نابلس- بارقة أمل كبيرة لاحت بالأفق وتعلق بها الشاب عبد العزيز أبو حمد مع سماعه خبرا مفاده أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي ستناقش عودة العمال الفلسطينيين لأماكن عملهم داخل إسرائيل، لكن سرعان ما تبددت آماله بعد رفض مسؤولين إسرائيليين ذلك.
ومنذ بدء الحرب على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي أغلقت إسرائيل المعابر، ومنعت دخول أكثر من 190 ألف عامل فلسطيني إليها.
ومساء أمس الأحد صوت الكابينت (مجلس الحكومة) الإسرائيلي الاقتصادي والاجتماعي الذي يتزعمه وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش ضد عودة العمال الفلسطينيين للعمل في إسرائيل، ورفع توصية للكابينت الموسع السياسي والأمني لعدم السماح بإدخال أي فلسطيني لسوق العمل الإسرائيلي.
وفي اجتماعه اللاحق في ساعة متأخرة في نفس اليوم، عارض غالبية الوزراء في الكابينت السياسي الأمني عودة العمال، ولم يجر أي تصويت على القرار، على الرغم من تأكيد مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الحاجة الفورية لـ28 ألف عامل، 9500 منهم لقطاع الزراعة.
وبالإحباط عاد القرار الإسرائيلي على العامل أبو حمد وأمثاله، ويقول للجزيرة نت “إنه تضرر جدا خاصة بظل التزامات مالية مترتبة عليه وعدم إيجاده بديلا للعمل بالضفة الغربية التي تعاني شحا وبطالة أيضا”.
رفض رغم الضغوط
وأمام كل آمال العمال الفلسطينيين وتوقعاتهم، ورغم كل الضغوط وخاصة الأميركية على الحكومة الإسرائيلية ورئيسها بنيامين نتنياهو الذي أيد وأحد مستشاريه ووزير العمل بحكومته عودة العمال، فإن اليمين الإسرائيلي المتطرف نسف كل هذه الدعوات وأحبطها.
وحول الطرح بعودة العمال، يقول الخبير بالشأن الإسرائيلي محمد أبو علان للجزيرة نت، إنه “ورغم كل المحاذير والإجراءات الأمنية المشددة التي كانت ترافق هذا القرار، فإن الرفض جاء مشددا، ومن أعلى المستويات”.
وأضاف أن جهاز الشاباك (الأمن الداخلي) حذر في الموافقة مع ضرورة تشديد إجراءات التصاريح، بينما تخوفت الشرطة الإسرائيلية من تسلل منفذي العمليات، وجاءت قرارات الكابينت الاقتصادي لتقطع كل خيوط الأمل.
وصرح الوزير جدعون ساعر عضو الكابينت الاقتصادي قائلا “إدخال عمال من سكان معادين رهان على حياة الإسرائيليين”، في حين قال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير إن “إدخال عمال من مناطق السلطة الفلسطينية التي تحرض على الإرهاب للعمل في إسرائيل استمرار لمفاهيم السابع من أكتوبر/تشرين الأول”، كما رفض جيش الاحتلال عودة العمال أيضا.
العامل الأمني
وأرجع الخبير أبو علان المبرر الجوهري لرفض الجهات المعارضة لعودة العمال للعامل الأمني بالدرجة الأولى، ولكنه لم يخف أن “خطة إسرائيلية تعد لها بعض الجهات داخل إسرائيل للتخلص من العمال الفلسطينيين للأبد”.
وهو ما تحدث به نير بركات وزير الاقتصاد الإسرائيلي والوزير سموتريتش بضرورة أن تعمل إسرائيل للاستقلال عن العمال الفلسطينيين وجلب عمال أجانب، وقالا هما وغيرهما “لا يمكن المجيء بعمال من شريحة سكانية معادية، وندخلهم بيننا”.
وبالمقابل يبرر من يطرح عودة العمال الفلسطينيين إضافة للضغط الأميركي بحاجة سوق العمل الإسرائيلي للعمالة الفلسطيني، والتخفيف من حجم البطالة بالضفة الغربية التي سيؤدي ارتفاعها لتدهور الوضع الأمني، فضلا عن تباطؤ الاقتصاد الإسرائيلي، وهو ما يؤكده مقربون من نتنياهو، حسب أبو علان.
ورأى أبو علان أن عدم عودة عشرات آلاف العمال إلى إسرائيل يعني تعميق الأزمة الاقتصادية بمناطق السلطة الفلسطينية، وبالتحديد بالضفة الغربية، في ظل عجز الحكومة الفلسطينية عن توفير بدائل، ويكشف أن خططها السابقة حول الانفكاك الاقتصادي عن إسرائيل لم يكن جادا وكلاما بالهواء.
ويجري الحديث عن حاجة السوق الإسرائيلي إلى 130 ألف عامل لا سيما في قطاعي البناء والزراعة، وأن عودتهم ستكون مشروطة بإجراءات شديدة، أهمها بأن يكون ممن يحملون تصاريح للعمل، وأن يتجاوز عمر العامل 40 عاما وأن يكون متزوجا ولديه أولاد.
ويتوجب على أرباب العمل الإسرائيليين تسجيل أسماء مشغليهم، وأن ينقلوهم بمركبات خاصة، وليس عبر المواصلات العامة، وأن توضع قيود أمنية وحراس على الورش ومكان العمل.
الأمن تفوق على الاقتصاد
ورغم ذلك نفى وزير العمل الفلسطيني نصري أبو جيش، أن يكون قد جرى التنسيق لعودة هؤلاء العمال، وأكد أن التصويت على رفض عودة العمال يعكس صراعا بين الأمن والاقتصاد، تفوق فيه الجانب الأمني على الحاجة الاقتصادية لإسرائيل رغم أهميتها.
وقال للجزيرة نت، إن “قرارات إسرائيلية سابقة دعت لعودة آلاف العمال، إلا أنها لم تطبق جراء رفض اليمين المتطرف لعودتهم وتحريضهم عليهم، ونتيجة التخوف على أمنهم، جراء اعتداءات الإسرائيليين عليهم”، مضيفا أنهم وثقوا تنكيلا بالعمال فعلا، وقدموه لمنظمة العمل الدولية والمؤسسات الحقوقية المعنية.
ولفت الوزير أبو جيش إلى أن التحريض على العمالة الفلسطينية ليس جديدا، وإنما من قبل الحرب، وقال “هناك توجه من بن غفير وسموتريتش بعدم الاعتماد على العمال الفلسطينيين، وحاولوا جلب عمالة أجنبية، ولم ينجحوا، فهم بحاجة إلى التدريب، وليسوا بمهارة الفلسطينيين”.
وتقدر الخسارة المترتبة على منع 190 ألفا من العمل داخل إسرائيل ووفق تصريحات سابقة للاتحاد العام لعمال فلسطين للجزيرة نت بمليار و250 مليون شيكل (الدولار=3.7 شيكل) شهريا، وهو ما ينعكس مباشرة على قدرتهم الشرائية وتحريك عجلة الاقتصاد المحلي.
ويأتي هذا وسط تراجع أداء 85% من المنشآت الاقتصادية الفلسطينية خلال الحرب على غزة، جراء اعتداءات الاحتلال واقتحاماته للمدن والقرى الفلسطينية حسب معطيات رسمية لوزارة الاقتصاد الفلسطينية، بينما تضرر 25% من تلك المنشآت الاقتصادي بشكل مباشر.
ارتفاع البطالة
وحسب الوزير أبو جيش، فإن ما يزيد على 450 ألف عامل فقدوا فرص عملهم داخل فلسطين (الضفة الغربية وغزة) خلال الحرب، وهو ما رفع نسبة البطالة 16 نقطة لتصبح 41% بالمجتمع الفلسطيني الذي يعاني فقرا مدقعا أصلا.
وأمام كل ذلك كشف الوزير أبو جيش أنهم لديهم “خطة الاستجابة السريعة والطارئة” المتعلقة بموضوع العمل يعكفون على مناقشتها داخل أروقة الحكومة قريبا.
وقال إن “لهذه الخطة عدة محاور أهمها، محور العمل المؤقت وآخر يتعلق بدعم الهدوء بالضفة الغربية وثالث حول كيف يمكن إيجاد فرص عمل، رغم إقراره بأن “الاقتصاد الفلسطيني ضعيف وهش، ولا يستطيع تحمل كل هذه الأعداد الكبيرة من العمالة دفعة واحدة”.