جنين- بعد ساعات قليلة من نشرها مقطعا مصوراً تستعرض فيه تدريبات عسكرية لأفرادها، وهو المقطع الأول الذي ينشر رسمياً لكتيبة “كُفر دان” المسماة على اسم البلدة الواقعة شمال غربي مدينة جنين، كان اثنان من مقاوميها يشتبكان مع جنود الاحتلال الإسرائيلي المتمركزين على حاجز سالم العسكري “غرب جنين”.
وسريعاً أُعلن عن حدث أمني على الحاجز، وتوجهت سيارات الإسعاف الفلسطيني بعد أخبار بوجود إصابات في المكان، قبل أن يعلن عن استشهاد الشابين أحمد شواهنة (الشرعة) ومصطفى عابد، وتبنت “كفر دان” عملية الشهيدين، وقالت إنهما استشهدا خلال قيامهما بمهمة جهادية على الحاجز.
امتداد جديد للمقاومة
ورغم إعلان انطلاقها كمجموعة مسلحة في بلدة كفر دان، تُعتبر المجموعة امتداداً لكتيبة جنين التابعة لسرايا القدس، حيث سبق أن شارك عدد من أفرادها في اشتباكات مسلحة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي بالاقتحامات المتكررة لمدينة جنين ومخيمها، إضافة لتنفيذ عمليات إطلاق نار على الحواجز الإسرائيلية.
وجاء إعلان انطلاق الكتيبة متأخراً بهدف التأكد من ظهورها قويةً متماسكة، وذات بأس بالميدان، يقول قائد كتيبة “كفر دان” أبو نيسان للجزيرة نت. ويضيف أنهم يستمدون قوتهم من الشهداء، ومن المقاتلين المنتشرين في مخيم نور شمس وجنين، وفي المجموعات القتالية المنتشرة في مدن الضفة كافة.
وتحدث قائد الكتيبة للجزيرة نت قبيل مشاركته في مسيرة رمزية تخص شهداء الكتيبة الذين رفض الاحتلال تسليم جثامينهم “عملنا يقوم على قتال الاحتلال والتصدي له في الخط الغربي وفي جنين، أينما نجدهم سينالهم بأسنا بإذن الله”.
ويرى مقاتلو المجموعة أن احتجاز الاحتلال لجثامين الشهداء، بعد قتلهم ورفض تسليمها لذويهم، طريقة للضغط على الأهالي لمنع أبنائهم من المضي في طريق المقاومة، ومحاولة إيصال رسالة للمقاومين بأنهم سينالون المصير نفسه. ويقول أبو نيسان إن اغتيال المقاومين، واحتجازهم بعد الاستشهاد لن يؤثر عليهم كمقاومين، وإنما سيزيدهم قوة وإصرارا على قتال الاحتلال.
وبانطلاق كتيبة كفر دان، فإنها تنضم لكتائب أخرى مثل جنين وبرقين وجبع، وكلها تتبع سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، ويقول قائدها أبو نيسان “نحن أعلنا انطلاقتنا في كفر دان منذ يومين، لكن مقاتلينا بدؤوا العمل منذ وقت طويل” مؤكدا أن تأخير الإعلان كان مدروساً، حيث كانوا يعملون على إنجاز عمل هام، وأعلنوا الانطلاقة بعد إنجازه، حسب قوله.
وتنشط المجموعات القتالية في عدد من مدن الضفة ومخيماتها للتصدي للاقتحامات الإسرائيلية المتكررة لهذه المخيمات، بينما يلاحظ تنامي انضمام الشبان الفلسطينيين لمثل هذه المجموعات، وهو ما يصفه الشارع الفلسطيني بالعودة للمقاومة المسلحة.
المهمة الأولى
وفي أول عمل عسكري بعد إعلان انطلاقها، اشتبك مقاتلا الكتيبة شواهنة وعابد مع جنود الاحتلال على حاجز سالم العسكري، ومن ثم أعلن الارتباط الفلسطيني عن استشهادهما، بينما تناقلت وسائل إعلام فلسطينية صوراً للشهيدين على الأرض.
وأكدت طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني -التي توجهت لموقع الاشتباك- منع قوات الاحتلال لها من نقل الإصابات أو جثامين الشهداء، بينما تداولت مواقع التواصل وحتى ساعات متأخرة من صباح السبت صورة قيل إنها لجثماني الشهيدين شواهنة وعابد وهما موضوعتان أمام سيارات جنود الاحتلال العسكرية.
وقال مقاتلو الكتيبة إن شواهنة الملقب بالـ”شرعة” من المقاتلين القدماء في كتيبة جنين وسيلة الحارثية وكفر دان، وقد خاض اشتباكات عديدة في كل من جنين وحاجز سالم ومستوطنة “شاكيد” قرب جنين، وإنه باستشهاده “يلتقي برفيقيه في السلاح براء اللحلوح وعلاء زيود اللذين سبقاه بالشهادة”.
وفي بلدة كفر دان، نظم أفراد كتيبتها وكتيبة جنين جنازة رمزية للشهيدين المقاومين شواهنة وعابد، شارك فيها عدد كبير من أهالي البلدة وذوي الشهداء، وتقدمها قائد الكتيبة أبو سنان.
وتحدث سلطان عابد والد الشهيد مصطفى للجزيرة نت عن تفاصيل استشهاد نجله، حيث بدأت الأخبار تتردد في ساعة متأخرة من ليلة الجمعة بوجود إصابة لشبان بالقرب من حاجز سالم، ليرده اتصال أُخبر فيه أن ابنه مصطفى مصاب، فقرر التوجه للمستشفى لرؤيته والاطمئنان عليه.
وعند وصوله للمستشفى علم أن قوات الاحتلال منعت الإسعاف من نقل ابنه، فبقي بانتظار وصوله، قبل أن يتفاجأ باتصال من الارتباط الفلسطيني أبلغه فيه باستشهاد مصطفى واحتجاز جثمانه، حسب ما قال.
ويرى عابد أن احتجاز جثمان نجله يعد طريقة مؤلمة جدا، تتبعها إسرائيل لإيذائه وعائلته ومعاقبتهم كأهل الشهيد، وقال “ابني استشهد، الله يرحمه، لكن على الأقل من حقي دفنه” مؤكدا أنه لم يكن يعلم أن ابنه من أفراد الكتيبة، لكنه ما زال يأمل أن يتسلم جثمانه “لنتمكن من وداعه ورؤيته للمرة الأخيرة ودفنه كما يليق، ألم فقد الابن كبير جداً، وها هو الاحتلال يزيد الألم باحتجازه ورفض تسليمه” يقول عابد.
وتحدثت عمة الشهيد لوسائل الإعلام -خلال بيت عزاء رمزي أقيم للشهداء في البلدة- عن صفات ابن أخيها مصطفى، وقالت “الحمد لله أن شرفنا الله بهذا الشرف، مصطفى شاب خلوق ومؤدب، محب لعائلته، ومحبوب في كفر دان” وتذكر أنها لم تر سياسة احتجاز جثامين الشهداء إلا عند إسرائيل، وأنها تعد واحدة من جرائمها الكثيرة، حيث وصل عدد جثامين شهداء الضفة الغربية المحتجزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى 96 جثمان شهيد فلسطيني.