص بالنسبة لنا بعد المرشد الأعلى، وعليه، نحن الآن نبحث جميع السيناريوهات والاحتمالات بجدية، رغم أن الظاهر إلى الآن أن العوامل الطبيعية كان لها دور مهم في ما حصل.
وسنتعامل بجدية وسنحاسب بشأن أي إهمال وتقصير في ما يتعلق بالجوانب التقنية والإنتاج ومعاملات الشراء وصيانة المروحية.
-
استهدفت طهران -مباشرة ومن داخل أراضيها- الأراضي المحتلة ردا على الهجوم الإسرائيلي على قنصليتها في دمشق، هل نحن أمام سياسة خارجية إيرانية جديدة؟
سياستنا الخارجية تعتمد على التعامل المنطقي أي الحقيقي والثابت، وبالتالي، نتجنب أي خطاب مزخرف أو شكلي فيها. نحن صداقتنا ومقاومتنا حقيقية. وأظهرت عملية “الوعد الصادق” تعاملنا المنطقي والحقيقي والثابت.
قال لنا كثيرون إنكم دخلتم لعبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يريد أن يجركم إلى صراع مع الولايات المتحدة، وإن إسرائيل سترد عليكم بقنبلة نووية، وحاولوا أن يقنعونا بأن لا نرد على هجوم قنصليتنا، لأننا إذا فعلنا سترد هي أيضا وستندلع حرب جديدة كبيرة.
ولكن نحن تمكنا من توجيه ضربة لأهداف إسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بالتدبير الصحيح وبالنظر إلى القضايا الدولية. وعليه، خسئت إسرائيل وأميركا من القيام بأي رد فعل، لأننا لم نستهدف المدنيين بل ضربنا هدفين فقط كان لهما دور في استهداف قنصليتنا في دمشق.
ومن جانب آخر، استعرضنا قدراتنا وأثبتنا لإسرائيل أنه يمكننا الرد وكذلك لدينا قدرات كبيرة. أطلقنا كما هائلا من المُسيّرات والصواريخ المجنحة (كروز) والباليستية باتجاه الكيان الإسرائيلي.
-
ما دلالات “طوفان الأقصى” والحرب الدائرة في المنطقة بالنسبة لإيران؟
تحمل هذه القضايا دلالتين: الأولى هي الجانب المؤلم والمحزن للغاية بالنسبة للإبادة التي تحدث. تجري الآن أكبر جريمة بشرية ونحن قلقون ومحزونون بالنسبة لهذا، ونحاول دائما التوصل إلى هدنة.
أما الدلالة الثانية فهي أن جرائم نتنياهو الكبرى هذه تجر إسرائيل إلى الانهيار الكبير وتقرّب نهايتها، كما تُظهر أن فلسطين تضم بداخلها طاقات عظيمة من المقاومة، ويمكنها أن تصمد.
نشهد الآن أن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة يفضل النزوح داخل أرض الوطن على الشتات في الخارج، بينما في العادة ينزح أهالي المنطقة التي تشهد الحرب إلى بلدان مجاورة.
وحدثت في الفترة الأخيرة تطورات مهمة، حيث ضاعفت مقاومة غزة عملياتها وطورتها بنسبة 100% وقصفت تل أبيب، كما طورت المقاومة اللبنانية عملياتها بنسبة 400% ووسعت ساحة العمليات من عمق 5 إلى 15 كيلومترا. وفي اليمن استهدفوا حاملة الطائرات الأميركية. وتُظهر هذه التطورات -التي حدثت خلال الأسبوعين الماضيين- أن فلسطين في الموقع الصحيح.
-
أين يقع مشروع حل الدولتين في السياسة الخارجية الإيرانية وما التغيرات التي ستحدث في حال التوصل إليه؟
هناك 150 بلدا في العالم يعتمدون حل الدولتين وبالتالي يعترفون بالدولة الفلسطينية وهذا نصر كبير لفلسطين. على الرغم من أننا لا نرى هذا كافيا بل نعتقد أن كل الأراضي الفلسطينية يجب أن تتحرر من خلال الديمقراطية بمعنى إجراء انتخابات وكتابة دستور جديد وأن يعود الفلسطينيون المهجرون.
ونحن في سياستنا الخارجية نعتمد فلسطين واحدة موحدة لكن حتى حل الدولتين، تراجعت فيه إسرائيل. ونرى أن خطة نتنياهو والرئيس الأميركي جو بايدن الأخيرة عبارة عن مؤامرة، حيث حذفا شرطين أساسيين يتفق الفلسطينيون والعالم عليهما لوقف الحرب على غزة.
الشرط الأول هو الخروج من القطاع، حيث لا يمكن التوصل إلى هدنة دون مغادرة الإسرائيليين غزة. والشرط الثاني هو الهدنة الدائمة، فمن المهم أن تضمن الخطة نهاية الحرب بشكل دائم.
ونحن نعتقد أن بايدن ونتنياهو قدّما خطة وسطية كي يقولا إننا نريد الهدنة، لكن الفلسطينيين لا يريدون ذلك. بعبارة دقيقة هما حذفا إنهاء الحرب ومغادرة غزة، حيث قالا إن الجيش الإسرائيلي يترك المنازل المسكونة لكنه لن يغادر القطاع. بمعنى أن تبقى إسرائيل في غزة وأن يكون مصير الحرب غير معروف.
وبالمقابل، بحث الفلسطينيون هذه الخطة بدقة، ورفضوها وعدّوها مؤامرة جديدة من قبل بايدن ونتنياهو.
-
ينتقد البعض النفوذ الإيراني في المنطقة، ما دور هذا النفوذ أمنيا وإقليميا بالنسبة لطهران؟
أتى نفوذ إيران الإقليمي بمكاسب كبرى للمنطقة حتى الآن. ولولا حضورنا فيها لسيطر تنظيم الدولة على سوريا والعراق، لكن حضورنا أدى إلى تحييد التنظيم. كما أننا نمنع إسرائيل من التوسع والهجوم على البلدان الإسلامية الأخرى. فبالتالي، النفوذ الإيراني الإقليمي هو أهم أداة لجميع البلدان الإسلامية في إيجاد السلام والأمان والأخوة.
-
هل أنتم مستعدون لأي تعاون أو حوار أو شراكة مع البلدان العربية بخصوص نفوذكم الإقليمي في المنطقة؟
نعم، نحن نمد يد الصداقة والأخوة إلى الاتحادات الكبرى مثل السعودية ومصر وباقي البلدان العربية. وأعتقد أنه علينا أن نتجه بسرعة أكبر باتجاه تشكيل اتحادات كبرى في المنطقة.
-
كيف ستكون العلاقات مع السعودية بعد رحيل رئيسي؟
علاقاتنا مع السعودية أخوية وجادة وحقيقية للغاية. كلانا يتعامل معها بغاية الجدية وسنستمر بها بعد استشهاد رئيسي أيضا، ولن يكون هناك أي جمود في هذه العلاقات.
-
هل يوجد حوار بينكم وبين جيرانكم الجنوبيين بشأن المياه الخليجية ومضيق هرمز؟
هناك بعض الخلافات مع بعض الدول، ولكن نتحاور بشأنها من خلال الدبلوماسية والمحادثات. على سبيل المثال، صنعوا في الإمارات عشرات الجزر الاصطناعية، وهذا العمل لا يتناسب مع معايير البيئة ويهدد كل بيئة الخليج الفارسي. ونحن نرنو إلى إجراء محادثات مع الإماراتيين بخصوص هذه الجزر كي نقنعهم بالكف عن هذه الأعمال.
-
في أي مرحلة الحوار الإيراني الأردني؟
في مرحلة جيدة. أخي العزيز وزير الخارجية الشهيد حسين أمير عبد اللهيان بدأ الحوار مع الأردن في القمة الإسلامية وكانت بيننا وبينهم عدة لقاءات في الأمم المتحدة، ومقارنة مع الماضي، هناك تطور جيد في علاقاتنا مع عمّان.
-
أين وصل حواركم مع مصر؟
قام وزير الخارجية المصري سامح شكري بزيارة إيران لأول مرة منذ 45 عاما، وبدأ الجليد بيننا وبين القاهرة بالذوبان بالفعل.
-
كيف تصف العلاقات مع البحرين؟
رحبنا بتصريحات ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة ونحن مستعدون لتلبية طلبه باستئناف العلاقات.
-
اتجهت حكومة رئيسي نحو الشرق وخاصة الصين وروسيا، وموسكو تهدد بالنووي التكتيكي ويقول الغرب إنه سيستهدف العمق الروسي، أين تجد إيران نفسها؟
نحن نرفض أي نوع من الحروب، ونعتقد أنه يجب تفعيل السلام والأمان من خلال المفاوضات والعلاقات الدبلوماسية، كما نعتقد أن الخلافات الدولية والنزاعات يجب ألا تؤدي إلى حروب وصراعات وقتل الناس.
ولكن هذا لا يعني أن لا نبني علاقات مع الدول التي كانت الأبواب بيننا مغلقة. أقصد بذلك أنه قبل الثورة -أي في العهد الملكي- لم تكن هناك علاقات بيننا وبين الصين وروسيا، وفتحنا هذه الأبواب بعد الثورة.
ولكن فتح الأبواب الإيرانية للشرق لا يعني أننا نريد إغلاقها مع الغرب. نحن نريد علاقات مع أوروبا وبكين وموسكو. وبوصفنا لاعبا إقليميا مهما نريد أن يكون لنا دور بنّاء في العلاقات الدولية وتوسيع وازدهار اقتصاد المنطقة.
-
بخصوص الانتخابات الأميركية، طهران تفضل المرشح جو بايدن أو دونالد ترامب؟
لا تربطنا علاقة مع أي من هاتين الحكومتين، ولن نكون إلى جانب أي منهما. لكن في حال انتُخب واحد منهما، فيتوجب علينا أن نجبرهما على أن يكونا جادين في تنفيذ التزاماتهم الدولية بشأن الاتفاق النووي ورفع العقوبات. فنحن لا يمكننا تقبل العقوبات أكثر مما نحن عليه. ولا شك في أن عدم التزام الولايات المتحدة يسبب أضرارا لشعبنا.
-
يتعاقب الرؤساء وتتغير الحكومات لكن يُلاحظ أن الأزمة الاقتصادية تبقى قائمة، كيف ترون الأمر؟
لا أوافقهم الرأي بهذه الحدة، فهناك نمو في الوضع الاقتصادي مقارنة مع ما قبل الثورة الإسلامية، لكنني أتفق بأن التطور الاقتصادي بطيء، وجزء من هذا الأمر يعود للعقوبات وجزء آخر لفاعلية الحكومات في إيران. علينا أن نرفع العقوبات وأن نزيد من فاعلية الحكومات في الصعيد الاقتصادي.
-
نقصد حكومات ما بعد ثورة 1979، ولأنكم كنتم مستشارا اقتصاديا للرئيس الراحل، هل تلحظون تغييرا في الوضع الاقتصادي بتغير الحكومات؟
التغييرات ليست ملحوظة كثيرا، لكنها تتجه إلى الأمام وتخطو نحو التقدم، كل حكومة قامت بخطوة معينة لكنها كانت صغيرة ولا تتناسب مع توقعات شعبنا، فنحن نحتاج إلى خطوات أكبر بالاقتصاد الإيراني.