إدلب- أصبح المشهد أكثر تعقيدا بعد اتساع رقعة المظاهرات ضد هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ السورية، التي تشهدها مناطق عدة في شمال غرب سوريا، وتطالب بتنحي قائد الهيئة “أبو محمد الجولاني”، وانتخاب مجلس شورى ومجلس لقيادة المناطق المحررة.
وخلال الأسبوع الماضي، خرجت المظاهرات في مناطق إدلب وبنش وتفتناز وسرمدا وحزانو والأتارب وطعوم والفوعة ودارة عزة، في مشهد ينذر بأنها ثورة شعبية ضد الحكومات التي “تضيّق على الشعب” على حد وصفهم، وتستبد بالسلطة دون تشاركية مع فئات المجتمع.
يأتي ذلك على خلفية الاعتقالات التي نفذتها “تحرير الشام” خلال العام الماضي بما يخص قضية “العملاء لروسيا ونظام الأسد والتحالف الدولي”، ليصل عدد المعتقلين ما يقارب 1000 شخص من عناصر وقيادات عسكرية وأمنيين، لتفرج الهيئة لاحقا عن قسم منهم، وقد ظهرت عليهم آثار التعذيب خلال فترة سجنهم.
تراكمات وانسداد أفق
يقول أستاذ التاريخ الحديث في جامعة إدلب الدكتور كمال العبدو إن “قضية ما يُعرف بخلية العملاء ضمن صفوف هيئة تحرير الشام ألقت بظلالها على المشهد العام في إدلب، بعد حملة الاعتقالات التي شملت قادة عسكريين وأمنيين، وبعد مرور أشهر أُفرج عن قسم منهم بالإعلان عن براءتهم، وانتزاع اعترافات كاذبة منهم تحت التعذيب الشديد، كما زُجّ بالمحققين في السجون”.
وأضاف العبدو في تصريحات للجزيرة نت أن “الاحتقان الشعبي جاء نتيجة تراكمات عديدة، بسبب انسداد الأفق أمام أي حل سياسي للثورة السورية، وانعدام العمل العسكري نتيجة التفاهمات الإقليمية والدولية التي كبّلت يد الفصائل، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام، بالإضافة للقصف اليومي من قوات النظام وحلفائها على قرى وبلدات إدلب وريفها، ورافق ذلك تقليص المساعدات الإنسانية المقدمة من المنظمات الدولية، وانتشار الفقر وغلاء المعيشة”.
بدورها سارعت قيادة “تحرير الشام” إلى عقد عدد من الاجتماعات، ضم أولها قائد الهيئة “الجولاني” مع النخب المجتمعية ووجهاء القرى والبلدات وأعضاء مجلس الشورى وحكومة الإنقاذ، وقدّم النخب والوجهاء خلال هذه الاجتماعات مطالب المتظاهرين، حيث وُعدوا بتحقيقها، وأُعلن أنه تم البدء في تنفيذها.
كما عُقد الاجتماع الثاني بين المسؤول في إدارة الشؤون السياسية زيد العطار وعدد من الإعلامين والصحفيين والناشطين، الذين نقلوا مطالب الشارع خلال الاجتماع.
مطالب الحراك الشعبي
ويلخص الناشط في الحراك الثوري خيرو العلي في حديثه للجزيرة نت مطالب المتظاهرين بـ”تنحية قيادة هيئة تحرير الشام عن القرار السيادي للمنطقة المحررة، ليكون للمجتمع ككل، وهذا يتطلب وجود مجلس أعلى لقيادة الثورة، ومجلس للشورى حقيقي يفرزه المجتمع بشكل يتناسب معه، وتبييض السجون، والفصل بين السلطات وتحرير المجتمع المدني منها”.
بدوره، عدّ الناشط عبد الرحمن الطالب أن “استجابة تحرير الشام بطيئة، فهي بدأت بإخراج المعتقلين، وتقدم الوعود لتنفيذ المطالب، ولكنها تقف عند المطلب الرئيس والأهم، وهو تنحية الجولاني عن المشهد”.
كما قال العضو في “الحركة الشعبية للتغير” في مدينة بنش، أسعد الأسعد إن “المظاهرات سلمية والمطالب محددة، وتبدأ بإسقاط الجولاني وانتخاب مجلس شورى من الشعب، وهذا المجلس ينتخب رئيسا للبلاد يحكم بشرع الله، بالإضافة لإسقاط الجهات الأمنية المفسدة”.
وفي خطوة منها لامتصاص المظاهرات، اتخذت تحرير الشام خلال الأسبوع الماضي عددا من الإجراءات والقرارات، مثل تشكيل لجان لعقد اجتماعات مع الفعاليات المدنية والشعبية للاستماع لمطالبهم، ولتسهيل آلية التواصل بين الأهالي والجهات المسؤولة، وإصدار عفو عام عن السجناء، وإعفاء وتخفيض أسعار ترخيص البناء.
مجلس قيادة للثورة
وفي ردّه على المظاهرات الشعبية التي خرجت، قال المتحدث باسم إدارة الشؤون السياسية التابعة لهيئة تحرير الشام عبيدة الأرناؤوط، إن “من حق الجميع أن يعبّر عن رأيه ويقول كلمته، وعلينا أن نستمع لمطالب أهلنا، لتكون طلباتهم محط نظر واهتمام، وننظر إلى المظاهرات بشكلها الحالي على أنها حالة تعبير عن غضب، ونتيجة لتراكم قرارات وإجراءات عدة ينقصها المهنية، بسبب عدم نضج المؤسسات الثورية؛ لأننا تجربة وليدة بحاجة إلى التقييم والمراجعة في كل مرحلة استحقاق، رغم أن النموذج الثوري الذي أفرزته الثورة لاقى القبول وكثيرا من الاستحسان”.
وأضاف في تصريحات للجزيرة نت “أمام هذا الواقع اتخذت حكومة الإنقاذ السورية ومجلس الشورى العام خطوات عدة، بناء على العديد من الاجتماعات والمناقشات والمداولات، سُمعت فيها الطروحات والآراء، وأصدرت مرسوما يعالج ارتفاع الرسوم والضرائب المتعلقة بوزارة الإدارة المحلية، وصدر كذلك عفو عام عن بعض المحكومين وفق معايير معينة، وهناك خطوات من شأنها أن تعزز مشاركة المجتمع في المؤسسات بصورة أكبر، عبر انتخاب ممثلين لمختلف شرائح المجتمع، إضافة إلى العمل بخطوات متتالية على إنشاء ديوان لرد المظالم، وتأسيس جهاز رقابة مركزي يراقب صلاحيات كل سلطة ويمنع التجاوزات”.
ونبّه الأرناؤوط إلى أن “المطالب منها المحقة ومنها التي تحتاج حالة مثالية، ونحن في واقع تحكمه الحرب، فلم تنته الثورة، فلا يمكن المخاطرة في المجهول، والإصلاح له طرقه الصحيحة ومساراته المستقيمة، وأبوابنا مشروعة للجميع، ولا بد أن ننظر إلى المحرَّر أنه ملاذ ومأمن لنا جميعا، وهناك أعداء لن يفوّتوا أي فرصة ضعف داخلية”.
وأكد أن “تشكيل مجلس قيادة للثورة أو المحرّر أصبح حاجة ملحة للخروج من عباءة الفصيل وعقليته إلى حالة القيادة العامة، التي تسعى إلى تجديد العقد الاجتماعي مع أهلنا في المحرر، وتجد النخبة فيه قدرة أكبر على المشاركة، ويتحمل الجميع مسؤولياته؛ لأن مصيرنا واحد، ويأتي من منطلق الاستجابة لصوت أهلنا، لأننا جزء من الشعب، ونزولا كذلك عند مطالب النخب، وأصحاب الرأي من العاملين في هذا المشروع المبارك والناصحين له”.