القاهرة– تلوح في الأفق جبهة جديدة من التوتر بين مصر وإثيوبيا، في أعقاب توقيع الأخيرة اتفاقا وصفته “بالتاريخي” مع “أرض الصومال” (الانفصالية)، يوفر لها منفذا بحريا عبر ميناء بربرة على البحر الأحمر.
سارعت مصر إلى رفض الاتفاقية، وطالبت أديس أبابا بالامتناع عن الانخراط في إجراءات أحادية تزيد من حدة التوتر، وتعرّض مصالح دول المنطقة وأمنها القومي للمخاطر والتهديدات.
وأكدت الخارجية المصرية -في بيان لها الأربعاء الماضي- معارضتها “أي إجراءات من شأنها الافتئات على السيادة الصومالية”، مشددة على “ضرورة الاحترام الكامل لوحدة وسيادة جمهورية الصومال الفدرالية على كامل أراضيها”.
واعتبرت مصر أن تزايد ما سمته بـ”التحركات والإجراءات والتصريحات الرسمية، الصادرة عن دول في المنطقة وخارجها”، تقوض من عوامل الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، وتزيد من حدة التوترات بين دولها.
مخاوف مصرية
تستند مصر في رفضها للاتفاقية إلى أنها تخالف أهداف القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي، ومنها “الدفاع عن سيادة الدول الأعضاء ووحدة أراضيها واستقلالها”، ومبادئ الاتحاد التي تنص على “ضرورة احترام الحدود القائمة عند نيل الاستقلال، وعدم تدخل أي دولة عضو في الشؤون الداخلية لدولة أخرى”.
وقبل أيام من انتهاء عام 2023، أعلنت مصر انتهاء مسار مفاوضات سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا، بعد انتهاء اجتماع رابع وأخير في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
وحمّلت القاهرة أديس أبابا فشل المفاوضات، بسبب مواقفها الرافضة للأخذ بأي من الحلول الفنية والقانونية الوسطية، التي من شأنها تأمين مصالح الدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا، فضلا عن تمادي الجانب الإثيوبي في التراجُع عما تم التوصل له من تفاهمات، ملبية لمصالحها المُعلنة.
رفض صومالي وتمهل أفريقي
وكان الحكومة الصومالية قد بادرت لرفض الاتفاق بين “أرض الصومال” وإثيوبيا بشكل شديد منذ اللحظات الأولى، واستدعت سفيرها في أديس أبابا للتشاور، وأكد رئيس الوزراء حمزة عبدي بري أن بلاده “ستدافع عن أراضيها بشتى السبل القانونية الممكنة”.
وبعد أيام من رفض الاتفاقية، أعلن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، مساء السبت، إلغاء مذكرة تفاهم بين إدارة الإقليم الشمالي “أرض الصومال” وإثيوبيا، التي تنص على منح أديس أبابا منفذا بحريا عسكريا وتجاريا عبر أراضيها.
لكن موقف الاتحاد الأفريقي لم يكن حاسما، إذ دعا رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد إلى “الهدوء والاحترام المتبادل لتهدئة التوتر المتصاعد بين حكومتي إثيوبيا والصومال”، حسب ما جاء في بيان نشره موقع المفوضية.
يُذكر أن إقليم أرض الصومال “صوماليلاند” لم ينل اعترافا دوليا منذ إعلانه الاستقلال عام 1991، ويعتبر الصومال الإقليم جزءا من أراضيه.
إثيوبيا الحبيسة
بموجب مذكرة التفاهم، تحصل إثيوبيا على منفذ بحري في منطقة ميناء بربرة، من المتوقع استخدامه في أغراض عسكرية وتجارية، وقد تحصل “أرض الصومال” كذلك على أسهم في الخطوط الجوية الإثيوبية، وهي أكبر شركة طيران في أفريقيا.
وفي أعقاب توقيع الاتفاق، قال مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد -عبر منصة إكس- إن الاتفاق “سيفتح الطريق أمام تحقيق تطلع إثيوبيا إلى تأمين وصولها إلى البحر، وتنويع وصولها إلى الموانئ البحرية”، مضيفا أن الاتفاق “يعزز الشراكة الأمنية والاقتصادية والسياسية للطرفين الموقعين”.
وكانت إثيوبيا قد تحولت إلى دولة حبيسة بعيدة عن مصادر المياه بعد استقلال إريتريا عام 1993، إذ فقدت منفذا بحريا مستداما وسياديا على البحر الأحمر، عبر ميناءي “عصب” و”مصوَّع”.
واعتمدت منذ ذلك الحين في تجارتها الدولية على جيبوتي، حيث يمر أكثر من 95% من وارداتها وصادراتها عبر ممر “أديس أبابا – جيبوتي”، مقابل 1.5 مليار دولار سنويا، في الوقت الذي تواجه فيه أزمة في سداد ديونها.
مبررات قلق القاهرة
يقول الخبير في الشأن الأفريقي والأمن القومي اللواء محمد عبد الواحد إن “مصر حريصة منذ تسعينيات القرن الماضي على رفض دعم الكيانات الانفصالية في أفريقيا، حتى لا تفتح الباب أمام الكيانات الأخرى في اليمن ونيجيريا والصومال”، وأضاف “لقد زرت أرض الصومال في التسعينيات، والتقيت رئيسها حينها إبراهيم عقال، الذي أكد لي حرصهم على الوحدة، وأن هناك من يدفع نحو الانفصال”.
واعتبر الخبير، في حديثه للجزيرة نت، أن “خطورة ذلك الاتفاق ليس في إقامة ميناء تجاري، إنما الهدف هو إقامة قاعدة عسكرية ضمن إستراتيجية آبي أحمد (رئيس وزراء إثيوبيا) في الوصول إلى منافذ بحرية، في أماكن بدول الجوار، وهو جزء من دعم غربي له، وهذا التوسع يقلق مصر وإريتريا والصومال وجيبوتي، مع الأخذ في الاعتبار المواقف العدائية تجاه مصر، ومحاولة الإضرار بأمنها المائي”.
ورأى عبد الواحد أنه “لا يمكن فهم ذلك بمعزل عن تطورات الأوضاع في القرن الأفريقي، والدعم الدولي والإقليمي للتحرك في هذا الاتجاه، إذ تراهن الدول الغربية على زيادة النفوذ الإثيوبي في أفريقيا”، وذكر عن تاريخ إثيوبيا أنها “كانت حائط الصد للمد العربي الإسلامي إلى جنوب القارة السمراء، وهو ما يفسر أنها لم تُحتل في تاريخها كله إلا 5 سنوات من قبل إيطاليا، وقام المجتمع الغربي ولم يقعد حينها، وفرض عقوبات قاسية على روما”.
تنظر إثيوبيا ورئيس وزراءها إلى منطقة القرن الأفريقي وحوض النيل والبحيرات العظمى بوصفها منطقة نفوذ إقليمي، حسب الخبير الأمني، وتساعده في ذلك الدول الغربية، من خلال دعمه ومنحه جائزة “نوبل للسلام”، رغم الأزمات الأمنية داخليا ومع دول الجوار، وأزمات استغلال الموارد المائية مع تلك الدول من خلال إقامة السدود على الأنهار الذاهبة إلى مصر وكينيا وجيبوتي والصومال.
خيارات مصر
تعتقد مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية أماني الطويل “أن هناك رفضا ليس مصريا فقط للخطوة الإثيوبية -غير التجارية- التي تتنافى مع أبسط مبادئ القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي، التي تنص على الدفاع عن سيادة الدول الأعضاء ووحدة أراضيها واستقلالها”.
وتضيف الطويل للجزيرة نت “بغض النظر عن أزمة الميناء الذي تريد إثيوبيا إقامته، فإن المشكلة تكمن في الاعتراف بأرض الصومال، والتعامل معها بشكل منفرد بعيدا عن السلطة المركزية الصومالية، مما يعني تهديدا لدولة الصومال، وهي دولة ذات موقع جيوسياسي مهم، بإطلالتها على مضيق باب المندب والمحيط الهندي وخليج عدن”.
وفي ما يتعلق بخيارات مصر لرفض مثل هذه الخطوة، وهل تظل في حدود إصدار بيان إدانة وشجب، أوضحت أن هناك خطوات أخرى مثل “ممارسات ضغوط على أرض الصومال لوقف مثل هذا الاتفاق، ومساندة ودعم الصومال في عدم الاعتراف بهذا الاتفاق من ناحية أخرى”.
وقللت الطويل من أثر التوجه للاتحاد الأفريقي في لعب دور قوي في دفع الدول المخالفة لمبادئ الاتحاد، بدعوى أنه لم يقدم أي حلول جذرية في عديد من الأزمات التي تمر بها الدول الأفريقية، مثل أزمة سد النهضة على سبيل المثال، مشيرة إلى أن “وجود قاعدة عسكرية إثيوبية على البحر الأحمر تمثل تهديدا للأمن القومي والملاحي فيه، لأنها علاقة صراعية وغير تعاونية”.