ما سر الهجوم على “إعلان أديس أبابا” بين الدعم السريع وتحالف القوى المدنية بالسودان؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 11 دقيقة للقراءة

الخرطوم- يواجه “إعلان أديس أبابا” -الذي تم توقيعه أول أمس الثلاثاء بين قوات الدعم السريع وتحالف القوى المدنية في السودان “تقدم”- حملة نقد واسعة رغم تأكيد موقعيه أن مراميه الأساسية تتعلق بإنهاء الحرب، وفتح الطريق أمام الحل السياسي المتفاوض عليه.

فرغم التجاوب الفوري الذي أبدته قوات الدعم السريع بالموافقة على دعوة الائتلاف -الذي يقوده رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك– وإدارة نقاشات ليومين في أديس أبابا وتتويجها بتوقيع بنود الإعلان فإن الخطوة أنتجت تباينا حادا في الأوساط السياسية والمدنية بين مؤيد ومعارض ومشكك في مراميها.

تفاصيل الإعلان

وكان عبد الله حمدوك أعلن نهاية في ديسمبر/كانون الأول الماضي توجيهه دعوتين إلى قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان وقائد الدعم السريع محمد حمدان “حميدتي” للقاء القوى المدنية لبحث السبل الكفيلة بإنهاء الحرب، وبادر حميدتي إلى إعلان الموافقة على الخطوة التي أثمرت “إعلان أديس أبابا”.

وتضمن الاتفاق -الذي وقعه كل من حمدوك وحميدتي- قضايا ذات صلة بوقف العدائيات وحماية المدنيين، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين من الحرب.

وأبدت قوات الدعم السريع -وفقا للإعلان- اﺳﺘﻌﺪادها ﻟﻮﻗﻒ العداﺋﯿﺎت بشكل ﻓﻮري ﻏﯿﺮ ﻣﺸﺮوط ﻋﺒﺮ ﺗﻔﺎوض ﻣﺒﺎﺷﺮ ﻣﻊ اﻟﻘﻮات اﻟﻤﺴﻠﺤﺔ، على أن يعمل ائتلاف “تقدم” ﻣﻊ اﻟﻘﻮات اﻟﻤﺴﻠحة ﻟﻼﻟﺘﺰام باﻹﺟﺮاءات ذاتها، وصولا إلى اﺗﻔﺎق وﻗﻒ ﻋﺪاﺋﯿﺎت ﻣﻠﺰم ﻟﻠﻄﺮﻓﯿﻦ ﺑﺮﻗﺎﺑﺔ وطﻨﯿﺔ وإﻗﻠﯿﻤﯿﺔ ودوﻟﯿﺔ ﺗﺘﺤﻘﻖ ﻋﻠﻰ الأرض، كما تضمن الإعلان التزام الدعم السريع بالإفراج عن 451 من أسرى الحرب وتسليمهم إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر كبادرة لحسن النوايا.

وتناول الإعلان كذلك تشكيل لجنة وطنية مستقلة ﻟﺮﺻﺪ ﻛﺎﻓﺔ اﻻنتهاﻛﺎت ﻓﻲ ﺟﻤﯿﻊ أﻧﺤﺎء اﻟﺴـﻮدان وﺗﺤﺪﯾﺪ اﻟﻤﺴﺆوﻟﯿﻦ ﻋﻦ ارﺗﻜﺎبها، ﺑﻤﺎ ﯾﻀﻤﻦ ﻣﺤﺎﺳﺒﺘﮭﻢ، مع ﺗﺸﻜﯿﻞ ﻟﺠﻨﺔ ذات ﻣﺼﺪاﻗﯿﺔ ﻟﻜﺸﻒ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ بشأن ﻣﻦ أﺷﻌﻞ اﻟﺤﺮب، وتحدث عن بنود ذات صلة بقضايا الحرب وتأسيس الدولة السودانية، كما وضع آليات لضمان حماية المدنيين والتحقيق ورصد الانتهاكات.

فرصة للسلام

وفي أول رد رسمي على الإعلان، قال مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة إنه “اتفاق بين شركاء، وإن تحالف تقدم يمثل الحاضنة المعروفة للدعم السريع ويدعمها”.

ونفى عقار في تصريحات نشرت ليلة الأربعاء العلم باجتماع مرتقب مع تحالف تقدم، قائلا إنهم لم يتسلموا أي دعوة للاجتماع.

بدوره، قال رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك على منصة “إكس” إنه خاطب أمس الأربعاء قائد الجيش عبد الفتاح البرهان لحثه على قبول طلب الاجتماع المباشر مع تنسيقية القوى المدنية، لاغتنام الفرصة التي لاحت لوقف الحرب، والتي تم التعبير عنها في إعلان أديس أبابا الذي أبدت فيه قوات الدعم السريع استعدادها التام لوقف غير مشروط للعدائيات عبر تفاوض مباشر مع القوات المسلحة.

وأضاف حمدوك أن “هذه الفرصة للسلام يجب ألا نضيعها، وأن نعمل وسعنا لوقف الحرب وبناء سلام مستدام في بلادنا الحبيبة، إننا نمد أيادينا نظيفة من غير سوء للتوصل إلى حل سلمي تفاوضي”.

ورغم تضمن الاتفاق قضايا جوهرية تتصل بالحاجة لتوفير الحماية والمساعدات ووقف الانتهاكات الجسيمة فإن أصوات معارضيه بدأت في التزايد فور توقيعه باعتباره اتفاقا سياسيا يعزز محاولات الدعم السريع للحصول على ظهير سياسي يضمن بقاءه في السلطة، وطالت الانتقادات القوى المدنية لتجاهلها انتهاكات قوات الدعم السريع المرتكبة في كل المناطق التي وصلتها، وعدم تحديد الاتفاق مسؤوليتها المباشرة عن عمليات النهب الواسعة لممتلكات المواطنين.

بداية جيدة

من جهته، يصف القيادي في الحرية والتغيير ياسر عرمان اجتماع أديس أبابا بأنه “الأول والأشمل والأوسع بين قوى سياسية ومدنية سودانية مع الفريق قائد الدعم السريع وزملائه”، ولا سيما أنه قد انقطع عن اللقاءات السياسية مع قوى المجتمع المدني والسياسي منذ 14 أبريل/نيسان 2023.

ويقول عرمان “الاجتماع بداية جيدة لعامنا الجديد في طريق شاق ومعقد، وبداية لتراجع خطاب البندقية، وسيادة حوار السياسة في مربع السلام وضد الحرب”.

وأشار إلى أن تحالف “تقدم” طرح خلال الاجتماع وقف الحرب، والقضايا الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان، وحماية المدنيين وتأسيس الدولة، وإكمال مهام الثورة وبناء قوات مسلحة مهنية وقومية، وإنجاح اجتماع جيبوتي بين قائدي الجيش والدعم السريع لوقف الحرب.

انتقادات

ومع ترحيبه بكل المساعي المبذولة لوقف الحرب يوجه رئيس حزب “بناء السودان” وائل عمر انتقادات حادة إلى اجتماع أديس أبابا، متسائلا عن الأساس الأخلاقي الذي جعل التحاور والتفاوض مع الدعم السريع ممكنين بعد ارتكابها جرائم ترقى إلى التطهير العرقي وتهجيرها نحو 7 ملايين سوداني، علاوة على عمليات النهب والسرقة للأموال ولمئات الآلاف من المنازل والسيارات.

كما يشير في حديثه للجزيرة نت إلى دعم حزبه الجيش في تصديه للتمرد من منطلق الإيمان بأن التغيير الإصلاحي يتم بتقوية مؤسسات الدولة وزيادة حوكمتها، وليس إضعافها ولا مهاجمتها ولا إسقاطها، ولا يتردد في تأكيد أن “الحرب وما يقوم به الدعم السريع من انتهاكات هما نتاج طبيعي للتغيير الثوري الذي يحتكم إلى شرعية القوة والصراع بدلا من الشرعية الدستورية”.

ويذهب القيادي في قوى الحرية والتغيير- الكتلة الديمقراطية علي عسكوري في الاتجاه الناقد ذاته، رافضا اعتبار تنسيقية القوى المدنية جهة محايدة ترغب في الجلوس مع الطرفين لوقف إطلاق النار بعد توقيعها الإعلان مع الدعم السريع.

ويعتقد في حديثه للجزيرة نت أن الاتفاق الموقع بين “تقدم” وقوات الدعم السريع قُصد منه غض الطرف عن الانتهاكات والجرائم واسعة النطاق التي ارتكبتها القوات، كما يشير إلى إغفاله الإبادة الجماعية التي حدثت في دارفور بمناطق الجنينة واردمتا وزالنجي، وهي التي وصفتها جهات عديدة ومنظمات حقوقية بأنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، حيث إن “الاتفاق لم يشر إلى أي منها وتستر عليها”، وفق تعبيره.

ويذكر عسكوري أن الاتفاق يحمل تناقضات، بينها نصه على خروج الجيش من السياسة، في الوقت الذي يعتبر فيه الدعم السريع جزءا من الجيش، كما يرى أن الائتلاف أعطى الجيش فرصة على طبق من ذهب للعمل في السياسة، مما يعد تناقضا معروفا تسلكه دائما تلك المجموعة التي وصمها بـ”الانتهازية” لتحقيق أهدافها نحو السلطة وفق مبدأ الغاية تبرر الوسيلة.

ويعتقد عسكوري أن الاتفاق يحمل نقاطا خطيرة تتمثل في التأسيس لنهج جديد في إتاحة الفرصة للقوى السياسية الأخرى أن تكون لديها أجنحة مسلحة، ويشرع لمنطق القوة والحصول على السلاح بأي طريقة لفرض التفاوض.

دواء مر

ومن وجهة نظر الصحفية والمحللة السياسية شمائل النور فإن نجاح تحركات “تقدم” لوقف الحرب رهين باستجابة الطرف الآخر وهو الجيش، مشيرة إلى أن خطوات الائتلاف وآلياته مستمدة من التحركات الإقليمية والدولية التي تعمل على ضغط طرفي القتال من أجل وقف الصراع.

وتضيف شمائل في حديثها للجزيرة نت “إذا قبلت قيادة الجيش بما سيتم طرحه عليها وفقا لإعلان أديس فستكون هذه الخطوة الأولى للدفع باتجاه اتفاق وقف إطلاق النار”.

وترى في الانتقادات الموجهة إلى القوى المدنية لجلوسها مع الدعم السريع بعض المنطق من واقع الموقف الأخلاقي المتكامل الرافض لتقبل الدعم السريع بعد الانتهاكات التي ارتكبها، وتشير في الوقت ذاته إلى عدم منطقية النقد لاجتماع أديس أبابا، لأن البحث عن سلام واتفاق لا يجدي دون الجلوس مع قائد الدعم السريع.

وأضافت أن “واقع السياسة وما يجري على الأرض قد يضطر كثيرا من الناس لابتلاع الدواء المر، الجلوس مع حميدتي هو الأهم، وأن ينزع منه التزام قوي بوقف العمليات العسكرية وإنهاء المد اللامتناهي من الانتهاكات”.

وللمحلل السياسي صلاح الدومة وجهة نظر مختلفة بتأكيده عدم إغفال إعلان أديس أبابا المسؤولية عن الآلاف من القتلى، حيث نص الاتفاق على أن “كل طرف قام بانتهاك القانون يتحمل مسؤوليته، وكل من ارتكب جريمة يقدم لمحاكمة”.

ولفت الدومة إلى أن قوات الدعم السريع وقّعت في وقت سابق على الإعلان السياسي والوثيقة الدستورية التي تم بموجبها تكوين حكومة حمدوك الأولى بصورة منفردة وبحضور قائد الجيش، مما يدلل على اعترافه باستقلالية الدعم السريع السياسية، إلى جانب استقلاليتها العسكرية التي منحها لها القانون الذي أنشئت به.

ويؤكد الدومة أن “إعلان أديس أبابا هدف لوقف الصراع وعودة النازحين واللاجئين وخروج العسكريين (الجيش والدعم السريع) من مناطق وجود المدنيين إلى خارج المدن، وهذا يؤكد أن الاتفاق لا يكرس بأي شكل من الأشكال إلى عسكرة الحياة السياسية”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *