الخرطوم- يعتقد مراقبون وخبراء أن هجمات قوات الدعم السريع على عشرات القرى في شرق ولاية الجزيرة وشمالها بوسط السودان، التي راح ضحيتها مئات القتلى والجرحى، تتجاوز الانتقام لانشقاق قائدها في الولاية أبو عاقلة كيكل وانضمامه للجيش إلى أهداف عسكرية وسياسية.
يقول عمر البدر الناشط في منصة نداء الوسط (كيان مدني) إن عدد ضحايا هذه الحملة “الانتقامية” -التي شملت 6 مدن و58 قرية في شرق الولاية منذ 21 أكتوبر/تشرين الأول الجاري- بلغ أكثر من 300 قتيل ومئات الجرحى والمفقودين وعشرات الآلاف من النازحين.
وفي حديث للجزيرة نت، يوضح الناشط أن حملة الدعم السريع انتقلت من شرق الجزيرة إلى محلية الكاملين في شمالها في منطقتي أزرق والسريحة، حيث قتل نحو 130 شخصا وأصيب أكثر من 200 آخرين.
كما خطف الدعم السريع أكثر من 150 “أسيرا” وُجدت جثث 3 منهم، أمس الأحد، في مزارع حول السريحة بينهم طفل رضيع، إلى جانب التهجير القسري وانتهاك حرمات النساء وكبار السن واختطاف الأبرياء ونهب وتخريب ممتلكات المواطنين، حسب المصدر نفسه.
خطة جديدة
غير أن قوات الدعم السريع قالت في بيان “إن ما يحدث في عدد من قرى ومناطق شرق ولاية الجزيرة هي اشتباكات لقواتها مع المقاومة الشعبية وكتائب العمل الخاص التي انخرط الجيش السوداني أخيرا في تسليحها للزجّ بها في القتال”.
وحمّلت القوات “رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان المسؤولية الكاملة في ما تشهده الولاية”، وأشارت إلى تصريحاته الأخيرة وإعلانه تسليح المدنيين، وأوضحت أن “منتسبي عدد من القرى الذين قام كيكل بتسليحهم هاجموها بأسلحة متنوعة، مما دفعها إلى التعامل معهم بحسم”، وفق نص البيان.
ويرى أسامة عيدروس الباحث في الدراسات الإستراتيجية والأمنية أن خطة الدعم السريع -منذ توقف عملياتها في الخرطوم وتحولها للدفاع بالقناصة في العمارات والأبنية الشاهقة- تحولت إلى إستراتيجية انتشار واسع باندفاع سريع هدفه إسقاط الفاشر حاضرة إقليم دارفور وبابنوسة والأبيض في إقليم كردفان، والزحف نحو الشمالية وتطويق بورتسودان بالزحف من سنار وسنجة شرقا إلى القضارف وكسلا.
وبرأيه، أكسب ذلك الدعم السريع مساحات واسعة من الانتشار ولكنه أجبره في المقابل على إعادة تموضعه في جبل موية “كقاعدة انطلاق جديدة بحشدها بالعتاد والمرتزقة من أجل الوثبة الأخيرة في خطته”.
وحسب حديث الباحث للجزيرة نت، فإن سيطرة الجيش على منطقة جبل موية أربكت حسابات من وضع خطة الدعم السريع العسكرية فأصبحت محتاجة لبدائل سريعة حتى لا تقع في شرك الجيش الذي نجح في تحويل قواتها إلى مجموعات معزولة بلا إمداد، فتحررت الدندر والسوكي بلا عناء واقتربت إعادة سيطرة الجيش على سنجة عاصمة ولاية سنار.
جهات خلفية
وتُعد قرى سهل البطانة وشرق الجزيرة منطقة انفتاح جديد لقوات الدعم السريع على حلفا وشندي وشمال الخرطوم، في استمرار خطتها القاضية بالوصول إلى بورتسودان “بأي ثمن”، وفقا للباحث عيدروس.
ويرجح أن “فظائع” الدعم السريع مقدمة تهدف إلى تهجير سكان شرق الجزيرة وإشغال الناس للقيام بفتح خطوط حشد وإمداد من جبل أولياء في جنوب غرب الخرطوم عبر الكاملين وكبري رفاعة بوسط الجزيرة، والاندفاع شرقا وشمالا بإستراتيجية الانتشار السابقة نفسها.
من جانبه، يعتقد الخبير العسكري العميد المتقاعد إبراهيم عقيل مادبو أن حملة قوات الدعم السريع “الانتقامية” في ولاية الجزيرة تستهدف ضرب التلاحم والالتفاف الشعبي حول الجيش بعد التقدم الذي حققه، ودفعه حتى يقوم بخطوات عسكرية غير محسوبة ويتكبد خسائر فادحة.
ويقول الخبير للجزيرة نت إن عناصر الدعم السريع يرتكبون الانتهاكات ويصورونها بأيديهم لخلق مزيد من الذعر والهزيمة النفسية للشعب السوداني والتأثير على القوات المسلحة التي تعمل لدحرهم من كل المناطق التي تسيطر عليها.
وبرأيه، فإن هناك جهات خلف الدعم السريع تعمل على الدفع نحو مسارات محددة متعلقة بتدخل دولي في البلاد تحت مظلة البعد الإنساني لتنفيذ أجندة خاصة وتقويض سيادة البلاد بالشكل الذي يحفظ لهذه القوات “المتمردة” البقاء في المناطق التي تسيطر عليها، لتقف حاجزا أمام خطوات الجيش التي باتت قريبة من الانتصار وتحرير الأراضي المحتلة، حسب تعبيره.
أهداف
أما المحلل السياسي فيصل عبد الكريم فيرى أن لدى قوات الدعم السريع جملة أهداف عسكرية وسياسية ونفسية من وراء حملتها العسكرية على المدنيين في قرى ولاية الجزيرة.
ويقول للجزيرة نت إن هذه القوات أرادت الرد على موقف قائدها كيكل لتأكيد أن انشقاقه غير مؤثر، وأنها لا تزال تسيطر على مواقعها في ولاية الجزيرة، إلى جانب صرف الأنظار عن تقدم الجيش في ولاية سنار.
ويعتقد عبد الكريم أنها تريد “تأزيم الأوضاع الإنسانية وتأليب المجتمع الدولي للتدخل في السودان” قبل تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش؛ في جلسة مغلقة لمجلس الأمن، اليوم الاثنين، يُنتظر أن يطرح خلالها تدابير لحماية المدنيين في السودان.