غزة- تسبب تعليق منظمة “المطبخ المركزي العالمي” عملها في قطاع غزة بضرر كبير في قدرة الكثير من الفلسطينيين على توفير الطعام لعائلاتهم، وذكر مسؤولون ومراقبون في أحاديث منفصلة للجزيرة نت أن غياب المنظمة الدولية أحدث فراغا لم تملأه جهات إغاثية أخرى حتى الآن.
وكانت المنظمة قد قررت في 2 أبريل/نيسان تعليق عملها بشكل مؤقت في القطاع، بعد مقتل 7 من أعضاء فريقها بغارة إسرائيلية، وطالب مؤسس المنظمة الطاهي خوسيه أندريس، في حسابه على منصة “إكس” الحكومة الإسرائيلية بـ”التوقف عن القتل العشوائي وعن تقييد المساعدات الإنسانية، وقتل المدنيين وعمال الإغاثة، والتوقف عن استخدام الغذاء سلاحاً”.
وتعمل “المطبخ المركزي العالمي”، وهي منظمة غير ربحية مقرها الولايات المتحدة، على تقديم المساعدات الغذائية في المناطق المنكوبة بالعالم أو مناطق النزاعات والحروب، حيث أعلنت نهاية الشهر الماضي أنها وزعت 42 مليون وجبة في قطاع غزة خلال أيام الحرب، وكانت مساعدات المطبخ الغذائية توزع بشكل خاص على المستشفيات ومراكز الإيواء.
فراغ لم يُملأ
يقول المتحدث باسم مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح الدكتور خليل الدقران إن “المطبخ كان يقدم خلال شهر رمضان 3 آلاف و200 وجبة يومية، ما بين إفطار وسحور للمرضى والجرحى والعاملين في المستشفى، كما كان يقدم قبل شهر رمضان 1600وجبة يومية”.
وذكر الدقران في حديث خاص للجزيرة نت أن “المطبخ قدّم قبل فترة 1300 طرد غذائي لنزلاء وموظفي المستشفى”، لكن ومنذ تعليق عمل المطبخ في بداية الشهر الجاري، توقفت كافة المساعدات الغذائية التي كان يحصل عليها المستشفى دون أن يتمكن من تعويضها من جهات أخرى.
وقال أحد موظفي فريق المطبخ في قطاع غزة، إن تعليق العمل أحدث فراغا كبيرا، ولم ينجح أحد في ملئه حتى الآن، وذكر الموظف الذي تحدث للجزيرة نت وطلب عدم الكشف عن هويته؛ لأنه غير مخوّل بالحديث لوسائل الإعلام، إن “المطبخ كان يموِّل قبيل قرار توقيف العمل، نحو 80 مطبخا في وسط وجنوب القطاع”.
وأوضح المتحدث نفسه أن غالبية المطابخ، والتي تبلغ نحو 70 مطبخا، كانت في مدينة رفح، التي تضم أكثر من مليون شخص غالبيتهم من النازحين، وقال إن المنظمة الدولية كانت تُشرف وتمول المطابخ، وتمدها بالمواد اللازمة لتجهيز الطعام وتوزيعه على المحتاجين.
وأضاف “كنا نمد المطابخ بالمواد اللازمة، كالأوعية الكبيرة والبقوليات والبهارات واللحوم، وكل ما يلزم”، وحذر من أن استمرار تعليق عمل المطبخ، أو عدم ملء الفراغ من قبل مؤسسات أخرى، سيتسبب في جوع كثير من الناس.
وتابع “الناس تسألنا كل يوم: متى ستعودون للعمل؟ فهم يعتمدون على المطبخ بشكل أساسي، وبدونه ممكن أن يجوعوا فعلا”، وأعرب عن أسفه لعدم تمكن أي جهات إغاثية أخرى من سد الفراغ الذي أحدثه تعليق عمل المطبخ.
جهد استثنائي
وحول طبيعة عمل المطبخ في غزة، قال الموظف إنه كان يندرج ضمن 3 مستويات، أولها تقديم الطعام لنزلاء المستشفيات والهيئات الطبية والعاملين فيها، أما الثاني فهو خاص بالنازحين في مراكز الإيواء.
وتمثل المستوى الـ3 باستقبال الفلسطينيين الذين تُجبرهم إسرائيل على النزوح من شمالي القطاع إلى جنوبيِّه، حيث أقامت “نقطة ترحيبية” بالقرب من وادي غزة لاستقبالهم، وتقديم الإغاثة لهم.
وحول إمكانية عودة المؤسسة للعمل في القطاع، علم الموظف أنها لن تتم قبل أن تتلقى المنظمة ضمانات حقيقية بعدم تكرار استهداف إسرائيل لطواقمها، وأعرب عن اعتقاده أن الاعتداء على طاقم المنظمة كان مقصودا، ويهدف إلى منعها من العمل في مناطق شمالي قطاع غزة التي تعاني من المجاعة.
وذكر المصدر ذاته أن المطبخ المركزي كان يخطط لـ”إغراق شمالي القطاع بالمساعدات الإغاثية”، وكان يعمل على إنشاء مطبخين كبيرين، الأول في مدينة غزة، والثاني في محافظة شمال القطاع، لتقديم عدد كبير من الوجبات الغذائية اليومية للسكان.
وأشار كذلك إلى أن المؤسسة ساهمت في تشغيل نحو 300 فلسطيني، ما بين طباخين وخبازين وإداريين وسائقين وغيرهم، وهم بدورهم يعيلون مئات الأسر.
تعميق المجاعة
أكد مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة أن “تعليق عمل المطبخ المركزي عمله ترك ضررا كبيرا وآثارا سلبية، كان لها تأثير واسع على شريحة كبيرة من النازحين والمرضى والطواقم الطبية”.
وأضاف الثوابتة للجزيرة نت “كان المطبخ المركزي العالمي يقدم وجبات الطعام اليومية للآلاف من هؤلاء، ولكن بعد توقف عمله حُرموا من الوجبة التي كانت توفر لهم مصدرا غذائيا مهما، في ظل استخدام الاحتلال لسياسة التجويع وتعميق المجاعة في محافظات قطاع غزة”.
ورأى المتحدث ذاته أن توقف عمل المطبخ فاقم مشكلة الجوع بشكل أكبر مما كانت عليه، حيث كانت آلاف الأسر النازحة والجرحى والمرضى يعتمدون على المطبخ لتوفير وجبات الطعام اليومية.
كما ذكر أن “توقف عمل المطبخ تسبب في حرمان آلاف المستفيدين من التغذية السليمة، حيث كان يوفر وجبات متوازنة غنية بالعناصر الغذائية، مما يساهم في تحسين صحة النازحين والجرحى والمرضى، خاصة الأطفال وكبار السن”.
وحسب إسماعيل الثوابتة فإن هذا التوقف يزيد من الضغط على الأسر النازحة وعلى الجرحى والمرضى، حيث يفاقم مشكلة الفقر ويضطر هؤلاء إلى توفير المال لشراء الطعام، مما يزيد من الضغط المالي عليهم، ويؤثر على قدرتهم على تلبية احتياجات أخرى ضرورية.
ودعا الثوابتة المطبخ المركزي العالمي إلى ضرورة العودة إلى العمل والاستمرار بتقديم الوجبات لسكان القطاع، لإنقاذهم من الواقع المعيشي الصعب الذي يعيشونه.
ويتفق الخبير الاقتصادي محمد أبو جيّاب مع الثوابتة في أن غياب المطبخ المركزي تسبب بضرر فادح للأمن الغذائي في غزة، وقال أبو جياب للجزيرة نت “المطبخ كان عاملا مهما في معالجة أزمة فقدان الأمن الغذائي، واستطاع خلال الشهور الماضية سد فراغ كبير في موضوع توفير الوجبات الغذائية للأفراد والعائلات، من خلال سلسلة طويلة من التكيات التي كانوا يمولونها سواء بإمدادها بالمواد أو إنشائها من الصفر”.
واستدرك بالقول “لكن يبدو أن إسرائيل لا تريد لمن يعالج هذه الأزمة أن يمضي قدما في هذا المجال، وذلك أن هذه المؤسسة لها خطط كبيرة مع منظمات دولية ومحلية لمحاولة إدخال كميات كبيرة من المساعدات”، وطالب المؤسسات الإغاثية الدولية والمحلية بضرورة العمل العاجل على محاولة سد الفراغ الذي أحدثه غياب المطبخ المركزي.