لمواصلة إسعاف الجرحى.. مدارس بغزة تتحول لمستشفيات ميدانية

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

غزة- بيدين خاويتين إلا من أدوات متواضعة، وبإرادة قوية على مواصلة رسالته الطبية الإنسانية، يتنقل الدكتور محمد أبو شعبان بين الجرحى في مستشفى غزة الأوروبي ومستشفى ميداني مجاور له، في جنوب شرقي مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة.

أقيم هذا المستشفى الميداني في مدرسة جنين الثانوية، لاستيعاب نحو 60 جريحا، رجالا ونساءً وأطفالا، أجبرهم جيش الاحتلال الإسرائيلي على النزوح من المستشفى الإندونيسي في شمال القطاع، بعد اقتحامها بالدبابات، وإشاعة القتل والدمار في أرجائها.

وبينما كان أبو شعبان منشغلا في التخفيف من آلام شاب جريح، قال للجزيرة نت إن هذا العدد الكبير من الجرحى والمرضى لا يستوعبه مستشفى واحد، ولذلك توزعوا على مستشفيات في وسط القطاع وجنوبه، وبالاتفاق مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر تم افتتاح هذه المدرسة كمستشفى ميداني، غير أن نحو ألف نازح توافدوا إليها وشغلوا الغرف.

نزوح جرحى

بعدما عاثت فسادا ودمارا في مستشفى الشفاء، كبرى مستشفيات القطاع، استهدفت قوات الاحتلال بالقصف الجوي والمدفعي مستشفى الإندونيسي، قبل أن تقتحمه بالدبابات، وتقتل وتجرح عددا من الجرحى والمرضى، وتجبر إدارته على إخلائه في ظروف مهينة وخطرة.

نزح أبو شعبان، وهو رئيس قسم الطوارئ والحوادث في المستشفى الإندونيسي، مع زملائه ونحو 700 مريض وجريح، حيث فرض عليهم جيش الاحتلال الإجلاء في حافلات مخصصة للركاب، سعة الحافلة الواحدة 50 راكبا، وغير مجهزة ومهيأة لنقل المرضى والجرحى.

وقال أبو شعبان “أجلينا الجرحى على نقالات (محفات) كتلك التي تستخدم في عمليات الطوارئ الميدانية، لعدم توافر أسرّة مخصصة للنقل الآمن للجرحى والمرضى، وتكدس المئات من نزلاء الأندونيسي في 4 حافلات ركاب مدنية، لا تتوافر بها أي تجهيزات طبية”.

وفي الطريق إلى جنوب القطاع، واجهت قافلة الإندونيسي من المرضى والجرحى معاناة، وصفها أبو شعبان بأنها “لا توصف”، تعالى فيها أنين الجرحى والمرضى من شدة الألم، التي زادتها عمقا مشاهد القتل والدمار في كل مكان.

لا تتلقى الجريحة سماح أبو عودة العلاج اللازم لقلة الإمكانات في مستشفى ميداني في مدرسة جنين الثانوية (الجزيرة)

مستشفيات ميدانية

رافق أبو شعبان الجرحى إلى مستشفى غزة الأوروبي، بعد توزيع مئات منهم على مستشفيي “شهداء الأقصى” و”ناصر”، فوجد أن 4 أقسام ميدانية أقيمت في ساحة مستشفى غزة الأوروبي ممتلئة عن آخرها بالجرحى، ولا يمكنها استيعاب أعداد جديدة، فكان الخيار افتتاح مدرسة مجاورة كمستشفى ميداني.

وبموجب اتفاق مع وزارة الصحة في غزة، ينتظر أبو شعبان وزملاءه خياما وعدت بتوفيرها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لنصبها في ساحة مدرسة جنين، أو أي مدرسة أخرى قريبة من مستشفى غزة الأوروبي، تكون خالية من النازحين، ومخصصة فقط كمستشفى ميداني لمعالجة جرحى العدوان.

تقول السلطات المحلية في غزة إن الحاجة ماسة لمثل هذه المستشفيات الميدانية، للتعامل مع الأعداد الهائلة من الجرحى، نتيجة الحرب الإسرائيلية الضارية على القطاع الساحلي الصغير، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وعانت مستشفيات وسط القطاع وجنوبه، وأبرزها “غزة الأوروبي” و”شهداء الأقصى” و”ناصر”، من ضغط شديد يفوق قدراتها البشرية والمادية، سواء بسبب كثافة الضحايا من الشهداء والجرحى، أو جراء الاستهداف الإسرائيلي المباشر لمستشفيات مدينة غزة وشمال القطاع، وإجبار نزلائها من الطواقم والمرضى والجرحى على النزوح جنوبا.

وأقامت الأردن مستشفى ميدانيا في محيط مستشفى ناصر الحكومي غرب مدينة خان يونس، في حين أرسلت الإمارات مستشفى ميدانيا يجري العمل على إقامته في ملعب مدينة رفح البلدي، قرب الحدود مع مصر.

بإمكانيات متواضعة يتعامل الدكتور محمد أبو شعبان مع جرحى العدوان في مستشفى ميداني مجاور لمستشفى غزة الأوروبي جنوب قطاع غزة-رائد موسى-خان يونس-الجزيرة نت
بإمكانات متواضعة يتعامل الدكتور محمد أبو شعبان مع جرحى العدوان (الجزيرة)

لسان حال الجرحى

تعاني الجريحة سماح أبو عودة (33 عاما) من عدم توافر العلاجات اللازمة، بعد أن بترت ساقها بسبب إصابتها في مدرسة الفاخورة شمال القطاع، بعد أن كانت قد نزحت إليها برفقة أطفالها الستة، وتعرضت لقصف إسرائيلي أوقع شهداء وجرحى.

خضعت سماح لعمليات جراحية في المستشفى الإندونيسي، وعاشت فيها أياما وصفتها للجزيرة نت بـ”المرعبة”، جراء غارات جوية مكثفة وقصف مدفعي، وقد تناثرت شظايا الصواريخ والقذائف واخترقت غرف المرضى والجرحى، ونجت سماح في ليلة سبقت النزوح من شظايا اخترقت الغرفة التي تقيم بها، وتسببت في استشهاد جرحى.

وكانت سماح من بين الجرحى النازحين من المستشفى، برفقة والدتها، في حين لا يزال أطفالها في شمال القطاع، وتقول هذه الأم الثلاثينية التي ستقضي بقية حياتها تعاني من إعاقة حركية، إنها وجدت نفسها على سرير متواضع في غرفة داخل مدرسة، لا تتوافر بها الإمكانات لمداواتها وتخفيف آلامها.

وفيما نزحت سماح بالملابس التي ترتديها، وبحالة إعياء شديدة إثر هبوط حاد في معدل الدم، تشكو من أن الأطباء لا يمتلكون الأدوية الخاصة بحالتها، ويطالبونها بتوفيرها على حسابها الشخصي من صيدليات خارجية، لكنها لا تمتلك المال لشرائها.

وجراء الاستهداف ذاته لمدرسة الفاخورة، أصيب أمجد ورش آغا (32 عاما)، بشظية قذيفة تسببت له بجروح بليغة في ساقه، وخضع لعملية جراحية في المستشفى الإندونيسي، ونزح برفقة سماح وآخرين، لكنه يشكو مما يشكون من انعدام الرعاية الطبية المناسبة.

وقال أمجد للجزيرة نت، وهو متزوج ولديه 4 أطفال، إن ما تلقاه منذ النزوح إلى هذه المدرسة (المستشفى الميداني)، مجرد رعاية أولية كغيار على الجرح، من دون أي أدوية أو علاجات.

خدمات طبية أولية

فرضت الحرب الإسرائيلية على الطبيب محمد أبو شعبان ورفاقه من الطواقم الطبية العمل في ظروف بالغة الضغط والتعقيد، لقلة الكوادر البشرية وضعف الإمكانات التي يمكنها مواكبة تساقط مئات الجرحى يوميا وعلى مدار اللحظة.

ويقول أبو شعبان إن مستشفيات القطاع، التي واجهت هجوما إسرائيليا شرسا بالاستهداف المباشر وبالحصار، لا يمكنها التعامل مع ضحايا العدوان سواء من حيث أعدادهم الكبيرة التي تفوق قدراتها، أو لجهة طبيعة الجروح الخطرة التي تحتاج إلى إمكانات متطورة.

وبسبب الهجوم الذي تحدث عنه أبو شعبان، خرجت 26 مستشفى و55 مركزا صحيا عن الخدمة، ودُمرت 55 سيارة إسعاف، وخرجت عشرات سيارات أخرى عن الخدمة بسبب نفاد الوقود، وبحسب “المكتب الإعلامي الحكومي” فإن هذا الهجوم يؤكد “وجود مخطط مدروس ومقصود يهدف إلى القضاء على القطاع الصحي بشكل كامل، خاصة في محافظتي غزة وشمال القطاع”.

يشكو أبو شعبان، وهو الطبيب الوحيد ويساعده 5 ممرضين، من عدم توافر أماكن مناسبة، وانعدام الإمكانات لتقديم خدمة طبية ملائمة للجرحى النازحين من المستشفى الإندونيسي، ومن يحتاج هذه الخدمة من جرحى آخرين، تحسبا من تجدد الحرب الإسرائيلية بعد انقضاء أيام الهدنة.

وتقتصر الخدمة حاليا على الرعاية الطبية الأولية، والتعاطي مع حالات الإصابة البسيطة، ويقول أبو شعبان “نحن بحاجة ماسة لمعدات طبية، وأدوية ومستهلكات، وفرشات وأسرّة طبية، وقبل كل ذلك يجب الإسراع في توفير خيام لاستيعاب أعداد الجرحى في أماكن ملائمة ومجهزة”.

ووفقا لتوثيق رسمي لوزارة الصحة في غزة فقد استشهد أكثر من 15 ألف فلسطيني، من بينهم 207 من الأطباء والممرضين والمسعفين، ولا يزال زهاء 7 آلاف شخص في عداد المفقودين تحت الأنقاض أو أن مصيرهم ما زال مجهولا، بينما زاد عدد الجرحى عن 36 ألفا، أكثر من 75% منهم من الأطفال والنساء.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *