بيروت- تواصل إسرائيل توسيع ضرباتها جنوب لبنان من حيث المدى والنوع، كاسرة مختلف المحظورات بقواعد الاشتباك التي أرساها حزب الله منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إذ جاءت المجزرة بحق 7 مسعفين في بلدة الهبارية بعد أقل من 24 ساعة على أعمق هجوم جوي لإسرائيل، بالغارة التي استهدفت جرود الهرمل قرب الحدود مع سوريا، شمال شرقي لبنان.
استيقظت بلدة الهبارية، وهي إحدى قرى العرقوب في قضاء حاصبيا، المطلة على جبل الشيخ ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا، على دمار مروع شبيه بمختلف القرى الحدودية، التي تحولت لساحة حرب مفتوحة، وكان الهدف مركزا إسعافيا يتبع “جمعية الإسعاف اللبنانية”، سوتّه الغارة بالأرض، واستمر انتشال الجثث والجرحى لساعات.
كان من بين الشهداء المسعفين السبعة توأمان اثنان، هما أحمد وحسين قاسم الشعار (19 عاما)، وحسب والدتهما التي قالت في تصريح تلفزيوني إنهما “كانا يقضيان الليل يوميا مع زملائهم المسعفين بالمركز، لتلبية أي نداء عاجل”، كما ودّعت بلدة الهبارية كلا من المسعفين عبد الله عطوي ومحمد الفاروق عطوي وبراء أبو قيس وعبد الرحمن الشعار ومحمد حمود.
استهداف جمعية الإسعاف
وفي بيان لها، نعت الشهداء جمعية الإسعاف اللبنانية المشرفة على جهاز الطوارئ والإغاثة، ودعت لأوسع حملة تضامن لمطالبة المجتمع الدولي بـ”إلزام إسرائيل بالكف عن هذه الجرائم، ولتأمين الحماية لكافة الطواقم الإسعافية طبقا للقانون الدولي”.
كما أحدث استشهاد المسعفين بلبلة سياسية، بعدما ربط كثيرون جمعية الإسعاف بالجماعة الإسلامية، فأصدرت الأخيرة بيانا أكدت فيه عدم ارتباطها بمركز الإسعاف، وأنه يتبع حصرا لجمعية الإسعاف اللبنانية.
ورغم استقلالية جمعية الإسعاف، لكنها كانت تابعة للجمعية الطبية الإسلامية المرتبطة بدورها بالجماعة الإسلامية، حسب معلومات الجزيرة نت، وتم فك هذا الارتباط قبل سنوات، ومُنحت الجمعية الاستقلالية رسميا باسم “جمعية الإسعاف اللبنانية”، حتى لا تأخذ طابعا حزبيا.
وعقب المجزرة، صرح المسؤول السياسي للجماعة الإسلامية في الجنوب بسام حمود بأن “استهداف الاحتلال للمركز الإنساني تجاوز للخطوط الحمراء”.
وكان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي قد زعم أنه “تم القضاء داخل المبنى على قيادي مركزي ينتمي للجماعة الإسلامية”، واتهمه بالضلوع في تنفيذ هجمات.
جريمة مكررة
لم تكن هذه المرة الأولى التي يُستهدف فيها المسعفون جنوب لبنان، فقد سبق أن استشهد 7 مسعفين يعملون بالدفاع المدني– الهيئة الصحية الإسلامية (التابعة لحزب الله)، بـ3 ضربات متفرقة، وقد نعاهم الحزب:
- الأولى: يوم 11 يناير/كانون الثاني الماضي، حين استشهد المسعفان علي محمود الشيخ وساجد رمزي قاسم، إثر استهداف مركز إسعافي في بلدة حانين.
- الثانية: يوم 22 فبراير/شباط، حين استشهد المسعفان حسين محمد خليل ومحمد يعقوب إسماعيل في بلدة بليدا.
- الثالثة: في الرابع من مارس/آذار، واستشهد فيها 3 مسعفين في بلدة العديسة، وهم حسين محمد إبراهيم وعباس أحمد حجيج وعلي حسن سويدان.
ودانت وزارة الصحة -في بيان لها- استهداف المسعفين ببلدة الهبارية، وقالت إن “هذه الاعتداءات تخالف القوانين الدولية واتفاقية جنيف، التي تشدد على ضرورة تحييد المراكز الصحية والعاملين الصحيين”.
وقال رئيس دائرة المستشفيات والمستوصفات في وزارة الصحة هشام فواز للجزيرة نت إن “إسرائيل تهدد سلامة الطواقم الصحية والدفاع المدني جنوبا، وهي التي تواجه أساسا صعوبات كبيرة بالحركة لإغاثة الناس”.
وأضاف “نحن بالوزارة نضع قضية اعتداء إسرائيل على المسعفين والطواقم الطبية بعهدة المجتمع الدولي ومنظمة الصحة العالمية”، وقال “إضافة لسقوط الجرحى والشهداء المسعفين، فقد استهدفت إسرائيل نحو 17 سيارة إسعاف منذ شن عدوانها على جنوب لبنان”.
دلالات عسكرية
من جهته، يرى الخبير العسكري العميد المتقاعد هشام جابر أن “ضرب المدنيين، وتحديدا المسعفين الذين يعملون بهيئات تتبع لأحزاب منخرطة على الجبهة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، يعني أن بنك أهداف إسرائيل يصبح تدريجيا بلا محرمات، كما لو أن لبنان منخرط بحرب واسعة فعلا، لأن استهداف المسعفين والمراكز الصحية والمستشفيات نشهده في غزة”.
ويعتبر جابر في حديثه للجزيرة نت أنه “من اللافت تسمية متحدثين إسرائيليين لأعداء لهم غير حزب الله في الجنوب، مثل الجماعة الإسلامية، لتبرير عدوانهم على المسعفين”.
كما أوضح أن الغارة الجوية على الهرمل “مؤشر خطير”، لأنها تمثل أعمق مدى تم ضربه منذ اندلاع جبهة الجنوب، وهي تبعد بخط مباشر جوي عن الحدود الجنوبية نحو 120 كيلومترا، “حيث تذرعت إسرائيل بوجود مركز أسلحة لحزب الله”.
في المقابل، “يحافظ حزب الله بضرباته على مدى يصل لنحو 30 كيلومترا، لأن بنك أهدافه العسكرية ضمن هذه المساحة واسع جدا” وفق جابر، ويقول “يوسع حزب الله ضرباته بالقطاع الشرقي وليس بالقطاع الغربي، لأن الأخير على مقربة من حيفا وتل أبيب والساحل الفلسطيني، وأي ضربة هناك تعني إعلانا منه لحرب شاملة، بينما يتفادى هو الانجرار للاستفزازات الإسرائيلية”.
مبررات إسرائيلية
وعلى مستوى آخر، يعتبر الكاتب والمحلل السياسي داوود رمال أن “إسرائيل تختلق أعذارا غير حقيقية لتبرير ضرب المدنيين والمسعفين، وتروج أن حزب الله والفصائل الأخرى تستخدم الدفاع المدني وسيارات الإسعاف لنقل مقاتلين وصواريخ، وذلك حتى تجيز لنفسها استهداف الفرق الطبية ومراكز الدفاع المدني، التي تهتم برفع الأنقاض وانتشال الضحايا ونقل الجرحى”.
ويرى رمال -في حديثه للجزيرة نت- أن “الهدف هو ترهيب من بقي من المدنيين بالقرى الحدودية، ومحاولة إفراغ المنطقة من كل ساكنيها وضرب كل معالم الحياة فيها”، ويعتقد أن في توسيع إسرائيل لضرباتها، وآخرها بالهرمل، رسالة مفادها “أنها خارج كل قواعد الاشتباك”.
وإذا كان حزب الله قد كرس معادلة بعلبك مقابل الجولان، فإن إسرائيل تكون قد نقلت المعركة إلى عمق الهرمل لاستفزاز معادلة حزب الله، مما قد يبقي على معادلة بعلبك – الهرمل مقابل الجولان، برأي رمال، ويقول إن “حزب الله يحاول امتصاص الاستفزازات الإسرائيلية، لذا يلجأ لضرب الجولان المحتل من لبنان وليس من سوريا”، وهو ما يؤشر برأيه، لقرار الحكومة السورية، بعدم إباحة الساحة السورية لتكون جبهة إسناد، وبقاء النظام لجانب الموقف العربي الخليجي سياسيا.
ويتحدث رمال عن معلومات حول رسائل تبلغها لبنان، ومفادها “إذا انتهت الأمور بغزة لالتزام إسرائيل بالقرار الأممي الأخير 2728، فإن الجبهة اللبنانية قد تشهد تصعيدا غير مسبوق، لأن إسرائيل لم تعد تربط الجبهتين”.
وهنا كانت الرسالة التي حملها المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين بزيارته الأخيرة لبيروت، وسلمها حصرا لرئيس مجلس النواب نبيه بري، وتتضمن -بحسب رمال- شروطا قاسية، من أبرزها أن “تنفيذ القرار 1701 يجب ألا يكون عسكريا وأمنيا فحسب، بل سياسيا أيضا، أي ترتيبات حدودية جديدة”.