الرباط- أثارت زيارة ستفان دي ميستورا، المبعوث الأممي إلى الصحراء المغربية، إلى جنوب أفريقيا ردود فعل رسمية وحزبية قوية داخل المغرب، إذ اعتبرت الرباط أن هذه الخطوة تجاوزت صلاحيات المبعوث الأممي، وخرجت عن الإطار الذي يحدد دوره في الوساطة بين الأطراف المعنية بتسوية النزاع.
لم تكن التبريرات التي قدمها ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمم المتحدة، بخصوص هذه الزيارة كافية لامتصاص غضب المغرب، إذ قال إن “جزءا من مهمة دي ميستورا هو التحدث مع الدول الأطراف وغيرها من الجهات التي يعتقد أنه يجب التحدث معها للدفع بالعملية الأممية”.
فما الذي أغضب المغرب؟ وهل يمكن أن تؤثر هذه الخطوة على مهمة المبعوث الشخصي في القضية؟ وهل يمكن أن نشهد تكرارا لسيناريو سحب الثقة من المبعوث الشخصي السابق كريستوفر روس في عام 2012؟
أسباب الغضب
قام ستفان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في قضية الصحراء، بزيارة إلى جنوب أفريقيا في 31 يناير/كانون الثاني الماضي، وهو ما اعتبره المغرب تجاوزا لصلاحياته ودوره في الملف.
أولى ردود الفعل المغربية كانت على لسان عمر هلال المبعوث الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة في حوار مع وكالة المغرب العربي للأنباء، أبدى فيها انزعاج المغرب من هذه الزيارة.
قال هلال إن “المغرب لم يتم استشارته أو حتى إبلاغه بخصوص زيارة المبعوث الشخصي للأمين العام إلى الصحراء إلى جنوب أفريقيا”.
وأوضح أن الخارجية المغربية، وبمجرد علمها بمشروع هذه الزيارة قبل عدة أسابيع، أعربت مباشرة لدي ميستورا وكذلك للأمانة العامة للأمم المتحدة عن اعتراض المغرب القاطع على هذه الزيارة، ورفضه لأي تفاعل مع بريتوريا بشأن قضية الصحراء المغربية، استنادا لأسباب مشروعة وموضوعية. وأشار إلى أن المغرب حذره، وبوضوح، من عواقب زيارته على العملية السياسية.
وفصّل وزير الخارجية والتعاون الدولي ناصر بوريطة، أسباب انزعاج المغرب خلال ندوة صحفية أعقبت أشغال الشق الوزاري للمؤتمر رفيع المستوى حول البلدان متوسطة الدخل.
وقال بوريطة إن “جنوب أفريقيا، التي أخذت موقفا سلبيا من قضية الصحراء منذ 20 سنة، لا تملك الأهلية ولا القدرة للتأثير في مسار هذا الملف”.
وأوضح أن المغرب يرتكز على 3 عناصر هي بمثابة خطوط حمراء غير قابلة للنقاش والتفاوض في معالجته لهذا الملف، وهي تحديد الأطراف المعنية بالنزاع الإقليمي حول الصحراء، وتكريس الموائد المستديرة كإطار وحيد للمسلسل الأممي، والتأكيد على مبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد وأوحد للنزاع الإقليمي.
وأكد بوريطة أن هذه العناصر الثلاثة تشكل المحدد الأساسي لعمل المغرب وتفاعله مع الأطراف الدولية والمبعوث الأممي، وحين يتم المس بها يتخذ المغرب الإجراءات المناسبة.
وجهة نظر موضوعية
وعبر عدد من الأحزاب المغربية عن عدم رضاها بالخطوة التي أقدم عليها دي ميستورا، ووصف حزب التقدم والاشتراكية (معارضة) الزيارة بكونها “غير مفهومة” و”غير مجدية”، وأكد في بيان أن مهمة هذا المسؤول الأممي مؤطرة بوجوب العمل حصرا مع الأطراف المعنية بالعملية السياسية.
من جهته، اعتبرها حزب العدالة والتنمية (معارضة) “خروجا مرفوضا ومدانا وغير منتج عن التكليف الأممي، والذي يحدد بوضوح إطار مهامه والدول المعنية مباشرة بهذا النزاع”.
وكتبت صحيفة العلم، لسان حزب الاستقلال المشارك في الحكومة، أن هذه الزيارة تعني أن دي ميستورا زاغ عن مسار التسوية وعن المنهجية التي أقرتها الأمم المتحدة، مضيفة أنه “أمام عجزه اتجه إلى الدفع بإقالته بشكل غير مباشر”.
وتعليقا على هذه التفاعلات، نفى سفير جنوب أفريقيا بالرباط إبراهيم إدريس، نية بلاده التدخل في الشؤون الداخلية للمغرب، وأضاف في حوار مع صحيفة صوت المغرب الإلكترونية أن حكومته دعت المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للقائها لتحصل منه على وجهة نظر موضوعية.
ودعا إلى عدم النظر إلى زيارة دي ميستورا إلى جنوب أفريقيا بطريقة سلبية، “بل ينبغي النظر إليها تحت ضوء أكثر إيجابية، لأن هذه القضية كانت على جدول الأعمال طوال الـ50 سنة الماضية، ولم يكن ذلك بسبب جنوب أفريقيا” وفق تعبيره.
وبرر تواصل بلاده مع المبعوث الأممي، بكونها ترتبط بعلاقات كاملة مع البوليساريو، وأن هذه الأخيرة كانت عضوا في منظمة الوحدة الأفريقية قبل أن تنضم إليها جنوب أفريقيا سنة 1994.
حسابات انتخابية
يرى الباحث في قضية الصحراء، أحمد نور الدين، أن غضب المغرب يعود إلى عدم وجود الحياد والموضوعية من جانب جنوب أفريقيا في النزاع الإقليمي حول الصحراء.
وأشار في حديث مع الجزيرة نت إلى أنها تتبنى بدون تحفظ الأطروحة الانفصالية، وتعترف بما يسمى “الجمهورية المعلنة في تندوف من طرف واحد”. وهذا الاعتراف -في نظره- يعني من الناحية القانونية أن بريتوريا قررت مصير الإقليم موضوع النزاع عوضا عن الساكنة.
ولفت المتحدث إلى أن جنوب أفريقيا وجهت الدعوة إلى المبعوث الأممي، رغم أن ليست معنية جغرافيا، وغير معنية مؤسساتيا، لأنها لا تملك تفويضا من مجلس السلم والأمن الأفريقي صاحب الاختصاص أفريقيا في الوساطة لحل النزاعات داخل القارة.
ويرى نور الدين أن هذه الخطوة محكومة بحسابات انتخابية، إذ ستشهد جنوب أفريقيا انتخابات برلمانية في مايو/أيار المقبل، لذلك يرجح أنها “محاولة لتحقيق بعض النقاط في السياسة الخارجية علها تعوض الفشل في سياستها الداخلية”.
هل تتأثر الثقة؟
أمام هذه التطورات المتواصلة يُطرح السؤال حول ما إذا كانت ردود الفعل الغاضبة من الرباط قد تترجم إلى سحب الثقة من المبعوث الأممي دي ميستورا، وهل يتكرر سيناريو 2012 حين سحب المغرب ثقته رسميا من سلفه كريستوفر روس بعد أن اتهمه بالتراجع عن المحددات التفاوضية التي سطرتها قرارات مجلس الأمن، وسلوكه لأسلوب غير متوازن ومنحاز وهو ما دفعه في النهاية إلى الاستقالة من مهمته.
بالنسبة لنور الدين، فإنه من حكم المؤكد أن علاقة المغرب بالمبعوث الشخصي ستتضرر بعد هذه الخطوة، خاصة بعد تصريحات وزير الخارجية المغربي والسفير عمر هلال.
ويرى أن دي ميستورا ارتكب خطأ مهنيا حين لم يخبر المغرب بزيارته لجنوب أفريقيا، وارتكب خطأ سياسيا حين تجاهل رفض المغرب إجراء تلك الزيارة، مضيفا أن “المغرب هو المعني الأول بالنزاع، ويكفي أن يرفض المغرب التعامل معه لكي تنتهي مهمته دون اللجوء إلى سحب الثقة”.
ومضى نور الدين أبعد من ذلك، حين توقع أن تفضي الأزمة الحالية إلى إنهاء مسلسل التسوية الأممية برمته والذي انطلق سنة 1991، ولم يؤد إلى أي نتيجة.
من جهته، اعتبر أستاذ القانون الدولي بجامعة محمد الخامس عباس الوردي، أن ما حدث سيؤثر على ثقة المغرب في المبعوث الأممي في قضية الصحراء.
وأضاف في تصريح للجزيرة نت أن ما يحدث حاليا هو تكرار لسيناريوهات قديمة (الأزمة مع بان كي مون وكريستوفر روس)، معتبرا أن من شأن ذلك أن يؤثر في الشرعية الدولية وبالأدوار الإستراتيجية للأمم المتحدة في هذه القضية.
وقال الوردي إن “على الأمم المتحدة أن تقوم بدورها في تأطير مبعوثها الشخصي، حتى لا يزج به فيما أسماه “مصائد” قد تؤدي إلى تكثيف الضبابية عوض الاتجاه إلى حلول واقعية ومقبولة ومتوافق عليها كمشروع الحكم الذاتي”.