الجزائر- في توقيت مباغت سياسيًّا، أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، تقديم الانتخابات الرئاسية المقبلة عن آجالها الدستورية المفترضة، مُقلصًا بذلك عهدته الحالية، وفاتحا الباب على تأويلات المراقبين واشتراطات المعارضين.
جاء ذلك عقب اجتماع ترأسه تبون، الخميس، بحضور كبار مسؤولي المؤسسات السيادية في الدولة، يتقدمهم رئيس أركان الجيش ورئيسا غرفتي البرلمان ورئيس المحكمة الدستورية، إضافة إلى الوزير الأول، ورئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات.
وتقرّر خلال اللقاء، وفق بيان لرئاسة الجمهورية، إجراء انتخابات رئاسية مسبقة، حُدّد تاريخُها يوم السبت 7 سبتمبر/أيلول 2024، حيث سيتم استدعاء الهيئة الناخبة يوم 8 يونيو/حزيران 2024، ما يعني أن الرئاسيات الجديدة مقدمة بحوالي 3.5 أشهر عن موعدها القانوني.
ويمنح الدستور الجزائري لرئيس الجمهورية صلاحية تقديم موعد الانتخابات الرئاسية من دون أي شرط.
ترحيب واشتراط الشفافية
وفي ردود الفعل الأولى، تفاعلت القوى السياسية الكبرى إيجابًا مع قرار تبّون، حيث قالت جبهة التحرير الوطني، أكبر الأحزاب في البلاد، إنه “في الوقت الذي كانت فيه بعض الأبواق الإعلامية خارج الوطن تروج لتأجيل الانتخابات الرئاسية ها هي الجزائر تسكت كل من يشكك في أنها دولة مؤسسات ونموذج مثالي في الديمقراطية”.
أما حركة مجتمع السلم، أكبر تشكيلة سياسية معارضة، فقد طالبت بـ”توفير جو انتخابي نزيه لضمان شفافية الرئاسيات القادمة من أجل الخروج من الصورة النمطية الناجمة من الممارسات السلبية السابقة”.
ومن جانبه، شدد التحالف الوطني الجمهوري على أنه كان يفترض “توضيح مبرّرات القرار للرأي العام الوطني (…) تفاديا لتعريض المواطنين إلى التأويلات المغلوطة”.
إكراهات داخلية وخارجية
وفي تقديره لخلفيات القرار المفاجئ، يعتقد فاروق طيفور، أستاذ العلوم السياسية بجامعة البليدة أنه لا يتعلق برغبة الرئيس تبون في المغادرة، “خاصة إذا قرأنا صورة مشهد الاجتماع وطبيعة المشاركين فيه وحالة التوافق المسجلة حوله”.
ويفسر المحلل طيفور، في تصريح لـ”الجزيرة نت” تعجيل الانتخابات باستباق إكراهات قد تكون ذات بُعدين داخلي، يتمثل في إرباك الأطراف التي تقف خلف مناورات مقاومة التغيير والسياسات الداخلية والخارجية للرئيس تبون.
وفي البُعد الخارجي، يرى طيفور أن السلطة قد قدّرت، من خلال التقارير الدورية، أن الأفضل لها هو تسبيق الرئاسيات بـ3 أشهر، للتفرغ لاستحقاقات وطنية ضاغطة، ولا سيما أن بقاء الانتخابات في موعدها يتزامن مع رهانات أخرى إقليمية ودولية غير مريحة بل ومقلقة، على حد تعبيره.
وأوضح المحلل أنّ غياب التصريح الرسمي بمبررات القرار، يجعلنا أمام فرضيتين، الأولى داخلية، تتعلق باستخدام صلاحيات الرئيس لفتح الساحة الوطنية التي تعيش مرحلة الانتظار والترقب، وثانية خارجية تحتاط لما قد يحدث من تحولات يمكن أن تؤثر على حالة الاستقرار في الجزائر.
وأضاف فاروق طيفور أنّ موعد الرئاسيات في الجزائر يتزامن مع عديد الانتخابات الرئاسية في دول محورية، وعلى رأسها أميركا، ولذلك “قد يكون صاحب قرار تعجيل الاستحقاق أخذ بالفرضيتين معا”.
ضرورة تكتيكية
وفي السياق، خرجت وكالة الأنباء الجزائرية (رسمية) عن صمتها، عقب التساؤلات الكثيرة التي أثارها السياسيون والمراقبون، لترفع الستار في برقية تحليلية، مساء الجمعة، عن دوافع القرار.
وقالت الوكالة إن الإعلان عن تقديم تاريخ تنظيم الانتخابات الرئاسية الى شهر سبتمبر/أيلول قد فاجأ الكثيرين، إذ “أثار الرئيس الجزائري ضمن حرصه على الشفافية، ارتباك خصومه ونوعا ما حلفائه، فمن يتحكم في التوقيت يتحكم في الوضع”.
وأوضحت الوكالة أن المغزى الأول من القرار هو الإشارة الرسمية للخروج من أزمة حراك 2019، حيث “الدولة الجزائرية اليوم ليست في أزمة أو في حالة طوارئ، بل استعادت استقرارها وتوازن مؤسساتها مع استرجاع مسار صنع القرار لديها”.
والمغزى الثاني، تضيف الوكالة، هو “العودة الدائمة إلى الشعب، صاحب القرار الوحيد والمحاسب الوحيد لما أنجزه رئيس الجمهورية، ما يدل على أن الرئيس تبون يثق في شعبه ومواطنيه وناخبيه وفي حكمهم ووعيهم”.
أما الدافع الثالث، وفق قراءة الوكالة الرسمية، فهو أن “التهديدات الخارجية حقيقية وملموسة، بما يجعل من تقليص العهدة الأولى ضرورة تكتيكية، استباقًا لاضطرابات مبرمجة”.
وأكد المصدر الرسمي أنه “طالما لم يحقق الرئيس تبون بعدُ كل أهدافه ووعوده والتزاماته الثابتة، فإنه سيبقى مركزا بشكل تام على استكمال عهده مع الجزائريين ومع المواطن الذي أعاد له اعتباره ليكون صاحب الكلمة العليا”، في إشارة واضحة لاستعداده للتقدم لعهدة ثانية.
طلب تفويض أكبر
وعن آفاق المحطة الرئاسية المقبلة في ضوء القرار بتقديمها، يعتقد المحلل السياسي إدريس بولكعيبات، في تصريح لـ”الجزيرة نت” أن الرئيس تبون يريد الحصول على تفويض شعبي أكبر مع موعد الدخول الاجتماعي، حيث يتزايد الحضور على كل المستويات.
وليس ذلك لتحسين صورته الشخصية أمام الجزائريين، مثلما يوضح المحلل، وإنما لإرسال رسالة قوية إلى مراكز القرار الدولي بأن صورة الجزائر على المستوى السياسي قد تغيرت.
ولا شك أن الانتخابات المسبقة ستعيد الحياة إلى الأحزاب السياسية، ومن المنتظر أن تفرز وجوها جديدة على المشهد لتجديد الطبقة السياسية التي فقدت الكثير من رصيدها خلال الحراك الشعبي، على حد تعبير المحلل.
وبدوره، يؤكد سليم قلالة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر1، أنّ قرار تبكير الانتخابات، من دون أن تسبقه أحداث أو توترات سياسية أو تسريبات، يشير إلى أن تبون سيعيد الترشح لعهدة ثانية.
وإضافة إلى ذلك، يشير قلالة إلى مؤشر الوضع العام في البلاد والمتميز بحالة من الاستقرار وغياب الاحتجاج الاجتماعي المتكرّر، كما كان يحدث عشية العهدات الرئاسية السابقة، ما يعني أن الظرف في صالح تقدّم الرئيس الحالي للسباق مرة أخرى.
وبخصوص المشهد الرئاسي المقبل، لا يتصور الأكاديمي قلالة، أن تكون المنافسة كبيرة للرئيس تبون، بالنظر إلى ضعف الأحزاب الحالية وتردّد الشخصيات الحزبية أو المستقلة في الترشح.
وتوقّع قلالة، في تصريح لـ”الجزيرة نت”، أن يكون المنافس الأكثر حظوظا مع الرئيس تبون هو فارس حركة مجتمع السلم (التيار الإسلامي)، في حال قرّرت المشاركة بمرشحها الخاص، باعتبارها الأكثر تنظيما وانتشارا على المستوى الوطني، على حد تعبيره.