قالت “ليبراسيون” إن نظام الرئيس التونسي قيس سعيد يسخر من الدبلوماسيين والمنتخبين الأوروبيين الذين يضطرون إلى تنحية احترام حقوق الإنسان جانبا لضمان تعاون تونس في مسائل الهجرة، خاصة أن السفارات الأوروبية ترفض الكشف عن محتوى الاجتماعات التي تستند إليها التهم الموجهة لبعض المتهمين بالتآمر مع الخارج لزعزعة أمن الدولة.
وأوضحت الصحيفة الفرنسية -بتقرير لمراسلها في تونس ماتيو غالتييه- أن ما يثير استياء الزعماء الأوروبيين أن سعيد يلعب بشكل مثالي على الخصومات داخل مؤسسات المجتمع لخنق أي انتقاد لنظامه الاستبدادي، وقد منعت حكومته، اللحظة الأخيرة، وصول وفد من 5 أعضاء بالبرلمان الأوروبي، مما أوصل الازدراء للدبلوماسية الأوروبية حدا لم تشهده من قبل، ومع ذلك اكتفى المتحدث باسم الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية بالتعبير عن “المفاجأة والأسف”.
سياسة النعامة
وكان من المقرر أن يجتمع الوفد لجنة الدفاع عن السجناء السياسيين، خاصة أن نحو 50 شخصية سياسية تقبع في السجون بتهمة “التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي” منذ فبراير/شباط الماضي، ويواجه حوالي 30 منهم عقوبة الإعدام.
وقد وردت أسماء 9 دبلوماسيين غربيين، من بينهم سفيران فرنسيان سابقان، في التحقيق الذي يقوم أساسه على التبادل الإلكتروني بين المتهمين وشخصيات أجنبية في “إقامة اتصالات مع أعوان دولة أجنبية بهدف الإضرار بالوضع التونسي من الناحية الدبلوماسية”.
وبالفعل نددت الخارجية الأميركية بـ “التهم الجنائية الموجهة لأفراد في تونس نتيجة لقاءات أو محادثات مع موظفي سفارتها” ليؤكد وزير الخارجية التونسي نبيل عمار بعد ذلك أن لقاء دبلوماسيا أجنبيا لا يشكل جريمة وأنه لن يقلق أي دبلوماسي. ومع ذلك يقول سعيد بنعربية مدير شمال أفريقيا والشرق الأوسط بلجنة الحقوقيين الدولية غير الحكومية “هذه اللقاءات لا تزال رغم كل شيء تُستخدم ضد المعتقلين”.
وفي هذا السياق، رفضت التعليق سفارات الاتحاد الأوروبي وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا المذكورة بالتحقيق مما أثار استياء لجنة الدفاع عن السجناء السياسيين، وتقول المحامية دليلة مصدق “الوثائق الموجودة بالملف تظهر أسماء وصور هؤلاء الدبلوماسيين في مخطط تنظيمي مثل المجرمين، ومع ذلك لم نتلق حتى الآن أي رد فعل من أوروبا.. إن سياسة دفن رؤوسنا في الرمال ليست فعالة” بل إنها تأتي بنتائج عكسية، خاصة أن هذه السفارات ترفض الكشف عن محتوى الاجتماعات رغم مطالبة اللجنة بإثبات عدم وجود مؤامرة.
الكيل بمكيالين
والظاهر -كما تتصور ليبراسيون- أن قوة سعيد وضعف أوروبا ناجمان عن موضوع الهجرة، لأن الرئيس التونسي يعرف كيف يكسب المسؤولين الأوروبيين، وخاصة وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، عندما يقدم لهما رؤية يمينية لموضوع الهجرة، ولذلك يرى عضو البرلمان الأوروبي منير ساتوري أن السلطة التنفيذية الأوروبية ترعى مصالحها الخاصة، وتضع قضية الهجرة، فوق احترام القيم الديمقراطية في تونس.
ولذلك فإن السفارات في تونس مكشوفة، ويبدو أن فرنسا -مثلا- تتفاعل مع “المعايير المزدوجة” حسب درجة تسييس السجناء مزدوجي الجنسية، فقد أطلق سراح نور الدين بوطار بعد أيام قليلة من زيارة القنصل للسجن.
بينما بقي رياض بالطيب من حزب النهضة الإسلامي قابعا بالسجن -رغم زيارة القنصل الفرنسي له واتصال نجله أنس بالقنصلية، بل إنهم حسب نجله “أرادوا إغلاق ملف الحماية القنصلية” وتم تمديد الحبس الاحتياطي لبعض السجناء.