مبادرة بايدن لوقف حرب غزة.. مواقف الأطراف وحساباتها

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 9 دقيقة للقراءة

في خطوة غير مألوفة، خرج الرئيس الأميركي جو بايدن إلى العلن، يوم 31 مايو/أيار 2024، معلنا بنودا تفصيلية لمقترح إسرائيلي لوقف القتال في قطاع غزة، وداعيا الطرفين إلى قبوله.

وأتبعت الإدارة الأميركية ذلك بمسار من الضغوط المكثفة على أطراف المواجهة والوسطاء للموافقة على البنود المعلنة من “دون تأخير أو مزيد من الشروط”، وذلك بإصدار بيان من الدول الصناعية السبع الكبرى يدعو إلى قبول المقترح، وإلى ممارسة الضغط على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لقبوله، وبتقديم مشروع قرار في مجلس الأمن لدعم المقترح.

خلفيات الموقف الأميركي

ويشير هذا الاستعجال الأميركي إلى مدى حاجة الرئيس بايدن إلى اتفاق كهذا، بما يساعده على تجاوز عقبة كأداء في طريقه إلى نيل ولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.

إذ يأمل بايدن وأركان إدارته وحملته الانتخابية أن يمكّنه اتفاق كهذا من توحيد أصوات الحزب الديمقراطي وحشد جهوده خلف الحملة خلال الأشهر القليلة المقبلة، وهو الأمر الذي لا يحتمل مزيدا من التأخير، إذ إن الضرر الانتخابي حصل فعلا، كما ظهر في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في ولاية ويسكونسن، على سبيل المثال.

وكانت مظاهرات طلاب الجامعات مؤشرا على حدة الانقسام في القواعد التقليدية للحزب الديمقراطي بشأن موقف إدارته من الحرب في قطاع غزة، وهو ما دفع إلى إظهاره موقفا علنيا ضد سياسة الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو تجاه الحرب.

بالإضافة إلى تصريح بايدن بأن بعض الأطراف داخل هذه الحكومة الإسرائيلية ربما لا توافق على هذا المقترح، وهو موقف يكثف الضغط على عضوي المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير.

وفي السياق ذاته، تأمل الإدارة الأميركية أيضا أن يفتح اتفاق كهذا مجالا لتطبيع للعلاقات السياسية بين السعودية ودولة الاحتلال، بما يمكن أن تقدمه كإنجاز لسياستها في المنطقة العربية، ويسهم في توحيد حلفائها في المنطقة في مواجهة إيران.

حسابات الطرف الإسرائيلي

وعلى الجانب الإسرائيلي، تختلف حسابات أقطاب الحكومة الإسرائيلية عن الحسابات الأميركية، إذ يعطي نتنياهو الأولوية لبقائه السياسي، ويناور لاستمرار الحرب بالمستوى الذي يمنع إجراء انتخابات جديدة ما لم تصبح فرصه للفوز بها عالية.

وتظهر استطلاعات الرأي تراجع شعبية خصومه المحتملين الذين نجح في سحبهم إلى مربع الشراكة في إدارة الحرب وتحمل التبعات السياسية لذلك.

إذ نشرت صحيفة معاريف الإسرائيلية، يوم 31 مايو/أيار 2024، نتائج استطلاع توضح انخفاض عدد مقاعد الكنيست المتوقعة لحزب “الوحدة الوطنية” الذي يرأسه الوزير في مجلس الحرب بيني غانتس إلى 25 مقعدا فقط، بعد أن وصلت ذروتها إلى 41 مقعدا في استطلاعات الأشهر الماضية. في حين أظهر الاستطلاع لأول مرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 تفوق نتنياهو من حيث الشخصية الأنسب لرئاسة الحكومة.

وأسهم هذا في دفع بيني غانتس إلى التهديد بالخروج من مجلس الحرب ما لم يغيّر نتنياهو سياسته، ويقبل باتفاق يعيد الأسرى الإسرائيليين، ويوضح الشكل المرغوب إسرائيليا لغزة ما بعد الحرب، وألا يكون هناك احتلال عسكري للقطاع. وهو الموقف الذي يتفق معه عضو مجلس الحرب غادي آيزنكوت الذي اتهم حكومة نتنياهو بالفشل الذريع أمنيا واقتصاديا، ودعا إلى انتخابات مبكرة وتغيير رئيس الحكومة.

وبدوره، يتخذ وزير الدفاع يوآف غالانت موقفا مقاربا، ويخرج بتصريحات علنية معارضة لتوجه رئيس الوزراء بشأن مستقبل حكم القطاع، في حين يحرص على زيادة شعبيته وحماية مستقبله السياسي.

وعلى الضفة الأخرى من الحكومة، يتبنى الوزيران المتطرفان بن غفير وسموتريتش -ومن ورائهما حزبيهما- موقفا رافضا لأي تعهد بإنهاء الحرب، ويطالبان باستمرارها إلى حين “القضاء على حماس”، ولا يعدّان قضية الأسرى أمرا يستحق وقف الحرب.

في حين يتبنى الجيش وأجهزة الأمن موقفا قريبا من موقف وزير الدفاع والوزيرين غانتس وآيزنكوت.

إستراتيجية التفاوض الإسرائيلية

ووسط هذه التناقضات، يناور نتنياهو لتحقيق هدفين: أولهما الحفاظ على بقاء حكومته، وثانيهما: تقليل الكلفة السياسية والعسكرية للحرب بما لا يمس الهدف الأول. ولتحقيق ذلك تبنى إستراتيجية تفاوضية قائمة على امتصاص الضغوط الداخلية والخارجية، بما يجعل المفاوضات وسيلة لدعم استمرار الحرب، لا إيقافها.

ومما يعزز هذه الإستراتيجية وجود هدف مشترك تتفق عليه الحكومة والجيش الإسرائيليين بتقويض القدرات العسكرية والمدنية لحركة حماس، واتفاق الولايات المتحدة وعديد من حلفائها بشكل معلن مع هذا الهدف، وهو ما يجعل أي إعلان لوقف الحرب قبل تحقق هذا الهدف -بعيد المنال- أمرا مشكوكا في جديته.

وهو ما يشير إليه التصريح الإسرائيلي بشأن حق الاحتلال باستئناف الحرب إذا حدث أي خرق للاتفاق من قبل حركة حماس، إضافة إلى نفي نتنياهو المعلن لقبوله بوقف الحرب قبل تحقيق أهدافها المعلنة.

وفي الخلفية أيضا، يقبع موقف إستراتيجي يسعى إلى تحييد قطاع غزة بالكامل عن الصراع مع الاحتلال، وذلك من خلال تهجير جميع سكانه أو غالبيتهم، ولا يختلف موقف الجيش كثيرا عن موقف اليمين الإسرائيلي بهذا الشأن، إذ نفذ الجيش حملة قصف إستراتيجي قوضت مرافق الحياة المدنية، كما تشير تقارير ودراسات دولية عديدة، من أحدثها تقرير مكتب اللأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا”.

كما فرض الجيش حصارا أدى إلى تجويع واسع النطاق، إلى حد أوصل القطاع إلى وضع المجاعة، على ما في ذلك من تداعيات سياسية على دولة الاحتلال، إلا أن الأمر -فيما يبدو- يستحق هذا الثمن وهذه المخاطرة بالنسبة لدولة الاحتلال.

وبدورها، لا تبدي الإدارة الأميركية معارضة حقيقية لهذا المسار، إذ لم تفعّل أدوات الضغط على الاحتلال بما يوقف مسار التجويع، واستمرت في توفير الدعم العسكري والسياسي الذي لا تستطيع دولة الاحتلال الاستمرار في حربها بدونه.

مع استمرار ما تشهده غزه من قصف وتجويع وتهجير، تقوم إدارة بايدن بتوفير الدعم العسكري والسياسي لإسرائيل (رويترز)

حسابات المقاومة

ومن جهتها، تدرك حركة حماس حجم التضحية البشرية والمادية غير المسبوقة في هذه الحرب، وتدرك مخاطر استمرارها على أهل القطاع، وضرورة نزع أي شرعية عنها وإيقافها بشكل كامل.

في حين لا تشكل كلمات الرئيس الأميركي بشأن إيقاف الحرب ضمانة موثوقة في نظر الحركة، إذ سبق أن ألقى باللوم عليها وصمت عن تراجع الحكومة الإسرائيلية عما وافقت عليه من شروط. ولذلك، فهي تبدي حذرا في التعامل مع الإعلان الجديد لبايدن.

وفي حين أعلنت تلقيها إعلانه بشكل إيجابي، باعتبار أن مضمونه قريب من النص الذي وافقت عليه في السادس من مايو/أيار 2024، وبفعل التفسير المعلن للرئيس الأميركي لها بشأن إيقاف الحرب، إلا أنها تتمسك بتثبيت هذا التفسير في نص الورقة، وهو الأمر الذي تزداد أهميته بفعل إنكار رئيس الوزراء الإسرائيلي موافقته على إيقاف الحرب بشكل دائم، وتمسكه بتحقيق “النصر المطلق”.

بينما لا يُتوقع من الإدارة الأميركية أن تعارضه في حال قرر العودة إلى الحرب في أي وقت خلال مراحل تنفيذ الاتفاق المقترح، من خلال التذرع بأي انتهاك ينسبه للطرف الفلسطيني.

وفي الوقت نفسه، تحرص حماس على عدم تحمل مسؤولية إفشال المفاوضات، لأن الحكومة الإسرائيلية تتخذ من ذلك ذريعة لإدامة الحرب وتصعيد وتيرة مجازرها بحق أهل القطاع، كما أن من شأنه تشديد الضغوط السياسية والإعلامية عليها التي تستهدف حاضنتها الشعبية في غزة وخارجها.

وفي هذا السياق، أعلنت الحركة أنها لم تتلق عرضا مكتوبا جديدا، وأن آخر عرض تلقته هو ورقة الخامس من مايو/أيار الذي وافقت عليه، وهي بذلك ترمي الكرة في الملعب الأميركي، لكي يقدم لها عرضا مكتوبا، يتضمن ما تحدث به بايدن بشأن وقف الحرب بشكل كامل، بما يحقق أحد أهم أهدافها من التفاوض.

وفي ضوء هذه الحسابات والاعتبارات المتباينة، لا تبدو فرص التوصل إلى اتفاق وتطبيقه على الأرض كبيرة في الوقت الحالي، والسبب الأهم في هذا الصدد هو إصرار الطرف الإسرائيلي على إحداث تغيير إستراتيجي في القطاع بما يعوضه عن حجم الضربة التي تلقاها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول وما تبعه، وهو ما يستدعي بالنسبة له إدامة الحرب والاغتيالات للمقاومين في الحد الأدنى، وتهجير سكان القطاع بالحد الأعلى.

وفي هذا، لا تملك المقاومة سوى الاستمرار في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية إلى حين تبلور ظروف سياسية وميدانية تجبر الاحتلال على التوقف عن عدوانه.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *