إسطنبول– تتجه الأنظار نحو مدينة إسطنبول مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية المرتقبة في نهاية مارس/آذار المقبل، نظرا لوزنها السياسي والاقتصادي المهم، حيث تفوق في تأثيرها حتى العاصمة أنقرة، وتصبح ساحة لتنافس حاد بين الأحزاب التركية في انتخابات قد ترسم خارطة المستقبل السياسي لتركيا.
ولعل إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن استعداده لحملة انتخابية جديدة بهدف استعادة بلدية إسطنبول عشية فوزه بالانتخابات الرئاسية في مايو/أيار الماضي يأتي برهانا على الأهمية التي تمثلها المدينة بالنسبة للحزب الحاكم وأحزاب المعارضة على حد سواء.
يخوض حزب “العدالة والتنمية” الانتخابات المحلية لمدينة إسطنبول بالتنسيق مع حزب “الحركة القومية” عبر مرشحهما المشترك مراد قوروم، في منافسة شرسة مع أحزاب المعارضة -وفي مقدمتها حزب الشعب الجمهوري ومرشحه رئيس البلدية الحالي أكرم إمام أوغلو– على رئاسة البلدية لـ5 سنوات قادمة.
تعرضت إسطنبول -التي تجاوز عدد سكانها 16 مليونا- لأزمات متعددة في ظل إدارة رئيس البلدية الحالي أكرم إمام أوغلو الذي كانت أنظاره متجهة نحو آفاق سياسية أوسع تتمثل في السعي للسيطرة على حزب الشعب الجمهوري والطموح إلى منصب نائب رئيس الجمهورية ضمن تحالف الطاولة السداسية المعارض خلال الانتخابات الرئاسية 2023.
مع اقتراب الانتخابات المحلية المرتقبة ترصد الجزيرة نت من خلال تتبعها أبرز ما عانت منه إسطنبول خلال الفترة الماضية وعبر سلسلة من المقابلات مع عدد من سكانها بعضا من توقعات الناخبين وتطلعاتهم لرئيس البلدية المقبل.
أزمة المواصلات
مراد يلباش -الذي يدير بقالة صغيرة في قلب إسطنبول- تحدث عن أزمة الازدحام المروري، والتي تجسد أحد أكبر التحديات في المدينة قائلا “كل صباح أواجه معضلة حقيقية، إما أن أعلق في الازدحام المروري لساعات عندما أقود سيارتي أو أتعرض لمخاطر تأخير وأعطال الحافلات العامة”.
وأرجع يلباش ذلك إلى سببين، أولهما العدد الكبير للمقيمين في المدينة ما بين أتراك وأجانب وسياح، الأمر الذي يشكل ضغطا على وسائل النقل في ظل غياب الرقابة المستمرة، بالإضافة إلى إهمال البلدية أعمال صيانة وتحديث حافلات النقل العام.
وأعرب يلباش عن أمله الشديد في أن يقوم الرئيس المقبل لبلدية إسطنبول بجعل تطوير قطاع المواصلات أولوية قصوى في أجندته، وألا يكون ذلك على حساب رفع تكاليف المواصلات العامة التي اعتبرها مرتفعة في الأصل.
وعانى قطاع المواصلات في إسطنبول من مشاكل حقيقية خلال السنوات الماضية، إذ بات تعطل الحافلات العامة أو حتى احتراقها أمرا شائعا يحدث بشكل متكرر، الأمر الذي يعكس حاجة ماسة لإصلاحات جذرية في نظام المواصلات العامة.
“أتمنى ألا نغرق كلما أمطرت”، بهذه الكلمات انتقد المواطن التركي حسن تشيفشي إدارة بلدية إسطنبول الحالية بسبب تقصيرها في صيانة ومتابعة أعمال الصرف الصحي التي تتسبب بإغلاق الكثير من الشوارع الرئيسية في مناطق متعددة من المدينة.
وعانت المدينة خلال السنوات الماضية من العديد من حالات السيول الجارفة وتراكم الثلوج، والتي كانت سببا في شل حركة المدينة لأيام، ولعل من أبرز تلك الحوادث العاصفة الثلجية الشهيرة التي ضربت المدينة في شتاء عام 2022، والتي أدت إلى تعطل حركة المرور وبقاء الناس عالقين في الشوارع قرابة يوم كامل، إلى أن تدخلت الحكومة وفتحت الطرق.
الزلزال والكلاب
من جهة أخرى، تعبر شيماء إيرسين -وهي ربة منزل وأم لـ3 أطفال- عن قلقها العميق من زلزال إسطنبول المرتقب، والذي بات يؤرق بال الكثيرين في المدينة.
تقول إيرسين “الخبراء يحذرون من زلزال كبير محتمل في إسطنبول، وأنا قلقة حقا عما إذا كنا مستعدين بما يكفي، أتمنى أن يتم وضع خطط وقائية تنفذها البلدية للتخفيف من آثار الزلزال، خاصة بعد الدمار الذي شهدناه في المناطق التي ضربها زلزال كهرمان مرعش”.
كما ربطت بين مخاوف الزلزال والارتفاع الكبير في إيجارات المنازل في المدينة، مما يجعل العيش في مناطق آمنة وبعيدة عن خطر الزلزال أمرا بعيد المنال للعديد من العائلات، مطالبة بتسريع أعمال التحول الحضري في جميع المناطق المعرضة لخطر الزلزال.
أما مشكلة الكلاب الضالة فقد برزت باعتبارها إحدى المشاكل التي يجمع عليها أغلبية سكان مدينة إسطنبول، إذ تجاوز عدد الكلاب الضالة في تركيا أكثر من 10 ملايين كلب تتسبب بعشرات الوفيات والإصابات الخطيرة كل عام عند محاولة الناس الهروب منها.
وبحسب منظمة “مشكلة الكلاب الضالة”، فإن 33 شخصا لقوا حتفهم خلال عام 2022 عند هروبهم من كلاب ضالة، وهو الأمر الذي شكل هاجسا لدى المواطنين سرعان ما تحول إلى مطالبة رسمية بحل الأزمة.
كيف ستختار إسطنبول رئيسها؟
أما بخصوص توجهات الناخبين فيقول الأكاديمي في العلوم السياسة بجامعة أنقرة بيلجن يلماز في حديثه للجزيرة نت إن من الطبيعي أن يصوت الناخبون بناء على انتماءاتهم الحزبية المبنية على أحداث وانطباعات سابقة، لكن في الوقت نفسه ينتظر الناخب من حزبه حلولا ملموسة للأزمات التي يعاني منها على مدار السنوات الماضية.
وأشار يلماز إلى أن الناخب التركي بات أكثر إدراكا ووعيا اليوم بضرورة تقديم المصلحة على العاطفة، ولا سيما أن نتائج الانتخابات المحلية تنعكس على حياة المواطن بشكل مباشر ويومي، في حين أن العاطفة والانتماء قد يكون لهما مساحة أكبر في الانتخابات الرئاسية.
وطالب الأكاديمي الأحزاب السياسية التركية بضرورة إدراك مشاكل المدينة الآخذة في الازدياد، وأن للناخبين متطلبات وتوقعات يأملون حلها بشكل سريع، مشيرا إلى أن مقابلة عواطف الناخبين بخطوات إيجابية تنعكس على حياتهم تضمن استمرارية العلاقة بين الناخب والحزب لمدة أطول.
كما أشار إلى أن التغيرات والمتطلبات في إسطنبول باتت سريعة ودائمة، فعلى سبيل المثال لم تكن مشكلة الحيوانات الضالة بين أجندة المواطنين خلال الانتخابات الماضية ولم يتطرق لها أي من المرشحين، لكن مع ظهورها كمشكلة يتحتم على الأحزاب مواكبة مشاكل ناخبيهم والعمل وفقا لها.