القاهرة- بعد انتهاء اجتماع رابع وأخير في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أعلنت وزارة الري المصرية، في بيان الثلاثاء، انتهاء مسار مفاوضات سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا.
وتابع البيان أن “مصر ستراقب عن كثب عملية ملء وتشغيل سد النهضة، وأنها تحتفظ بحقها المكفول بموجب المواثيق الدولية للدفاع عن أمنها المائي والقومي في حالة تعرضه للضرر”.
وفي اليوم التالي لم يصدر أي بيان جديد بعد عرض وزارة الري نتائج المفاوضات على مجلس الوزراء المصري، واكتفى بالتأكيد على احتفاظ القاهرة بحقها في الدفاع عن أمنها المائي، دون أن يوضح كيفية ذلك.
الموقف المصري الرسمي
وبخصوص موقف مصر من فشل المفاوضات الأخيرة، أكد وزير الموارد المائية والري هاني سويلم أن “البيان الصادر عن الوزارة، حول انتهاء مفاوضات سد النهضة، يعبر عن موقف الدولة المصرية”.
وكانت القاهرة، المتضرر الأكبر من سد النهضة، تعلق آمالا كبيرة على نجاح مسار المفاوضات الذي سبق إطلاقه، منتصف يوليو/تموز الماضي في إطار توافق الدول الثلاث على الإسراع بإنهاء الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد خلال 4 أشهر.
وتعزو وزارة الري فشل الاجتماع الأخير إلى استمرار مواقف إثيوبيا المعارضة على مر السنوات الماضية للتوصل إلى أي حل وسط فني أو قانوني يضمن مصالح الدول الثلاث.
تغير قواعد اللعبة
وقواعد التفاوض في الجولة الأخيرة تغيرت عما كانت عليه قبل عدة سنوات، كما يقول أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة عباس شراقي. ويوضح “في البداية كانت حول الدراسات الهندسية للسد وتقييم آثاره على دولتي المصب مصر والسودان، ثم التفاوض حول تنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدوليين، ثم التفاوض حول قواعد ملء وتشغيل السد، والآن مع المرحلة الخامسة لعملية الملء الصيف المقبل أصبحت هناك قواعد جديدة”.
وبشأن طبيعة تلك القواعد الجديدة التي انتقلت إليها عملية المفاوضات، وتعتبر حجر العثرة وسبب فشلها، أوضح شراقي، في تصريحات للجزيرة نت، أنها رغبة إثيوبيا في الحصول على حصة من مياه النيل الزائدة عن حاجتها، والتي تذهب إلى دولتي المصب (مصر والسودان).
وتوقع شراقي أن يكون الهدف من الحصول على حصة تقدر بنحو 18 مليار متر مكعب من حصة مصر والسودان البالغة 74 مليار متر مكعب (55.5 مليار متر مكعب نصيب مصر، و 18.5 مليار متر مكعب حصة السودان) هو بيع هذه الحصة إلى مصر أو أي دولة خليجية أخرى ترغب في استزراع ملايين الأفدنة في السودان أو مصر أو غيرها.
وأضاف أن هذا سيحول المياه إلى سلعة، ولن تستطيع إثيوبيا استخدامها، لأنها لا تستطيع احتجازها أو منعها من المرور إلا في حالة واحدة هو إقامة سد جديد، وهذا لن تسمح به مصر.
لا بديل عن التفاوض
اعتبر خبير المياه أن بيان وزارة الري لم يكن موفقا عندما قالت إن مصر تحتفظ بحقها المكفول بموجب المواثيق الدولية للدفاع عن أمنها المائي والقومي في حالة “تعرضه للضرر”، وهذه إشارة سلبية إلى أن مصر حتى الآن لم تتعرض للضرر، ويتنافى مع إعلانها بشكل متكرر أن عمليات الملء تضر بأمن مصر المائي.
والحقيقة، بحسب شراقي، أن مصر تضررت كثيرا من خلال إنفاق عشرات مليارات الجنيهات من أجل إنشاء محطات تحلية ومعالجة المياه وأخرى، وإعادة تدوير مياه الصرف الزراعي، وتقليل مساحات زراعة بعض المحاصيل الإستراتيجية، وتغطية العجز من خلال الاستيراد بالعملة الصعبة. “ألا يعتبر هذا كله أضرارا؟”.
وهو ما أكده وزير الخارجية سامح شكري -خلال كلمة مصر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في سبتمبر/أيلول الماضي- أن ندرة الموارد المائية، والعجز في نصيب الفرد من المياه في مصر، أدى إلى استيراد مياه افتراضية في صورة واردات غذائية بقيمة 15 مليار دولار سنويا.
واستبعد شراقي أن تكون هذه المفاوضات آخر حلقة في سلسلة المفاوضات التي بدأت قبل 12 عاما، وسبق وتم الإعلان عن فشل مفاوضات “الفرصة الأخيرة” في عاصمة الكونغو كينشاسا بأبريل/نيسان 2021، مؤكدا أن المسار التفاوضي هو خيار مصر الآن ومستقبلا، رغم فشل وساطة الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة والمفاوضات الثلاثية المغلقة.
هل تموت المفاوضات مجددا؟
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، اجتمعا على هامش “قمة دول جوار السودان” في 13 يوليو/تموز 2023، واتفقا على تحديد مهلة 4 أشهر للتوصل إلى اتفاق بشأن تعبئة وتشغيل السد، ولكنها استُؤنفت فعليا في نهاية أغسطس/آب الماضي.
وهذه الجولات الأربع الأخيرة جاءت بعد تجميد للمفاوضات استمر أكثر من عامين، وتحديدا منذ أبريل/نيسان 2021، إثر فشل مبادرة للاتحاد الأفريقي في تقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث، وفشل جميع الوساطات.
وأوشكت إثيوبيا على إنهاء المشروع العملاق الذي تقدر قيمته بنحو 4 مليارات دولار، ويهدف إلى بناء أكبر سد لإنتاج الطاقة الكهرومائية في أفريقيا، لكنه يثير توترات إقليمية، خصوصا مع مصر التي تعتمد على نهر النيل لتوفير نحو 97% من احتياجاتها من مياه الري والشرب.
ما الخيارات المتاحة لدولتي المصب؟
يقول خبير الشؤون الأفريقية ياسر محجوب الحسين “إن المتابع لسير المفاوضات منذ عام 2012 لا يتوقع أن تخرج الأخيرة منها وما قبلها بجديد، والإعلان في كل مرة عن فشل المفاوضات للأسباب نفسها، وهو التعنت الإثيوبي يؤكد أن استمرارها هو محاولة أديس أبابا لكسب المزيد من الوقت، حتى أصبح الأمر خارجا عن السيطرة”.
وأعرب الكاتب الصحفي السوداني في حديثه للجزيرة نت، عن اعتقاده أن مصر والسودان هما الطرف الأضعف الآن، بينما إثيوبيا الطرف الأقوى في المفاوضات الثلاثية، ولذلك تتخذ مواقف أكثر تشددا كونها دولة المنبع، واستطاعت أن تحد من محاولات مصر لفرض شروطها من البناء إلى الملء ثم التشغيل.
واعتبر الحسين أن خيارات مصر محدودة من أجل دفع إثيوبيا إلى التعاون في القضايا الفنية، خاصة أن تفاقم مشكلات ندرة المياه ينال من قوة مصر الإقليمية إذ طالما كانت تعتبر نهر النيل مصدر قوة وحياة.
وقال الحسين “لا أعتقد أن الخيار العسكري كان أحد الخيارات في أي مرحلة من مراحل المفاوضات التي انتهت بالفشل، ويظل الخيار الوحيد هو المسار التفاوضي والحلول الناجمة عن ضغوط سياسية”.