الجزائر- تأتي زيارة رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا للجزائر بدعوة من نظيره الجزائري عبد المجيد تبون، في سياق رغبة البلدين الأفريقيين بالمضي قدما في شراكة توصف بالتاريخية والإستراتيجية، يميزها توافق سياسي بين الطرفين حول أغلب الملفات والقضايا الأفريقية والدولية، بحسب مراقبين.
ويسعى الجانبان إلى تسطير عهد جديد من العلاقات المتينة من خلال توسيع الشراكات الاقتصادية من جهة، وتوطيد الرؤى والتشاور حول مجمل القضايا ذات الاهتمام المشترك بتفعيل التعاون بما يرتقي بالبلدين إلى مستوى أعلى من الشراكة، بحسب تصريحات المسؤولين.
وترأس الرئيسان الجزائري والجنوب أفريقي أعمال اجتماع اللجنة العليا المختلطة للتعاون الجزائري-الجنوب أفريقي، وشهدا التوقيع على إعلان مشترك للشراكة الإستراتيجية بين الجزائر وجمهورية جنوب أفريقيا.
وفي سابقة هي الأولى منذ سنوات، ألقى رامافوزا، خطابا أمام نواب البرلمان الجزائري، بعدما أصدر تبون في الثالث من ديسمبر/كانون الأول مرسوما رئاسيا يستدعي من خلاله البرلمان الجزائري بغرفتيه للاجتماع معا قصد الاستماع لخطاب رئيس جنوب أفريقيا.
علاقات تاريخية
واعتبر الرئيس الجزائري أن زيارة نظيره الجنوب أفريقي “تعبر عن خصوصية العلاقات التاريخية بين البلدين والقائمة على التعاون الوثيق والتضامن الدائم”، وتعبر أيضا عن “الطابع الإستراتيجي لعلاقاتنا الثنائية”.
وفي تصريح صحفي مشترك، قال تبون إن هذه الزيارة سمحت بإجراء تقييم شامل لما وصل إليه البلدان في علاقاتهما الثنائية والتباحث حول السبل الناجعة لترقيتها “لتكون في مستوى الإرادة السياسية المشتركة”.
وأكد تطابق وجهات النظر بين البلدين وتوافقهما على تفضيل الحلول السياسية التفاوضية لحل الأزمات بعيدا عن التدخلات الخارجية في مجمل القضايا على رأسها الأوضاع في منطقة الساحل وليبيا والسودان ومنطقتي أفريقيا الوسطى والجنوبية، ومواضيع أخرى متعلقة بعمل الاتحاد الأفريقي.
من جانبه، قال الرئيس رامافوزا، إن بلاده تطمح في تقوية العلاقات مع الجزائر، بما يعكس علاقات البلدين التاريخية.
ولفت إلى أن بلاده تسعى لرفع المستوى التجاري الذي سيتعزز بإطلاق منطقة التبادل الحر والتجارة بين البلدين، مؤكدا عمق إيمانه بأن التعاون بين جنوب أفريقيا والجزائر سيعزز التعاون الأفريقي.
خطاب في البرلمان
وألقى الرئيس الجنوب أفريقي خطابا تطرق فيه إلى العديد من القضايا الإقليمية والدولية الراهنة عقب انطلاق أشغال الدورة غير العادية للبرلمان المنعقد بغرفتيه.
وأشار رامافوزا في خطابه إلى ضرورة توحيد الأفارقة للوصول إلى أهداف التطور الدائم، مؤكدا التشابه الكبير لبلاده مع الجزائر بحكم معاناتهما من الاضطهاد والاستعمار.
وقال إن بلاده “تجدد نداءها من أجل إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حتى يكون أكثر تمثيلا”، مشيدا بـ”مواقف الجزائر المشرفة”، ومؤكدا أن بلاده والجزائر تقفان “موقفا حازما” في دعم الشعب الفلسطيني، وشدد على ضرورة أن تنتهي حرب إسرائيل على قطاع غزة.
ويقول النائب الجزائري، علال بوثلجة، إن رئيس جمهورية جنوب أفريقيا ألقى خطاب تاريخيا أمام ممثلي الشعب الجزائري، بصفته ثالث رئيس أجنبي يلقي خطابا أمام البرلمان الجزائري منذ تأسيسه سنة 1962.
وأشار بوثلجة في حديثه مع الجزيرة نت، للسياق الدولي الخاص، كونه يتزامن مع “التغيرات في العلاقات الدولية، وما تشهده مناطق عدة في العالم من اضطرابات وحروب على غرار ما يحدث في غزة ومحاولة الإبادة الجماعية”.
وأشار النائب إلى التوافق بين الجزائر وجنوب أفريقيا حول عدد من الملفات الأفريقية والدولية، وهو ما ظهر جليا في خطاب رامافوزا الذي ذكّر بمساعدات الجزائر لبلاده ودعم نضالها ونضال كل الشعوب الأفريقية، إضافة إلى تطوير العمل الثنائي بما يخدم بلدان القارة الأفريقية.
توسيع الشراكة
وأخذ الشق الاقتصادي حيزا مهما من المحادثات الجزائرية الجنوب أفريقية، في ظل رغبة البلدين المشتركة في رفع حجم المبادلات التجارية وتطوير الاستثمار، وتم تجسيدها من خلال توقيع إعلان الشراكة الإستراتيجية بين الجزائر وجنوب أفريقيا، وكذلك التوقيع على 5 اتفاقيات للتعاون بين البلدين.
وفي هذا السياق، يشير أستاذ الاقتصاد بجامعة وهران حاكمي بوحفص، إلى أن البلدين يعتبران من أقوى الاقتصادات الأفريقية باحتلالهما المرتبة الأولى والثالثة، ما يجعل لقاء الرئيسين مهما ويسمح بدعم الشراكة بين البلدين خاصة في ما يتعلق بالشراكة البينية من حيث تدفق السلع ورؤوس الأموال بينهما.
ويؤكد بوحفص في حديثه مع الجزيرة نت، أنه رغم مكانة البلدين أفريقيا، إلا أن المنافع الاقتصادية بينهما لا ترقى لمستوى طموحات المستثمرين والمتعاملين الاقتصاديين، ما يجعل زيارة رئيس جمهورية جنوب أفريقيا للجزائر فرصة لتوسيع الشراكة ودفعها لمكانة لائقة تسمح بزيادة حجم التجارة بين الجانبين.
وأشار أستاذ الاقتصاد إلى وجود العديد من الفرص وتقاطعها بين البلدين يمكن استغلالها لصالح الشعبين والمستثمرين، سيعززه انفتاح الجزائر وتوجهها إلى العمق الأفريقي قصد تنويع اقتصادها كبديل عن أوروبا.
كما توقع أن تجسد الاتفاقيات الخمس التي وقعت عقب انتهاء أشغال اجتماع اللجنة العليا المختلطة للتعاون الجزائري-الجنوب أفريقي العديد من المشاريع العملية.