شمال سوريا- في إحدى غرف مستشفى الرحمة بمحافظة إدلب شمال غربي سوريا، يجتهد الطبيب ياسين المسطو بتضميد جراح شاب أصيب خلال قصف لقوات النظام السوري على مناطق المعارضة.
وفي حين يؤكد الطبيب على الممرضين تقديم الأدوية للمريض في موعدها، يقطع هدير طائرة حربية هدوء المستشفى، ويصاب المرضى والكوادر الطبية بالذعر والخوف من قصف قد يتعرض له المستشفى، وفي مخيلتهم ما يتابعونه من عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة واستهدافه المستشفيات بشكل خاص.
يقول الطبيب السوري إن هذا المشهد تكرر مؤخرا بعد هدوء حذر عاشته مناطق شمال غربي سوريا، مقدّرا أن النظام السوري استغل الحرب في غزة، وانشغال العالم بما يحدث من مآسٍ هناك، للتصعيد والقصف هنا.
وفي حديثه للجزيرة نت، أشار المسطو إلى أن القصف الذي يشنه نظام الأسد يستهدف الفرق الطبية بدون تحذير مسبق، وسط مخاطر كبيرة وتبعات نفسية يعيشها الأطباء وحيرة في أمرهم، بين المخاوف على الحياة والصمود لمساعدة المصابين.
ولفت الطبيب الجرّاح إلى أن الكوادر الطبية تتعامل مع حالات طبية خطيرة، مثل: إصابات الرأس وبتر الأطراف ودرجات متقدمة من الحروق يصعب علاجها، وسط نقص الإمكانات. مضيفا “لكن الجميع يعمل بتماسك، لأن مغادرة الأطباء للبلاد سيؤدي لكارثة إنسانية”.
استغلال الأزمات
ومنذ الخامس من أكتوبر/تشرين الأول الفائت، تصاعدت الضربات الجوية والقصف المدفعي والصاروخي على شمال غربي سوريا، ما تسبب بسقوط ضحايا من المدنيين، فضلا عن استهداف المرافق الطبية والمنشآت الصحية التي تواجه نقصا كبيرا في المعدات والكوادر.
وتحدث مدير صحة إدلب زهير قراط، عن استعدادات لمواجهة التصعيد، من تحديد المستشفيات المركزية كخط أول لاستقبال المصابين بفعل القصف، واختيار نقاط لتزويدها بسيارات الإسعاف والأدوية والمستهلكات المطلوبة، خاصة المدن التي كانت تتعرض للقصف المتكرر.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال قراط إن النظام السوري استهدف خلال حملته الأخيرة 3 مستشفيات في إدلب إضافة إلى قصف العيادات الخارجية، مشيرا إلى أن استهداف المنشآت الطبية أصبح أمرا اعتياديا لدى العاملين في الشأن الصحي.
وأشار إلى أن النظام السوري يستغل كل أزمة دولية -كما يفعل حاليا خلال حرب غزة– لاستهداف المناطق الخارجة عن سيطرته، من خلال قصف المستشفيات والمرافق المدنية والبنى التحتية، بهدف تعطيل المنطقة وتحقيق أكبر ضرر على مستوى الموارد المالية والبشرية.
ورغم الأوضاع المأساوية التي تسيطر على مناطق الشمال السوري، أطلق الأهالي هناك حملات للتبرع في معظم المدن والقرى، وجاءت الحملات تحت مسمى “ردّ الدَّين” للشعب الفلسطيني الذي كان أكثر الشعوب سخاء مع أهالي شمال سوريا، وحث العلماء والخطباء الناس على التبرع ونصرة أهالي غزة.
جرائم حرب
ومنذ تصاعد القصف وحتى العاشر من الشهر الجاري، وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، مقتل ما لا يقل عن 68 مدنيا بينهم 24 طفلا و14 سيدة وواحد من الكوادر الطبية و3 من العاملين في المجال الإنساني، إثر هجمات شنتها قوات الحلف السوري الروسي على مناطق في محافظات إدلب وحلب وحماة شمال غرب سوريا.
كما وثقت المنظمة الحقوقية خلال الفترة ذاتها 73 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية، موضحة أن من بين هذه الهجمات 24 حادثة اعتداء على منشآت تعليمية، و11 على منشآت طبية، و12 على أماكن عبادة.
وقال مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، إن القوات السورية والروسية انتهكت قواعد عدة في القانون الدولي الإنساني، على رأسها عدم التمييز بين المدنيين والمقاتلين، وبين الأهداف المدنية والعسكرية، وقصفت مستشفيات ومدارس ومراكز وأحياء مدنية، مؤكدا أن هذه الانتهاكات ترقى إلى جرائم حرب.
وفي حديثه للجزيرة نت، أكد عبد الغني أن الهجمات اتخذت طابعا من التعمد في قصف مناطق مكتظة سكانيا وبعيدة عن خطوط التماس، وأعيان مدنية عادة ما تشهد حيوية وازدحاما، في محاولة إلحاق أكبر ضرر في البنى التحتية الخدمية التي يستفيد منها سكان هذه المناطق.