الخرطوم- حذر خبراء من الاستغلال السياسي للمقاومة الشعبية في السودان أو انحرافها عن الدفاع عن المواطنين ومساندة الجيش إلى استخدام سلاحها في الصراعات القبلية والطائفية، وذلك بعد تشكيل هيئة قومية تحت مسمى “المقاومة الشعبية” واختيار القيادي المجتمعي في ولاية غرب كردفان أحمد صالح الصلوحة رئيسا لها قبل 3 أيام.
وبدأت منذ 8 أشهر حملة لاستنفار المواطنين لدعم الجيش في مواجهة قوات الدعم السريع، ودعت مجموعات قبلية واجتماعية أبناءها إلى حمل السلاح دفاعا عن مناطقهم، وذلك بعد تمدد قوات الدعم السريع من الخرطوم نحو إقليم دارفور وولايات كردفان وسيطرتها على ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة في منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وسبق أن دعا عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش في أواخر يونيو/حزيران الماضي شباب السودان للانضمام إلى الجيش لمواجهة “الدعم السريع”، قائلا “كل من هو قادر على حمل السلاح فليذهب إلى أقرب وحدة عسكرية”.
بداية ضد التمرد
ينحدر الصلوحة من قبيلة المسيرية العربية، وهي ثاني أكبر مكون قبلي في قوات الدعم السريع بعد قبيلة الرزيقات في دارفور، والتي ينتسب إليها قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” ونائبه عبد الرحيم دقلو.
وخلال مؤتمر صحفي عقب اختياره اعتبر صلوحة أن تشكيل الهيئة في هذا التوقيت يمثل “صفعة قوية للتمرد، ولكل الذين خلفه من عملاء الداخل والخارج”، وقال إن “الهيئة مفتوحة لكل أهل السودان بلا تمييز قبلي أو سياسي أو جهوي”.
ووصف صلوحة المليشيات المتمردة بـ”اللصوص” وقال إنهم “مرتزقة جاؤوا من 15 دولة لتدمير السودان وكسر هيبة الجيش وإضعاف البلاد وتفتيتها إلى دويلات صغيرة يسهل ابتلاعها”.
وأوضح أن “المقاومة الشعبية ستقاتل تحت إمرة القوات المسلحة بعد نهضة الشعب للدفاع عن أرضه وماله وعرضه، وتتحمل مسؤوليتها في قيادة المقاومة الشعبية وتنسيقها بولايات البلاد المختلفة”.
ورأى صلوحة أن الحديث عن تجييش الشعب “كلمة حق أريد بها باطل”، واعترف بأن بعض أهله من قبيلة المسيرية “ساندوا الدعم السريع في التخريب الذي حدث”، ولكنه وعد بتصحيح ذلك.
وفي تسجيل صوتي أمس الثلاثاء، قال الصلوحة إن اتصالاته مع قيادات ميدانية في قوات الدعم السريع من أبناء قبيلته أفلحت في دفعهم إلى ترك القتال وللعودة إلى مناطقهم في غرب كردفان، مما أدى إلى إحباط محاولات “الدعم السريع” المتعددة للسيطرة على مقر قيادة الجيش في مدينة بابنوسة وتكبيدها خسائر كبيرة.
دعم شعبي
ويوضح مسؤول عسكري -طلب عدم الكشف عن هويته- أن دور هيئة المقاومة الشعبية يتمثل في استنهاض القادرين على حمل السلاح للانخراط في المقاومة للدفاع عن وطنهم وأهلهم عبر مساندة الجيش للقيام بواجباته.
ويقول المسؤول للجزيرة نت إن “الهيئة ليس لها دور عسكري وإنما شعبي، بمتابعة أحوال المشاركين في المقاومة بعد استنفارهم خلال المرحلة السابقة وتنسيق شؤونهم عبر آلية مجتمعية”.
وفي السياق ذاته، يرى وزير الداخلية الأسبق بشارة جمعة أرو أن الجسم الجديد سيكون قوميا لنصرة الوطن، يربط الولايات وينسق الجهود لدعم القوات المسلحة.
وفي حديث للجزيرة نت يعتقد جمعة أرو أن المخاوف بشأن استخدام السلاح الذي يوزع على المقاومة الشعبية في صراعات قبلية أو دوافع شخصية يمكن تجاوزها لأن السلاح سيوزع تحت مسؤولية الجيش، تجنبا لتجارب في عهد سابق أدت إلى انتشار السلاح في يد المواطنين والقبائل، مما يهدد الأمن وضرب النسيج الاجتماعي في البلاد.
ويتهم قوات الدعم السريع وقوى سياسية موالية لها في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) بمحاولة التشويش على المقاومة الشعبية بمزاعم أنها تمثل تيارات سياسية محددة.
ويكشف جمعة أرو أن المعلومات المتوفرة لديه وتقديراته بأن الحرب بدأت بالعد التنازلي و”الدعم السريع” في تراجع وستشهد تصدعات وانقسامات خلال الفترة المقبلة بعد فقدانها قوتها الصلبة وتقطّع أوصالها وابتعاد قيادتها العسكرية والسياسية.
خطر تمرد جديد
من جهته، يدعو الأستاذ في مركز الدراسات الدبلوماسية الدكتور عبد الرحمن أبو خريس إلى “ضوابط مشددة في توزيع السلاح، كحصره على القادرين على حمله واستخدامه، وتناسب حجم السلاح مع عدد السكان في كل ولاية، وجمعه بعد انتهاء الحرب”.
ويحذر أبو خريس في حديثه للجزيرة نت من أن “غياب الضوابط سيؤدي إلى انفلاتات أمنية وإلى استخدام السلاح في نزاعات قبلية وطائفية ومناطقية”.
ويرى أن “من أبرز التحديات التي تواجه المقاومة الشعبية وستؤدي إلى إضعافها غياب الإجماع وتعدد الصراعات المحلية والانقسام السياسي وغياب الرؤية الوطنية تجاه الحرب واصطفاف قوى حزبية إلى جانب أطرافها”.
كما يحذر من أن “أي محاولة لاستغلال هيئة المقاومة الشعبية سياسيا ووضعها في إطار سياسي أو أيديولوجي ستكون فهما قاصرا سينقلب على أصحابه وسيقود إلى تمرد جديد أكثر تعقيدا”.
من جهته، يرى الخبير الأمني آدم إسماعيل أن “هيئة المقاومة الشعبية جسم سياسي لا مبرر له، وأنه إذا اقتضت ضرورة التصدي لانتشار الدعم السريع والانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها بحق المدنيين فإن المقاومة ينبغي أن تكون لمهام مؤقتة”.
ويقول إسماعيل للجزيرة نت إن “هناك قوات احتياط يمكن استدعاؤها إذا رأت قيادة المؤسسة العسكرية أنها في حاجة إليها حتى لا يتم اللجوء إلى استخدام عناصر ليس لديها خبرة قتالية، وسيؤدي توزيع السلاح إلى تعدد المجموعات العسكرية، مما يجعلها مهددا أمنيا”.