غزة- بعد استشهاد صديقه نضال سلامة داخل مجمع ناصر الطبي في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، يخشى “أبو محمد” على حياة شقيقين جريحين ربطته بهما علاقة صداقة، وتكفّل بالعناية بهما لأكثر من شهرين داخل المجمع، الذي أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية خروجه عن الخدمة، إثر سيطرة الاحتلال الإسرائيلي عليه.
من بين الجرحى والمرضى داخل مجمع ناصر الطبي، كان نضال واحدا من 7 مرضى استشهدوا خلال الأيام الثلاثة الماضية. ويقول أبو محمد إن حالته لم تكن حرجة، لكنه توفي بسبب حصار المستشفى وسيطرة الاحتلال عليه، وعدم توفر الطواقم الطبية والعلاج، والخطر يهدد حياة عشرات آخرين.
وحوّلت قوات الاحتلال هذا المجمع الطبي الأكبر في جنوب القطاع إلى “ثكنة عسكرية”، وأخرجته عن الخدمة بعد اقتحامه، وإجبار آلاف النازحين الذين احتموا به وكذلك المرضى فيه على مغادرته، في حين تبقى بداخله عدد محدود من جرحى الحرب والطاقم الطبي.
وبرفقة حشود من النازحين والمرضى، اضطر أبو محمد، الذي فضّل الحديث للجزيرة نت بكنيته كونه يعمل في منظمة طبية دولية لا تخوله بالحديث لوسائل الإعلام، إلى النزوح عن المجمع الطبي عند الساعة الثانية بعد منتصف ليل الخميس الماضي، وسيرا على الأقدام لنحو ساعتين نحو مدينة رفح على الحدود مع مصر جنوب القطاع.
خطر الموت محدق
وبكثير من الحزن والقلق تحدث عن اللحظة الأخيرة له داخل المجمع، عندما فارق الشقيقين الجريحين خالد وأحمد شبير، وهما ناجيان من غارة جوية إسرائيلية على منزلهما، أسفرت عن استشهاد والديهما وآخرين، وقال “استشهد نضال، والقدر وحده يعلم مصير خالد وأحمد وكل الجرحى والمرضى في مجمع ناصر”.
لأكثر من شهرين كان أبو محمد متكفلا برعاية الشقيقين خالد (30 عاما) وأحمد (22 عاما)، ونُسجت بينهم صداقة، ويخشى عليهما من موت محتوم، ما لم تسمح قوات الاحتلال بإعادة تشغيل المجمع، وقد انقطع اتصاله بهما لليوم الثالث على التوالي.
ويعاني الشقيقان شبير من كسور في الأطراف، وجروح في أنحاء الجسد، ويحتاجان إلى رعاية طبية خاصة. وبحسب أبو محمد فإن هذه الرعاية غير متوفرة في المجمع منذ ثلاثة أيام، جراء وقوعه تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية الكاملة.
ولم يتبقَ في المجمع سوى 25 كادرا طبيا، لا يستطيعون التعامل مع الحالات التي تحتاج إلى رعاية سريرية فائقة. ووفقا للمتحدث باسم وزارة الصحة أشرف القدرة، فإن “خطر الموت يحدق بنحو 120 مريضا وجريحا داخل المجمع”.
اعتقال المرضى
ويقول القدرة للجزيرة نت إن “الاحتلال الإسرائيلي وضع الكوادر الطبية لساعات طويلة في مبنى الولادة وهم مقيدو الأيدي، واعتدى عليهم بالضرب وجرّدهم من ثيابهم، واعتقل 70 منهم، من بينهم طبيب العناية المركزة التي خلت حاليا من أي طبيب لمتابعة الحالات الحرجة”.
واعتقلت قوات الاحتلال عشرات المرضى الذين لا يستطيعون الحركة، ووضعتهم على أسرّة للجيش، ونقلتهم في شاحنات عسكرية، واقتادتهم إلى جهة غير معلومة، مما يعرض حياتهم للخطر، بحسب إفادة القدرة الذي يؤكد انقطاع الاتصال بإدارة وطواقم المجمع.
ويغرق المجمع في ظلام دامس جراء توقف المولدات الكهربائية لليوم الثالث، مما أدى إلى انقطاع المياه عن المجمع بأكمله أيضا، في حين غمرت مياه الصرف الصحي أقسام الطوارئ في مبنى الجراحة، ويرفض الاحتلال التنسيق لإصلاحها.
وفي ظل هذا الواقع المأساوي، وفي ظروف قاهرة وغير آمنة، يقول القدرة إن 3 نساء من بينهن طبيبة في المجمع وضعن مواليدهن، وبلا أي مقومات من مياه وطعام وكهرباء ونظافة ورعاية طبية.
وهذا المجمع المكون من عدة مستشفيات في تخصصات الباطنة والعظام والكسور المعقدة والجراحة العامة والمتخصصة والولادة والأطفال والحضانة والوجه والكفين والخدمات التشخيصية وعناية القلب والحروق، هو الأكبر في جنوب القطاع، والثاني على مستوى قطاع غزة بعد مجمع الشفاء الطبي الذي تعرضت لهجوم وتدمير واسعين.
وحتى قبيل اقتحامه والسيطرة عليه وتحويله لثكنة عسكرية وإخراجه عن الخدمة، كان مجمع ناصر واحدا من 11 مستشفى لا يزال يعمل ويقدم الخدمات الطبية لآلاف الجرحى والمرضى، من أصل 36 منشأة طبية في القطاع تعرضت للاستهداف المباشر وغير المباشر منذ بداية العدوان.
أوضاع خطيرة وكارثية
ويهدد الهجوم على مجمع ناصر الطبي حياة مئات الآلاف من سكان جنوب القطاع والنازحين إليه، خصوصا في مدينتي رفح وخان يونس المتجاورتين. ويقول المتحدث باسم الصحة “هذا المجمع يعتبر العمود الفقري للخدمات الصحية في جنوب قطاع غزة”.
وقالت منظمة الصحة العالمية إن نحو 200 مريض ما زالوا موجودين داخل مجمع ناصر، 20 منهم على الأقل يحتاجون لنقلهم بشكل عاجل إلى مستشفيات أخرى لتلقي الرعاية الصحية، وأي تأخير في نقلهم سيكون ثمنه حياتهم.
وعلى مدار اليومين الماضيين، رفضت قوات الاحتلال السماح لفريق من المنظمة بدخول المجمع لتقييم أوضاع المرضى والاحتياجات الطبية الماسة، وإمداده بالوقود وبمساعدات طبية وإغاثية.
ويلقي خروج مجمع ناصر عن الخدمة بظلاله الثقيلة، ويشكل ضغطا هائلا على مستشفى “الشهيد أبو يوسف النجار” الصغير والوحيد في مدينة رفح.
ويقول مدير المستشفى ورئيس لجنة الطوارئ الصحية بالمدينة الدكتور مروان الهمص للجزيرة نت “مع خروج ناصر عن الخدمة زادت أعداد النازحين لرفح، وازداد عبء الحالات المرضية”.
ويشهد مستشفى النجار، وفقا للهمص، ضغطا كبيرا في الوقت الحالي مع استقباله 191 مريضا أجبرهم الاحتلال على النزوح ومغادرة مجمع ناصر الطبي، إضافة إلى 30 مريضا بالكلى رفعوا العدد الكلّي للمرضى إلى 580 مريضا لا يمكن لوحدة غسيل الكلى القديمة والمتهالكة تلبية احتياجاتهم الطبية.
وبشكل ملحوظ ارتفعت حالات المراجعين لقسم الاستقبال والطوارئ في مستشفى “النجار”، وجراء ذلك “اختفت أدوية كنا نعاني من شحها، مثل أدوية القلب ومستلزمات غسيل الكلى”، فضلا عن أن المستشفى أصبح، بحسب تأكيد الهمص، وجهة الجرحى والشهداء من مدينتي رفح وخان يونس، وبات الوضع أكثر خطورة وكارثية.