نواكشوط – تحتل قضايا التمييز بين الشرائح والأقليات العرقية في موريتانيا مكانة محورية في السباق الرئاسي في الانتخابات المرتقبة يوم 29 يونيو/حزيران الجاري، حيث يسعى كل مرشح لاستمالة الأصوات من مختلف الشرائح الممثلة أصلا في قائمة المرشحين للمنصب الأعلى في الدولة.
ويُعد التنوع القومي والثقافي من السمات البارزة لسكان موريتانيا ذات الأصول والألوان واللغات المختلفة، ووفقا لتقارير رسمية، يبلغ عدد الموريتانيين قرابة 4.5 ملايين، يدينون بنسبة 100% بالدين الإسلامي، لكنهم من الناحية العرقية يتكونون من فئتين:
- فئة الزنوج: وتمثل ما بين 15% و20% من السكان، وهم في الغالب من ذوي البشرة السوداء.
- فئة البيضان من العرب والبربر الناطقين بالحسانية: وتمثل نحو 80% إلى 85% من السكان، بمن فيهم شريحة الحراطين السود الذين يشكلون نسبة 35% إلى 40% (غير رسمية) من فئة العرب.
صراع متلون
وقد عرفت موريتانيا خلال العقود الأخيرة انتعاشا لخطاب “التحريض” بين الهويات الثقافية والشرائح ذات الألوان المختلفة، وعادة ما يكون هذا الخطاب أكثر رواجا في مواسم الانتخابات، حيث تمتزج أصوات الحقوقيين بمبادرات السياسيين.
لكن بدا في انتخابات هذا العام تراجع استغلال هذه الثغرة من طرف المرشحين، بل إن استشراف آفاق العيش المشترك والدعوة إلى الوحدة الوطنية والتعايش السلمي هي الشغل الشاغل لأكثر المرشحين الذين توجهوا لكسب ود الناخب الموريتاني بغض النظر عن لونه.
ولأن أصوات هذه الشرائح تلعب دورا كبيرا في تحديد سير الانتخابات ومن سيفوز بها، فقد تحولت إلى مركز صراع بين المرشحين، ليس فقط بالتركيز على معاناتهم والقضايا التي تهمهم من خلال البرامج والوعود الانتخابية، بل إن أغلبهم حرصوا على التنوّع في تشكيلة فريق حملاتهم الدعائية وتمثيل مختلف الشرائح فيها.
مرشح النظام محمد ولد الغزواني عيّن سيد أحمد محمد من شريحة الحراطين مديرا عاما لحملته الانتخابية، ليتهمه معارضوه بأنه تعمّد الاستقطاب الشرائحي بهذه الخطوة التي سبقها بعرقلة ترشيح 6 من شريحة “البيضان” حفاظا على أصواتها لصالحه، وأنه شجع في المقابل تزكية 4 مرشحين منحدرين من الحراطين والزنوج.
وعلى منوال غزواني، سار مرشح حزب “تواصل” حمادي سيدي المختار ليعيّن المهندس حمدي ولد إبراهيم من فئة الحراطين مديرا لحملته ونائبته من الزنوج، في خطوة قصد بها -حسب بعض المراقبين- اختراق الأقليات العرقية لتوسيع قاعدته الانتخابية المتمركزة أساسا في البيضان.
أما المرشح الحقوقي برام الداه اعبيد المدافع عن السود، ورغم تاريخه الحافل بالتعليقات المثيرة للجدل ضد شريحة البيضان التي لطالما اعتبرها السبب الرئيسي في معاناة السود، فإنه عيّن الشاب يعقوب لمرابط (من البيضان) على رأس فريقه الدعائي، بل عمد إلى استمالة البيض في خطاباته وغيّر من لهجته تجاههم.
تأثير محدود
يُرجع أستاذ علم الاجتماع في جامعة نواكشوط باب سيد أحمد أعل سبب هذا المتغير حاليا إلى أثر شعار التهدئة السياسية لدى النظام الحالي، التي يرى أنها أثرت كثيرا في قضية التنافر الشرائحي.
وهي مسألة رغم أنها لم تُستغل بشكل جيد لصالح الوطن حسب قوله، فإنها ساهمت لا إراديا في تجاوز هذا التنافر بمعالجات شكلية له من أجل أن يقدّم كل طيف سياسي موريتانيا بتنوعها على الأقل سياسيا، وإن كان الواقع الاجتماعي على خلاف ذلك لا يزال معبأ.
وفي حديثه للجزيرة نت، يشير ديدي ولد السالك رئيس المركز المغاربي للدراسات الإستراتيجية في نواكشوط (مؤسسة بحثية خاصة)، إلى أن اختيار مرشح السلطة مدير حملته من شريحة الحراطين جاء نتيجة لحجم هذه الفئة ولمنحها نوعا من الاعتبار المعنوي.
وبرأيه، فإن تصاعد الخطاب الشرائحي واتهام البعض بالعنصرية يقفان خلف انتشار هذه الظاهرة، كما أن بعض المرشحين من فئات معينة تنقصهم بعض الفئات الأخرى ويحتاجون إلى التلوين “ليضفي ذلك عليهم شرعية وحتى يكون المجتمع الموريتاني معهم”.
ويستبعد ولد السالك أن تكون قرارات المرشحين هذه مؤثرة كثيرا في النتائج، لأن العوامل القبلية والجهوية وتأثير المال السياسي ما زالت تتحكم في الناخب الموريتاني بقوة، حسب تقديره.
تأجيج الصراع
ويرى مراقبون أن مرشح النظام الحاكم يحظى بدعم غالبية الموريتانيين من ذوي البشرة البيضاء، في حين تشهد فئة السود انقسامات في ولائها للمرشحين.
ورغم أن الحقوقي برام الداه الأوفر حظا بنيل ثقة جزء واسع من أصوات هذه الشريحة، فإنها يتنازعها الآن 4 مرشحين من فئة السود، إضافة إلى أنها تملك تاريخا كبيرا في تفضيل الحزب الحاكم، وهو ربما ما يطمئن النظام ويصعّب مهمة المعارضة.
ورغم أن التنوع يُعد مصدر ثراء وقوة لدى الشعوب، فإنه في المواسم الانتخابية يتحول إلى مصدر قلق نتيجة تصاعد خطابات الكراهية والعنصرية، وخصوصا في المجتمع الموريتاني المتنوع.
ويرى أستاذ علم الاجتماع باب سيد أحمد أعل أن موريتانيا عندما استوردت الديمقراطية لم تجد بدا من توطينها على أنقاض الحساسيات الاجتماعية للاستفادة منها بشكل أو بآخر بأوجه وآليات مختلفة، معتبرا أن ذلك يؤجج الصراعات.
ويضيف للجزيرة نت أن هذا هو ما جعل القبيلة والعرقية أدوات في أيدي السياسيين للاستفادة منها في مواسم الانتخابات، والحصول على تمثيل المجتمع على اختلافه عرقيا وثقافيا، إلا أنه معبأ دوما للاستجابة لمثل هذه الخطابات.
وفي قضية التنافر الهوياتي بين مكونات المجتمع الموريتاني، يعتقد أحمد أعل أن هناك عوامل عدة جذّرته وعززته، من بينها أن الدولة الرابطة لمختلف تلك التشكيلات لم تنبع ولم تولد من رغبة داخلية، وإنما أملتها ظروف خارجية وحققت إنتاجها وصناعتها، مما جعل المسألة العرقية تُطرح في منتصف ستينيات القرن الماضي.
وهي قضية لا تزال تتحكم في التنافر العرقي والهوياتي إلى حد الساعة بشكل أو بآخر، فالدولة في لاوعي الإثنيات مجرد غنيمة يجب أن يحتدم الصراع من أجل الاستفراد بها، وفق قوله.