القدس المحتلة- بدت الأجواء في الساحة السياسية بإسرائيل ضبابية، وذلك عشية انتهاء المهلة التي حددها رئيس “المعسكر الوطني” بيني غانتس، الذي هدد بالانسحاب من حكومة الطوارئ ومجلس الحرب إذا لم يوافق رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، على التوصل إلى صفقة تبادل وإعادة المحتجزين.
وتتجه الأنظار إلى مساء السبت الثامن من يونيو/حزيران الجاري؛ الموعد النهائي لانسحاب غانتس الذي منح -خلال مؤتمر صحفي يوم 18 مايو/أيار الماضي- نتنياهو مهلة 3 أسابيع لتقديم سلسلة من الخطط بخصوص مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة وعودة المحتجزين، و”اليوم التالي للحرب”، والوضع على الجبهة الشمالية.
وتعيش الخارطة السياسية بإسرائيل حالة تأهب إلى حين خروج عطلة السبت، حيث تُجمع التقديرات في “المعسكر الوطني” أن غانتس سيقدم استقالته ما لم تحدث مفاجآت بقبول نتنياهو الصفقة مما يعني تراجع غانتس عن انسحابه.
سيناريو واقعي
يأتي ذلك في وقت تتصاعد فيه تهديدات رئيس حزب “عظمة يهودية”، إيتمار بن غفير، ورئيس “الصهيونية الدينية”، بتسلئيل سموتريتش، بتفكيك حكومة اليمين المتطرف التي تعتمد على 64 من أعضاء الكنيست، والتوجه إلى انتخابات مبكرة، إذا وافق نتنياهو على أي صفقة تفضي إلى وقف الحرب.
وترجح قراءات محللين سياسيين انسحاب “المعسكر الوطني” من حكومة الطوارئ، فيما يبدو أنه السيناريو الواقعي الذي سيُنفَّذ، لكن مع وجود اعتبارات داخلية وخارجية كثيرة بالنسبة لغانتس قد تدفعه إلى التراجع عن تهديده وإنذاره.
وأجمعت هذه التقديرات على أن غانتس، الذي قيّد نفسه بالموعد الذي حدده، وربط ذلك بقانون تجنيد الحريديم، كما حدد 6 شروط للبقاء في حكومة الطوارئ، سيكون رهينًا للتطورات الميدانية والتصعيد على الجبهة الشمالية مع لبنان، ورهينًا لاستمرار مفاوضات وقف إطلاق النار وصفقة التبادل، وسط تعزيز الآراء بأنه لا ينبغي أن يترك إدارة الحرب بأيدي سموتريتش وبن غفير.
ويعتقد المحلل السياسي لموقع “زمان يسرائيل” الإلكتروني، شالوم يروشالمي، أن غانتس مقتنع بأن وقته في هذه الحكومة قد انتهى. وقال إن حجة غانتس الرئيسية وغادي آيزنكوت الوزير بمجلس الحرب، هي أنهما فقدا نفوذهما، وأن نتنياهو بات رهينًا في قبضة اليمين المتطرف التي يشددها عليه سموتريتش وبن غفير.
لكن برأي المحلل، فإن هيمنة هذين الوزيرين وسطوتهما على المشهد السياسي بظل الحرب، قد تكون سببا ممتازا بالنسبة لغانتس للبقاء في حكومة الطوارئ ومجلس الحرب، وتحرير نتنياهو قدر الإمكان من قبضة الشركاء “المتطرفين”، وعدم ترك النفوذ الكامل في أيديهم لإدارة الحرب ومستقبل إسرائيل.
بدائل
ورجّح يروشالمي أن غانتس سيأخذ بعين الاعتبار -قبل حسم قراره بالانسحاب- أن إسرائيل في خضم حرب صعبة على جبهتين، ومفاوضات بشأن صفقة المحتجزين، وأن هذه أيام حاسمة سيتقرر فيها ما إذا كانت تل أبيب ستخوض أيضا حربا شاملة في لبنان.
وأوضح أن غانتس وآيزنكوت يعلمان أن سموتريتش وبن غفير ينتميان إلى مجموعة “مسيحانية ليس لها بالضرورة اعتبار عقلاني”. وباعتقاده، فإن الحرب في لبنان يمكن أن تستمر عدة أشهر وتتحول إلى حملة إقليمية شاملة؛ فهذا ليس الوقت المناسب لبدء حرب في الشمال ما داموا في غزة، ولا أحد يعرف كيف ومتى ستنتهي، وما هو الثمن التي ستدفعه إسرائيل.
وتحت عنوان “بعد إهانتهم وحتى التحريض ضدهم، نتنياهو يفتقد غانتس وآيزنكوت”، كتب محلل الشؤون الحزبية في صحيفة “هآرتس”، يوسي فيرتر، مقالا استعرض فيه السيناريوهات التي ستشهدها الساحة السياسية والحزبية في إسرائيل مع انتهاء المهلة التي حددها غانتس.
وبتقدير فيرتر، فإن انسحاب “المعسكر الوطني” من حكومة الطوارئ ومجلس الحرب هو سيناريو محتمل، وهذا على افتراض عدم اندلاع حرب شاملة على الجبهة الشمالية مع حزب الله، أو في حال تم التوصل إلى صفقة لإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين.
وأوضح أن انسحاب غانتس و”المعسكر الوطني” سينزع الشرعية ويبدد الحصانة التي تحظى بها حكومة نتنياهو التي ستفقد مصداقيتها أمام المجتمع الدولي، وستفقد الطابع الذي ساعدها على الظهور بمظهر “أكثر مسؤولية وتوازنا وأقل تطرفا ومسيحانية”.
وفي حال انسحاب غانتس، يعتقد محلل الشؤون الحزبية أن مشهد الواقع السياسي في إسرائيل -كما كان خلال الأشهر الثمانية للحرب على غزة- سيتغير بشكل كبير، حيث ستتسع دائرة الاحتجاجات المطالبة بإسقاط حكومة نتنياهو وحل الكنيست والتوجه لانتخابات مبكرة.
مفاجآت ومؤامرات
تقول محللة الشؤون السياسية في موقع “والا” الإلكتروني، طال شيلو، إذا لم تكن هناك مفاجآت دراماتيكية في اللحظة الأخيرة، ولا ينبغي استبعاد ذلك في الواقع المتقلب والفوضوي الذي تعيشه إسرائيل، فإن غانتس سيقف، مساء السبت، خلف المنصة ويلقي خطابه الأخير كوزير في حكومة الطوارئ.
“إسرائيل قبل كل شيء”، غرد غانتس بعد وقت قصير من توقيع الاتفاق مع نتنياهو في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهي التغريدة نفسها -تذكر شيلو- التي غرد بها في 26 مارس/آذار 2020، عندما حل حزب “أزرق أبيض” وشكّل مع نتنياهو حكومة الطوارئ لمواجهة جائحة كورونا.
وكما هو الحال في السابق والآن في ظل الحرب على قطاع غزة، تقول شيلو “لم يتمكن رئيس الأركان السابق غانتس، المسلح بسلاح آخر احتياطي، سواء كان غابي أشكنازي أو غادي آيزنكوت، من الوقوف مكتوف الأيدي لإنقاذ إسرائيل في حالة الطوارئ”.
ولكن باعتقادها، فإن إسرائيل من نسخة 2020 إلى نسخة 2024، لم تتغير، معتبرة أن “المؤامرة تكشفت أكثر، حيث بعد وقت قصير من منح غانتس نتنياهو طوق نجاة وحصانة، سئم رئيس الوزراء منه وبدأ في انتهاك الاتفاق وهو ما قد يدفع غانتس للانسحاب، مثلما حدث بجائحة كورونا”.