ما سر الحملة الشرسة في ألمانيا ضد زيارة أردوغان؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

برلين- حملة واسعة يشنها جزء كبير من الإعلام وحتى بعض السياسيين في ألمانيا ضد زيارة مقررة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى برلين هذا الشهر، بسبب تضامنه مع الفلسطينيين في غزة، واتهامه لإسرائيل بـ”ارتكاب جرائم ضد الإنسانية” في حربها على القطاع، وبـ “التصرف كتنظيم وليس كدولة” مما جعل إسرائيل تعلن إعادة تقييم علاقاتها مع تركيا.

وفي كل مرة يُعلن فيها عن زيارة لأردوغان إلى ألمانيا، أو كلما تستقبل أنقرة مسؤولاً ألمانياً، أو يلتقي مسؤولون من البلدين، تتصاعد الانتقادات ضد سياسات الرئيس التركي، لكن هذه المرة كان الصوت عالياً، بحكم وقوف الحكومة الألمانية على النقيض تماماً من الموقف التركي في الحرب على غزة، وتضامنها الكبير مع إسرائيل.

ووصل التضامن الألماني الحكومي مع تل أبيب درجة رفض وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك وقف إطلاق النار بغزة لأسباب إنسانية، خلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ قبل أيام، بحجة “ضرورة استمرار الحرب ضد الإرهاب” كما زار إسرائيل أثناء الحرب كل من بيربوك والمستشار الألماني أولاف شولتز ووزير الدفاع بوريس بيستوريوس.

يونس أولوسوي: لا يستطيع الغرب في عهد أردوغان التنبؤ بسياسات تركيا (الجزيرة)

النظرة الألمانية لأردوغان

يقول يونس أولوسوي الخبير بمركز الدراسات التركية وأبحاث الاندماج (ZfTI) في جامعة دويسبورغ – إيسن للجزيرة نت “أحداث غزة قمة جبل الجليد، وهي تعزز صورة سلبية عن أردوغان في ألمانيا، فالأمر لا يتعلق بالدرجة الأولى بالصراع في الشرق الأوسط، بل بسياساته وموقعه داخل السلطة في تركيا”.

ويوضح الباحث الألماني التركي أنه يُنظر لأردوغان في ألمانيا كشخص “يقمع المعارضة ويعادي الديمقراطية” لافتاً إلى أن “دوائر المعارضة التركية تنشط بشكل كبير بين الجمهور الألماني” رغم أن أردوغان اُنتخب ديمقراطياً في بلاده.

وصرّح بيجان غير ساراي الأمين العام للحزب الديمقراطي الحر، وهو حزب عضو بالحكومة الألمانية “خطاب الكراهية المستمر الذي يلقيه أردوغان ضد إسرائيل، وتضامنه مع منظمة حماس الإرهابية أمر لا يطاق” وقال المتحدث، وهو من أصول إيرانية، أنه “يجب أن يكون لهذا الأمر عواقب، وأنه يجب التساؤل ما إذا كان ينبغي لنا أن نرحب بأردوغان في ألمانيا لهذه الأسباب”.

حملة حزبية وإعلامية

ركز الإعلام الألماني كثيراً على وصف أردوغان حماس بأنها “حركة تحرر وطني” ووصف الحكومات الغربية بأنها “داعمة للجرائم ضد الإنسانية في غزة” حيث تصنف ألمانيا حماس في قوائم الإرهاب، وشددت إجراءاتها ضدها مؤخرا، حيث هددت بترحيل كل من يتعاطف معها من المهاجرين.

كما جاءت الانتقادات من يوهانس وينكل رئيس شباب حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (حزب المستشارة السابقة أنجيلا ميركل) الذي صرّح لصحيفة “بيلد” الشعبوية بأن “أردوغان كان ولا يزال إسلامياً، وهو يحرّض ضد إسرائيل منذ مدة، وفي ألمانيا” وأضاف “إذا كانت ألمانيا لا تزال تتمتع ببعض احترام الذات، فهذا هو الوقت المناسب لإلغاء زيارة أردوغان”.

وبدوره قال ماركوس زودر رئيس الاتحاد الاجتماعي المسيحي، وهو حزب حليف لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي “أمر خطير أن يدلي رئيس دولة عضو في الناتو بتلك التصريحات” وتحدث لصحيفة “ميركور” أنه “لا يجب الصمت عن تصريحاته” داعياً المستشار الألماني إلى اتخاذ موقف بخصوص زيارة أردوغان المرتقبة.

واتخذت عدة صحف الموقف نفسه من أردوغان، حيث نشر موقع صحيفة “فيلت” آراء كتاب وشخصيات يرفضون زيارة أردوغان، ويتهمونه بدعم الإرهاب، ومن ذلك مقال للصحفي التركي المعارض دنيز يوسيل الذي طالب شولتز بإلغاء الاستقبال.

كما كتبت صحيفة “تاغز شبيغل” أن أردوغان “يهدد السلام الداخلي في ألمانيا” وأنه “سيضاعف تحديات ألمانيا في التعامل مع مجتمعات الهجرة من خلال خطاباته التحريضية” في إشارة للدعم الكبير للقضية الفلسطينية بين أوساط المهاجرين العرب والمسلمين في ألمانيا.

ترسبات سياسية وأيديولوجية

لا يُخفي الساسة الألمان اختلافهم مع السياسة الخارجية التركية في ملفات كثيرة، ورغم أن التوتر الألماني التركي خفّ في عهد شولتز، خصوصاً مع اتباع أنقرة منذ مدة نهجاً جديداً لـ”تصفير المشاكل” ومن ذلك تخفيف لهجتها تجاه الغرب والاضطلاع بدور أكبر في الوساطة داخل حرب أوكرانيا، إلّا أن ذلك لم يمنع من استمرار ملفات الخلاف.

وتعاتب أنقرة برلين على انحيازها لليونان وقبرص اليونانية في خلافهما مع تركيا، وكذلك على دعمها للمعارضة التركية خصوصاً الجالية الكبيرة بألمانيا، بينما تنتقد برلين أنقرة في موضوع سجن صحفيين ومعارضين أتراك.

كما تتهم تركيا ألمانيا بـ”التستر على نشاط حزب العمال الكردستاني” الذي تصنفه برلين منظمة إرهابية، فضلاً عن ما تراه تركيا “فيتو ألماني” يمنع نقاشاً جدياً حول انضمامها لمجلس أوروبا، وسبق أن اتخذت ألمانيا مواقف متشددة تجاه دخول تركيا الاتحاد الأوروبي.

ويعلق الباحث يونس أولوسوي “لا يستطيع الغرب، في عهد أردوغان، التنبؤ بسياسات تركيا” ويقول إن “تركيا عضو في الناتو لكنها تحتفظ بعلاقات وثيقة مع روسيا، وكذلك تعمل مع إيران، فضلاً عن وقوفها إلى جانب أذربيجان، بينما يقف الأوروبيون إلى جانب أرمينيا في نزاع قره باغ” ويبرز أن تركيا تقدم نفسها بشكل مختلف، وتبين أنها لا تعتمد على الغرب.

علاقة متشابكة

يحضر عدد كبير من الأتراك في المظاهرات المناصرة للفلسطينيين بألمانيا، بحكم أن الأتراك هم أكبر جالية أجنبية في البلاد، مما يجعل المؤسسات الإسلامية التركية هي الأكبر، لكن جلّ الهيئات التركية بألمانيا حاولت البقاء على خط متوازن في الحرب على غزة، ومن ذلك موقف اتحاد الديمقراطيين الدوليين “يو آي دي” (UID) وهو تجمع لمنظمات مدنية تركية، مقره مدينة كولونيا الألمانية، وينظر له على أنه لوبي داعم لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.

وصرّح الاتحاد بـ “ضرورة وقف إطلاق النار بغزة في أسرع وقت، وإعطاء فرصة للسلام، والتوقف فوراً عن قتل النساء والأطفال والرضع، وكذلك إطلاق جميع الرهائن” كما عبرت هيئات إسلامية تركية عن موقف مماثل.

ورغم نشاط المعارضة التركية بألمانيا، وفتح المجال أمام وجوه منها بالإعلام، فإن أردوغان يتمتع بشعبية كبيرة بين أتراك ألمانيا، إذ حصل على قرابة ثلثي أصوات الناخبين بالانتخابات الرئاسية الأخيرة، وفي حين أن برلين لا تعبر رسمياً عن رفض استمرار أردوغان رئيساً لتركيا، فهناك إرهاصات عديدة لرغبة الغرب عموماً في تغيير القيادة التركية.

ويشير الباحث أولوسوي إلى أن تغيير نظرة الألمان لأردوغان أمر صعب، لكن في الوقت نفسه، تبقى علاقات ألمانيا وتركيا وثيقة للغاية وخصوصاً التجارية، بحكم أن ألمانيا شريكها التجاري الأول، وكذلك بحكم “القرابة” التي تجمعهما، ويجسدها حوالي 3 ملايين من الجالية التركية في ألمانيا، ويقول “ليس من الضروري أن يحب الأقارب بعضهم البعض، لكن لا يمكنهم تطبيق طلاق نهائي”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *