طهران- ما إن أعلنت وزارة الداخلية الإيرانية القائمة النهائية لمرشحي الانتخابات الرئاسية المبكرة المقررة في 28 يونيو/حزيران الجاري، حتى بدأت الأوساط السياسية في إيران الحديث عن ظاهرة أضحت تعرف بـ”المرشح المساعد”.
وجاءت تركيبة القائمة التي أجازها مجلس صيانة الدستور المخول بدراسة أهلية المرشحين للسباق الرئاسي مكونة من 5 محافظين وإصلاحي واحد، لتفتح الباب على مصراعيه أمام الصحافة القريبة من التيار الإصلاحي لنشر تقارير عديدة عن ظاهرة المرشح المساعد وأهدافها ومدى تأثيرها على نتيجة الانتخابات.
والظاهرة المستحدثة عبارة عن تسجيل عدة أفراد من تيار سياسي واحد لخوض السباق الرئاسي، وبعد تأييد مجلس صيانة الدستور أهلية أكثر من مرشح منهم، يقومون بالدعاية لتيارهم ومهاجمة مرشحي التيار المقابل خاصة في المناظرات التلفزيونية، وفي نهاية المطاف ينسحب -قبيل الاقتراع- بعض هؤلاء لصالح المرشح الأصلي.
ظاهرة مستحدثة
والمفارقة في الظاهرة الجديدة أن المرشح المساعد لم يأت ليصبح رئيسا أصلا ما يبرر له عدم السعي الحثيث لكسب أصوات الناخبين، فيصب جل اهتمامه للنيل من شعبية المرشح المنافس ومهاجمته، بيد أن ذلك لم يأت من فراغ فهناك ما يبرر للتيارات السياسية اللجوء إلى هذه اللعبة، وفق الباحث السياسي الأكاديمي بجامعة طهران رحمان قهرمان بور.
ويرجع قهرمان بور -في حديثه للجزيرة نت- سبب استحداث الظاهرة إلى النظام الرئاسي للحكم في بلاده وحصر المصادقة على أهلية المرشحين بيد مجلس صيانة الدستور.
وأوضح أنه في غياب الأحزاب السياسية الكبيرة والفاعلة، يتقدم الأفراد بأوراق الترشح للانتخابات بشكل فردي رغم انتمائهم السياسي، وبذلك لن يكون التيار السياسي مسؤولا عن سبب ترشيح أكثر من مرشح لخوض الانتخابات.
وتابع أن القائمة النهائية للمرشحين عادة تأتي بمفاجآت، إذ تضم أسماء أفراد لم تكن بالحسبان وتقصي آخرين كانت التيارات السياسية تعول عليها كونها الأوفر حظا لكسب أصوات الناخبين، مؤكدا أن المرشح المساعد يأتي لمساعدة زميله في مهاجمة المرشح المنافس ليتسنى للمرشح الأصلي توضيح برامجه وإطلاق وعود جذابة.
هندسة الانتخابات
من ناحيته، يعتبر الناشط الإصلاحي البارز محمد علي أبطحي رئيس مكتب الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي أن ظاهرة المرشح المساعد تأتي لتقسيم الأدوار بين مرشحي التيار السياسي الواحد وتفويت الفرصة على العديد من الراغبين بخوض المعترك الانتخابي من الحصول على أهلية مجلس صيانة الدستور.
وفي حديثه للجزيرة نت، يعتقد الناشط أبطحي أن منظري هذه الظاهرة يريدون هندسة الانتخابات وفق أجندتهم السياسية، مستدركا أن تياره السياسي قد اعتاد على هذه المحاولات منذ نحو 10 أعوام وأنها أضحت تنقلب سلبا على مدبريها، لأنهم لم يتمكنوا من التشويش على شعبية الإصلاحيين لدى الناخب الإيراني.
وتابع أن الناخب الإيراني أظهر إقبالا واسعا تجاه الإصلاحيين حيثما تمكن مرشحوه من اجتياز عقبة مجلس صيانة الدستور، مؤكدا أن سياسة المرشحين المساعدين في كيل الاتهامات وقلب الحقائق قد تأتي بنتائج عكسية، ناهيك عن أن أصوات جمهورهم سوف تتقسم بين المرشح الأصلي والمرشحين الذين سيجبرون على البقاء حتى نهاية المعترك الانتخابي.
تنافس داخلي
في المقابل، ينفي حميد رضا ترقي، عضو المجلس المركزي في حزب “مؤتلفة” المحافظ، نية تياره السياسي هندسة الانتخابات، معتبرا أن الحملة الدعائية التي تقودها الصحافة الإصلاحية ترمي لتشويه سمعة المرشحين المحافظين لدى الرأي العام الإيراني.
وفي حديثه للجزيرة نت، يرجع ترقي السبب وراء تعدّد المرشحين المحافظين في الرئاسيات المقبلة إلى تفاوت الخطاب بين أبناء البيت الواحد، مؤكدا أن القوائم المحافظة المختلفة قد تنافست بالفعل خلال الانتخابات البرلمانية التي أجريت مطلع مارس/آذار الماضي.
ولفت إلى أنه لا مكان للتنافس داخل البيت المحافظ في حال ارتفاع شعبية مرشح التيار المنافس، موضحا أن كبار السياسيين في التيار المحافظ يرصدون باستمرار نتائج استطلاعات الرأي، وأنهم عقدوا اجتماعات لانسحاب أحد المرشحين أو أكثر لصالح المرشح الذي يرونه قادرا على كسب أكبر نسبة من الأصوات.
خسائر وتعويض
من ناحيته، يعتقد الباحث السياسي رحمان قهرمان بور أن الإستراتيجية الانتخابية القائمة على توظيف المرشح المساعد لا تخلو من تحديات قد تقلب السحر على الساحر، ناهيك عن أنها تتسبب في هدر الثروات الوطنية وميزانية الانتخابات التي ترصد لضمان أمن المرشحين وتنقلهم والدعاية، إلی جانب حرمان مرشحين آخرين من خوض المعترك الانتخابي.
ويقول المتحدث نفسه إن اتضاح نوايا المرشحين المساعدين قد يؤدي إلى عزوف الناخب عن التصويت كما حصل في الانتخابات الأخيرة أو دفع الأصوات الرمادية نحو المرشح المنافس، ذلك لأن الظاهرة تشعر الناخب بأن أحد أطراف المعترك الانتخابي ليس صادقا معه.
ويعتقد قهرمان بور أن أداء بعض المرشحين المساعدين وظهورهم ضعفاء دون برامج انتخابية مدونة قد يؤدي إلى إدارة عزوف شريحة من جمهورهم عن التصويت وبالتالي رفع كفة المرشح المنافس.
وبالرغم من التحديات التي تحيط بإستراتيجية المرشح المساعد، فإن مراقبين في إيران يرون أن فائدة اللجوء إليها تفوق التكاليف التي يتقبلها المرشح، ذلك لأن تعويضه من قبل المرشح الفائز وتياره السياسي سوف ترفع من ثقله السياسي لدى الجمهور وتضمن له منصبا لائقا في الحكومة المقبلة.